الحوار المرتقب بين الديموقراطية والاستبداد / د دداه محمد الأمين الهادي

ينتظر الموريتانيون حوارا بين الأغلبية المتظاهرة بدعم الرئيس، وبين المعارضة المتظاهرة بدعم خيارات الشعب، ويعولون على نتائج الحوار في انتشال البلد من حالة التردي، التي يعيشها حاليا، بفعل الفساد الإداري والمالي، “والنهبنوت” المنظم، الذي أتى على موارد البلد، وترك شعبه في حيرة من أمره بسبب الحرمان، والفقر، والجوع، والأوبئة التي بدأت تظهر في شكل حمى ضنك، ونهايات مأساوية لحياة أشخاص في المستشفيات دون أن يجدوا تشخيصا أو علاجا، إضافة إلى أن العام حتى الساعة عام جفاف، أحكم قبضته على البلاد مشاركا في مسرحية الإصلاح.

الحوار المرتقب عانى كثيرا من مواقف حزب تكتل القوى الديمقراطية، ورئيسه أحمد داداه، الذي لا يثق على ما يبدو في وعود الجانب الآخر، والتحق به في تشدده في هذا الطرح زعيم حزب إيناد السيد عبد القدوس/أعبيدن، الذي قدم شروطا كثيرة للدخول في الحوار، في الوقت الذي يرى فيه البعض أن باقي أقطاب المنتدى يميلون للغة الحوار، ويبيتون في نفوسهم وعيا متبلورا حول أهمية أن يتغلب على الاستبداد السياسي بالمداهنة حينا، وبالرأي والمشورة، وكانت منى بنت الدي وهي من أبرز رموز حزب ولد داداه قد اعتبرت في لقاء سابق على قناة الوطنية أن النظام يريد طوق نجاة عبر الحوار، رافضة الرسو على تشخيص محدد للحالة التي تدفع النظام الاستبدادي للحوار.

ومن المنتظر في الأثناء أن يوجه الرئيس محمد/عبد العزيز خطابا من عاصمة الحوض الشرقي “النعمة”، سيتكلم فيه عن الحوار، ومشاكل عمال اسنيم، وسيقول لا شك إن البلد بألف ألف خير، فمن المعروف أن الرؤساء العرب يظلون يتغنون بمسيرة الإصلاح حتى تتهاوى التماثيل فجأة، كما أنه من المعروف أن الكثير من المتفننين في الدفاع عن الحكومات الشمولية المستبدة ليست لديهم مواقف ثابتة ومحددة، فجميعهم يمتلكون مواقف إبداعية تتلون، ولا أدل على ذلك من أن كثيرا من أبطال مشهد الرحيل صاروا يتهجون خطابات التأليه، وليونة المنطق، وبدؤوا يدافعون عن مسيرة الإصلاح المزعومة، ظنا منهم أن الشعب لا يفهم كيف باعوه، وكيف شروه بثمن بخس، وكانوا فيه من الزاهدين.

مطالب أحمد/داداه محقة، لا سيما في النقطة المتعلقة بالكشف عن ممتلكات رئيس الجمهورية، لكن على أحمد والمنتدى أن يطالبوا باسم الشعب بكشف ممتلكات الجنرالات، فإن كل جنرال مر بفترة إن لم يكن فيها رئيسا فقد تشبه بالرؤساء، والرئيس ليس الوحيد الذي يعد مظنة لهدر المال العام، وقد رأينا كيف أن أصحاب الخزينة نهبوا مليارات من أموال الشعب دون خوف من المساءلة، وقد تصل الرحلة بالناهبين إلى 100 مليار تقريبا أو أكثر من مال العموم، ما يعني أن الإصلاح في السنوات الماضية كان فسادا بجدارة واستحقاق وطنيين، ولم يبق للفساد إلا أن يمثل بتمثال، ويكرم في أحد أعيادنا الوطنية.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

على أحمد/داداه أن لا يتخلى عن مطلبه المشروع لمصلحة الشعب، وعلى المنتدى أن يصطف وراءه في هذه النقطة، ونحن على يقين من أن المعارضة والموالاة على حد سواء تحملان في طياتهما أشخاصا معقولين، ولكنهم قلة جدا، فالأكثرية هم المتظاهرون بمحبة الشعب والوطن، وهم ذاتهم من باعو الشرف والضمير في سوق السياسة المحلي، والدولي. “وما أكثر الناس ولو حرصت بمومنين”.

وإذا تأملت معي حالة ما يسمى بأحزاب الأغلبية فسيصيبك الدوار، فالأغلبية الداعمة في مجملها ليست بأحزاب حقيقية، فهي مجموعة من “أحزاب الكرطابل”، بقية مما بقي خلف الأنظمة السابقة من أحزاب كانت يوما ما، وكذلك ثمة القطط السمينة على رأي النظام السوري في الميليشيات، فثمة أحزاب أنشأتها الاستخبارت بإيعاز من المتحكمين في البلد، بعضها باسم الشباب، وبعضها باسم الديموقراطية، وفي الحقيقة هي ليست أحزابا، ويقف خلفها جنرالات يغذونها من جيوبهم، بل يغذون أقاربهم المنضوين تحت لوائها، والأقارب الماثلون فيها يجمعون الشباب والمنتسبين على رقبة عوجاء، فيتحدثون لهم عن المبادئ، وليست ثمة أي مبادئ، وثمة غياب تام للرؤية، ويقف خلف تلك الأحزاب ما هو أبعد من الجنرالات، ويتم ضخ أفراد تلك الأحزاب في شرايين الدولة، وهم الذين عطلوا ماكينتها، فلم تعد صالحة للاستعمال، فليس لديهم إيمان بالعمل والإدارة، بقدر ما يؤمنون بهبات وعطايا من صنعوهم من لا شيء، ويؤمنون بسياسات الحراك المسرحي، الذي أوصلهم لما هم فيه.

ومعظم أحزاب الأغلبية المزعومة ليس فيه منتسبون، إنما ثمة شخصية تلعب دور القط السمين في باحة دار النظام، وحتى حزب الاتحاد من أجل الجمهورية فشعبيته ضعيفة، ولا أعرف ماذا كان يقصد جميل/منصور من كلامه عن رئيسه السيد سيد محمد/محم حين وصفه بأنه ليس من الذين آمنوا، فهل ترى كان يعني أنه ليس من الحركة التي كانت تسمى بذلك الاسم؟ … أم أنه يقصد أن نديمه القديم في ديوان دار الأرقم لا يؤمن بالنظام الذي هو جزء منه؟ … أم أن جميلا كان يريد بذلك أن سيد محمد لم يؤمن بالإسلاميين في ذلك الأوان؟ … أم أن جميلا يقصد الآية الكريمة، التي قال فيها المولى جل جلاله “قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ”. لقد ترك جميل الباب واسعا لنتفلسف ونحلل.

وأحزاب المعارضة منها ما يشترك مع أحزاب الأغلبية في انعدام الشعبية، ومنها “الكرطابل”، وإن خف قياسا بالجانب الآخر، ويبدو أن بعض رؤساء الأحزاب يرخص الحزب، ويحمل “الكرطابل” مباشرة، منتظرا أن تمتد له اليد التي ينتظرها، فيضع الهبة في “الكرطابل”، الذي يضع فيه الحزب، ونتيجة الحزب، فيما يكون هو بمثابة شعبية الحزب.

والمأخذ الذي يؤخذ على الكثير من الأحزاب هو مأخذ استبدادي بالأساس، حيث يوجد لدى كثير من الأحزاب رئيس لا يتغير ولا يتبدل، وإلى جانبه “أوليغارشيا” تشبه العصابة لا تتغير هي الأخرى، وفي هذا أنانية ظاهرة للعيان، وفقر دم في مجال الديموقراطية والتبادل على السلطة والمناصب، ولكن حل هذا الإشكال لن يكون من خلال القطط السمينة، التي يخلقها النظام باسم أنها أحزاب سياسية، وهي مخلوقات غريبة، ومعجونات من دقيق المخابرات، وبيض القبلية، وأرومة الجنرالات.

وأرجع قليلا لشروط حزب “إيناد” لأجد أن أهمها هو الشرط الثامن، المتعلق باتخاذ اجراءات سريعة لتخفيض اسعار المحروقات والمواد الغذائية. فهذا ما سينفع الشعب حقيقة، أما باقي الشروط فهي مهمة ومحقة، لكن تعود أصحاب المظالم على أن لا تتغير ولا تتبدل الأمور لتصبح في مصلحتهم.

ويعد الحوار حوارا ليس ديموقراطيا لأن آليات الحوار الديموقراطي غائبة، فليس من المنطق الديموقراطي أن يكون الحوار في وقت يعلن عنه من جانب، ويكون ثمة جانب متربع تماما على السلطة، ولديه إمكانيات الدولة وعساكرها ولجانها، ويريد الحوار، وبضمانات محلية، فالحوار الديموقراطي يكون بين نظام و معارضة لديها مشاركة فعلية في الحكومة والبرلمان، ولديها وسائل مادية تجعلها ليست في حالة الضرورة، التي تسقط الأحكام والتصورات.

إن ما يحدث حاليا هو فرض حوار، وهو استبداد، لا تفهمه الرعية، وليس أمام الفاعلين في السياسة إلا الانصياع له، ما لم يريدوا المقاطعة، وهي سلاح فتاك، أثبت جدارته في مشاكل أكثر صعوبة وسخونة، ولن يتقدم الشعب الموريتاني ما دام لا يمتلك الوعي الكافي للنهوض، ورحم الله المفكر عبد الرحمن الكواكبي، القائل في كتابه “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد”: “كما أنه ليس من صالح الوصي الخائن القوي أن يبلغ الأيتام رشدهم، كذلك ليس من غرض المستبد أن تتنور الرعية بالعلم .”

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى