تصحيح لبعض ما ورد في ح 9 من: الشيخ سيديا و نازلة الاستعمار/الولي ولد يسدي هيبه

تتطلب محاولة كتابة أو إعادة كتابة التاريخ رؤية حديثة محايدة من زوايا عدة، تبحث في خبايا الحقائق وتقرأ ما بين السطور و عن الحقيقة قراءة وتحليلا أقرب إلى الحقيقة وأبعد عن دوائر المصالح الضيقة ولغة الانتماء و الولاءات والحسابات الضيقة و أن تكون أكثر دقة و موضعية و حيادا و اعتمادا للمناهج والتقنيات العلمية و فلترة الأحداث لتصفية الرؤية، ذلك بأن التاريخ يكتب لصناعة الشعوب و تخليد تاريخها كما هو لا كما يصاغ في المخابر الاجتماعية وغرف الانتماءات الخلفية، حتى يصبح تاريخا يقرأ اليوم ويستشهد به غدا بوصفه مرآة الحقيقة و مصنعا لمن يكتب ومن يقرأ ومن ينشر.

أثار اهتمامي مقال مستفيض، غزير المحتوى عن دخول المحتل الفرنسي أرض شنقيط التي صمد أبناؤها البررة علماء و أمراء مجاهدين و مقاومين، متعدد الاهتمامات و المرامي في تناول أحادي فريد للموضوع، يريد كاتبه أن يجدد في كتابة تاريخ هذه المرحلة الهامة من تاريخ البلاد و أن يصحح فيه ما أثار بتصميم شديد و إصرار بالغ على أنه مغالطات أو سوء قراءات أو عدم فهم صائب لمواقف و أدوار بعض أهم رجال البلد و أعظمهم مكانة و أكثرهم اعتبارا و تأثيرا على مجريات الإحداث المؤسسة الدولة الفتية و هو “الشيخ بابا ولد الشيخ سيديا” صاحب المكانة المحفوظة و المرتبة الرفيعة و المكانة المعتبرة. و لأن الكتابة التاريخية واردة و مطلوبة بإلحاح في بلد ما زال معظم مثقفيه و أكاديمييه و مؤرخيه و باحثيه شبه ممتنعين و مترددين في خيار أو وجوب التوجه حتى إلى ذلك المنحى الهام و الضروري لبناء الثقة بين المواطنين و تاريخ بلدهم و أمتهم و للتواصل و استنطاق ماضيهم المجيد و التحفيز كذلك على الافتخار به و المضي بخطى ثابتة و واثقة إلى المستقبل في وحدة و انسجام على ضوء قواسم التاريخ المشترك بكل مزاياه و محفزاته، فإن تلك الكتابات وقعت في بعض التحويرات المخلة بمادة هذا التاريخ، مغيرة منحى و أبعاد و حقيقة بعض أحداثه و محطاته و مصوبة سهام النقد الذي لا يستند إلى أية أدلة و لا يبرره أي منطق إلى بعض الشخصيات التاريخية الكبيرة و المرجعيات الدينية العالية و الرموز الجهادية الرائدة، حيث غص المقال بالاتهامات الخفية تارة للبعض من رؤساء قبائل و أمراء و قادة حرب أشاوس و مقاومين أشداء للاستعمار الفرنسي بالسلاح و المال و الجاه و النفس و الولد و الأرض، و تارة أخرى لبعض لعلماء الأجلاء و المجاهدين الأفذاذ في سبيل الله. و قد ارتأيت في هذا الصدد أن أورد على سبيل المشاركة في هذه المراجعة التي تهتم بحقبة مقارعة الاستعمار التي ظلت جذوتها حية حتى استتب له الأمر و بسط يده على البلاد و العباد بمساعدة و مباركة بعض أهل البلد الذين رأوا فيه مؤسسا لكيان جديد و حتى بدأت بعد ذلك مرحلة أخرى اتخذت فيها المقاومة التي لم تهدأ في النفوس و على هدي و خطى روادها الذين رحلوا حلة قشيبة ماجدة و جديدة رافضة في العمق منها و مازالت كل الشوائب التي حاولت أن تلطخ لبها المنيع و تمهد لمسخه و القضاء عليه. كما أن الكاتب حاول أن يضع شيخ الجهاد و قائد المقاومة التي كتبت بأحرف من ذهب في صفحات تاريخ هذا البلد و كل البلدان المجاورة في موقف المهادن و لو لحظة عابرة للاستعمار الأسباني الذي كان جاثما على بعض الامة بالجوار و يختلف تماما عن الاستعمار الفرنسي في الأسلوب و المنهج و في العلاقات و التعاطي مع الواقعين تحت نيره، و الإشارة بغير أسانيد أو أدلة إلى أنه تقاضى منه عرابين حتى يلحق بدائرة الذين فعلوا مع المستعمر الفرنسي. و هي المغالطة التي لا يمكن أن تجد سبيلا إلى الإثبات و التأصيل حيث أن الشيخ ماء العينين حارب بقوة الاستعمارين كل بما يناسبه و بعيدا كل البعد عن أي حوار أو تقارب أو تعاهد مع أي منهما، الأمر الذي اعترف به الأسبان أنفسهم تماما كما فعل الفرنسيون الذي كانوا لشدة عدائهم له يطلقون عليه نعوتا تنم عن حقد دفين و كراهية بغيضة. كما أردت أن أسلط الضوء على بعض النقاط و الإشكالات التي وردت في الخلقة و غيرها و تعلقت بجوانب مختلفة من المعالجة و حول بعض المصطلحات و المسائل المتعلقة بمسألة “المقاومة” التي قال إن مصطلحها مستحدث لا أصل، و الجهاد مفهوما و عملا شرعيا. و هي مجموعة الملاحطات التي أوردتها مقتضبة للقارئ الكريم كما يلي ريثما أتناولها قريبا و بإسهاب بإذن الله و مشيئته:

1- الفقرة الأولى م ص 5: يقول كاتب المقال: إن أيا من العلماء المفتين بجواز مهادنة الفرنسيين وسقوط فريضة جهادهم.. لم ينكر تلك النصوص “نصوص الجهاد” من مبدإ وجوب الجهاد لإعلاء كلمة الله وفضل الشهادة في سبيله ونصوص من القرآن الكريم والسنة العطرة وإجماع علماء الأمة.

والجواب هو أنهم أنكروها قولا وفعلا، بل إن منهم من أرسل أقاربه لينضم إلى قوات العقيد غورو لاحتلال آدرار وراسل اتجاهات عديدة واتصل بالقبائل يدعوها إلى الخضوع إلى الاحتلال الفرنسي والدخول في طاعتهم كما تؤكد ذلك التقارير الفرنسية والرسائل التي وجهها مهادنو الاستعمار الفرنسي إلى رموز الجهاد يرهبونهم بقوة فرنسا ويتوعدونهم ببطش وجبروت العساكر المنضوية تحت لوائها والتي هي في أغلبها من المسلمين،بحيث قلما تجد في تلك العساكر أكثر من كمشة من الضباط الفرنسيين لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد.

وأغلبية أولئك عوام المسلمين وما كانوا لينخرطوا في سلك القوات الفرنسية لولا إغراءات رموز مهادنة الفرنسيين ودفعهم لهم وقودا لحرب ليست حربهم، وإنما حربا لتمكين الاستعمار من البلاد وأهلها ومقدراتهم…

وبالتالي فإن رموز مهادنة الاستعمار يقول البعض عن تصرفاتهم مع المحتل أنهم عارضوا بأقوالهم وأفعالهم جميع نصوص القرآن والأحاديث والفتوى الداعية إلى صد المعتدين وعدم مهادنتهم وأنهم مالوا بنصوص الشرع على ما يشتهون ونحن لا نقول ذلك، بل نحسن بهم الظن ونقول : لعل ذلك اجتهادا اجتهدوه.

2- إذا كان البعض يسوغ مهادنة الفرنسيين بانعدام الأمن والفتن بين القبائل، وهي ظاهرة شملت جميع الأقطار الإسلامية، وأن الفرنسيين جاؤوا ليؤمنوا الناس ويسعوا في مصالحهم

فلماذا لا يقوم أصحاب المهادنة بإصلاح المجتمع وفرض الاستقرار والأمن بإقناع الأمراء وأصحاب الشوكة من السكان بإقامة نظام عادل يضع حدا للفتن والحروب عملا بما جاء في الكتاب والسنة.

ومع ذلك فلم تكن الفوضى والفتن مسوغا إلى الالتجاء للكفار لاحتلال الديار الإسلامية، علما أنه منذ القرون الأولى للإسلام وخاصة بعد العهد الراشدي كانت الفتن والحروب بين القبائل وبين الطوائف الإسلامية لم يسلم منها بلد، ولم نسمع أن أحدا من علماء الإسلام طالب أو دعا الروم للمجيئ لفرض الأمن والاستقرار في البلاد الإسلامية.

هذا لعمري في القياس بديع.

3- الكاتب اعتمد على عرض المرحوم محمد ولد مولود ولد داداه نقلا عن كتابين لكل من ليفي بروفنسال، ونوريس وهما مستعربان، كتابان مليئان بالأخطاء التاريخية، كتاريخ عودة الشيخ ماء العينين من الحجاز، وخلاف مزعوم بينه مع أمير آدرار أحمد ولد امحمد وآخر بينه وبين قبيلة أولاد دليمٍ، وكذلك إعلان الشيخ ماء العينين سلطانا، كما اعتمد على الرائد الفرنسي فريرجان، والعرض يعتمد فقط على الكتابات الفرنسية، مع أن المرحلة أرخ لها في العديد من الكتابات المحلية والاسبانية وحتى الانجليزية والإطالية وغيرها.

4- في مستهل فقرات عنونها ب” البعد الوطني وحساسيته في التاريخ للمقاومة” يقول الكاتب بالحرف:” لم تكن المسألة الوطنية ، بمفاهيمها ومضامينها الحالية، معروفة ولا معتبرة لدى الرعيل الأول من علماء وقادة للمجتمع، وإنما كان البحث عن إمام شرعي وحاكم يحكم الناس…. ليقول بعد ذلك، بالحرف أيضا، ” فكيف لأولئك المؤرخين أن يهملوا تلك المعاني والمضامين في تلك الذكرى المعنوية “ذكرى الاستقلال”!؟ وبأي منطق”؟. هذا تناقض صارخ لا مسوغ له اللهم إلا إذا كان الكاتب يحاول تقسيم أهل تلك الفترة إلى فسطاطين: أحدهما وطني كما يفهم من كلامه وهو فسطاط الخضوع والخنوع ومباركة الاستعمار، والثاني ليس وطنيا لأنه سعى إلى محاربة هذا الاستعمار ومقاومته بكل الوسائل المتاحة. وحتى إذا كان الكاتب يسعى إلى تقرير هذا التقسيم على هذا المنوال، فإن محاولته هذه لم يحالفها التوفيق، وتفندها الوقائع والمستندات.

ثم يذهب صاحبنا إلى تنظير جانفه فيه الصواب أيضا، إذ يستكثر على المؤرخين استعمال كلمة “مقاومة” التي يرى أنها باكورة تصدي الفرنسيين للاحتلال الألماني أثناء الحرب العالمية الثانية وأنها تختلف عن مفهوم “الجهاد”

وإذا ما نظرنا لدلالة الكلمتين من الناحية اللغوية أليس “الجهاد” مقاومة؟ أم أن “المقاومة” ليست جهادا؟ والفرق بين الكلمتين هو أن إحداهما ذات حمولة دينية مضبوطة شرعا بينما الأخرى قد لا تكون لها تلك الشحنة الدينية، ولكن وظيفتهما واحدة تكمن في التصدي والدفاع ومقارعة العدو….

المقاومة لغة: مصدر من قاوم يقاوم قواما ومقاومة: ضاده.

ومن معاني قاوم: دافع، ناهض، كافح، ناضل، وهذه ألفاظ تفيد المدافعة.

وذكر أهل اللغة: أن المقاومة مفاعلة من القيام كني بها عن المدافعة لأن المتدافعين يقوم كل منهما مقابلة الآخر. وقد جاءت في كلام المفسرين قديما ففي سورة النمل عند الآية: ” قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون” قال القرطبي لتختبر عزمهم على مقاومة عدوهم.

وذكرها القرطبي مرادفة للجهاد ففي تفسيره عند قوله تعالى في سورة التوبة: وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن” قال : إخبار من الله تعالى أن هذا كان في هذه الكتب، وأن الجهاد ومقاومة الأعداء أصله من عهد موسى عليه السلام.

وقال الخفاجي في حاشيته على البيضاوي: والفرار عن الزحف بغير نية الكر، والانحياز إلى فئة المسلمين كبيرة ما لم يكن الجيش قليلا لا يقدر على المقاومة.

واستعملها المؤرخون والأدباء ففي نهاية الأرب: “ويجوز أيضا للمقاتل من المسلمين أن يدعو إلى البراز لما فيه من إظهار القوة في دين الله تعالى بعد أن يعلم من نفسه أن لن يعجز عن مقاومة خصمه ويقدر على دفع عدوه”.

وفي نهاية الأرب أيضا:” ولما علم العاضد لدين الله عجز أهل القاهرة عن مقاومة الفرنج أرسل إلى الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي يستغيث به”

إذن كلمة مقاومة قد استعملت قديما.

وهناك قول مأثور مفاده: ” أن عداوة الأديان أشد من عداوة الأبدان” . وكما ذكر الشيخ ماء العينين، تغمده الله برحمته الواسعة في تأليفه “مفيد الراوي على أني مخاوي: ” أهل الدين إذا اجمعوا عليه ولم يتفرقوا فيه لن يقهرهم عدو”. وهذا لم يحصل عندما والى بعض المحسوبين على الدين، والوا النصارى أعداء الإسلام ودعوا الناس للخضوع لهم.

5- يتهم الكاتب في مقاله، نقلا عن محمد مولود ولد داداه رحمه الله، أن الشيخ ماء العينين كانت له علاقات جيدة مع إسبانيا تخللها تبادل متكرر للهدايا، بل إن الشيخ تم توشيحه رسميا من طرف ملك اسبانيا!! سبحانك هذا بهتان عظيم هذا يثير الضحك لدى القارئ الملم بحياة الشيخ وبغضه الشديد للكفار كما يثير الاستغراب لدى من طالع الكتب التي كتبها الاسبانيون عن الشيخ مثل ” الشيخ ماء العينين سيد السمارة” للمؤلف أنخل دومنس ومثل ” دراسات صحراوية” لخوليو كرو باروخا إلى غير ذلك من الكتابات التي كانت حريصة على ذكر مثل هذا لو وقع. هذه ترهات لا توجد إلا في عقول مبدعيها الذين يعاصروا المرحلة وليس لديهم أدنى دليل أو برهان على ما يزعمونه من تقول متهافت لا أساس له من الصحة. وإنما يذكرنا بالمثل العربي: ” رمتني بدائها وانسلت”. إنها مقالات يسعى أصحابها إلى وضع المقاومين المجاهدين وحماة العقيدة في سلة واحدة مع المهادين المؤيدين للاستعمار والمدافعين عنه بشتى الوسائل في محاولة يائسة وفاشلة لتبرير مواقف المهادنين للاستعمار والمدافعين عنه، أمثال الكلاوي وبو شعيب الدكالي وحيده وعياد الرحموني ممن ذكرهم الأستاذ الطالب اخيار في كتابه ” الشيخ ماء العينين

وسنبين فيما سنكتبه مستقبلا الحقائق كاملة مرددين قوله تعالى: ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم.

قال الحسن اليوبي: من المشكلات العويصة التي واجهت الحركات الجهادية بالمغرب طبيعة العلاقات التي أصبحت تربط المحتل الأجنبي بسكان المناطق التي احتلها، إذ تحول المقيمون بالأراضي المحتلة إلى عنصر تقوية للأجنبي، يؤدون له الضرائب، ويمدونه بالمواد التي يحتاجها، ويتجاوز بعضهم ذلك إلى خدمات أشد خطورة، كإمداده بأخبار المجاهدين وتحركاتهم، والمشاركة معه في حركاته العسكرية داخل البلاد.
ومن خلال الفتاوى التي تنقلها كتب النوازل في الموضوع يمكن تصنيف المقيمين بالأراضي المحتلة إلى أربع فئات:

1- فئة المقيمين الذين يؤدون للأعداء ما يفرضونه عليهم من مغارم دون أن يتصلوا بهم في تجارة ولا غيرها.

2- فئة المقيمين الذين يترددون عليهم قصد المعاملة التجارية دون غيرها.

3- فئة ينقلون لهم أخبار المسلمين.

4- فئة يخالطونهم ويتوددون إليهم، ويقاتلون المسلمين معهم.

لذلك كان عمل المجاهدين في حاجة إلى توعية السكان ودعوتهم إلى مقاطعة الأجنبي اقتصاديا واجتماعيا … وتولي الفقهاء إبراز أحكام الشريعة الإسلامية في المسائل المتعلقة بأوضاع المقيمين بالأراضي المحتلة وعلاقاتهم بالمحتل”1.

وتعرض الحسن اليوبي إلى حكم التجسس لصالح الكفار، وساق ما ذكره الونشريسي من أنهي يقتل، ولا تقبل توبتها عن ابنن القاسم وسحنون، ورأى ابن وهب قبول توبته، واشترط البن الماجثون في قتله اعتياده على فعله، ورآى البعض أنه لا يقتل إذا عذر بجهله”2.

وذكر اليوبي : ” أن ظاهرة التجسس شكلت عقبة عرقلت حركات الجهاد ضد المحتل الأجنبي. واكتست هذه الظاهرة طابعا جماعيا في بعض الأحيان، فقد اتهم المجاهد العياشي سكان الرباط وسلا من ” المورسكوس” بالتجسس لصالح البرتغال ونقل أخباره وتحركاته إليهم، فأعلن الحرب عليهمن وحاصر الرباط والقصبة سنة 1041 ه 1631 م بعد أن استفتى الفقهاء في أمرهم، فافتوا بجواز مقاتلتهم وكان من أفتى في الموضوع أبو عبد الله محمد العربي الفاسي، وعبد الواحد بن عاشر. وقد حارب الفقهاء ظاهرة التجسس بشدة وصرامة، واتفقت الفتاوى التي أصدروها في هذا الباب على حكم واحد لا خلاف فيه هو قتل كل من ثبت عليه أنه يتجسس لصالح المحتلين الأجانب من البرتغال أو الإسبان. فقد أفتى علي بن عبد الله الأنصاري في قوم ينقلون أخبار المسلمين للنصارى ويخبرونهم بعوراتهم ويسعون معهم فيما يضر المسلمين بأنهم يستحقون القتل من غير استتابة تبعا للقول المشهور في مذهب مالك وهو ما ذهب إليه ابن القاسم وسحنون”3.
تعرض التسولي لحكم المتعاونين والمحاربين مع الكافر المحتل وقال:” إذا كان يقاتل من أراد إفساد الكروم، وغابة الزيتون، فكيف لا بمن يريد إفساد الدين بالكتم على الجواسيس، ونقل الأخبار، ومبايعة الكفار، فهم أسوأ حالا من المحاربين، لأنهم تولوا الكفار، ومن يتول الكفار فهو منهم. فإن أظهروا الميل للعدو الكافر، وتعصبوا به: فيقاتلون قتال الكفار، ومالهم فيء. وقد سئل الإمام سيدي أحمد بن زكري: عن قبائل من العرب امتزجت أمورهم مع النصارى، وصارت بينهم محبة، حتى أن المسلمين إذا أرادوا الغزو، أخبر هؤلاء القبائل النصارى، فلا يجدهم المسلمون إلا متحذرين متهيبين وربما قاتلوا المسلمين مع النصارى. ما حكم الله في دمائهم، وأموالهم.؟ فأجاب بقوله: ما وصف به القوم المذكورون:

يوجب قتالهم كالكفار الذين تولونهم ومن يتول الكفار فهو منهم ….. أما إن لم يميلوا إلى الكفار، ولا تعصبوا بهم، ولا كانوا يخبرونهم بأمور المسلمين، ولا أظهروا شيئا من ذلك، وإنما وجد منهم الامتناع من النفير فإنهم: يقاتلون قتال الباغية”4.

في سنة 1188 م شارك مجاهدون ممن كانوا تحت الإيالة التركية في حصار مدينة مليلية، فلما عادوا إلى بلادهم أباح الأتراك دماءهم، فاستفتى السلطان محمد بن عبد الله الفقهاء في ذلك.

فأجاب على الاستفتاء مجموعة من الفقهاء منهم الشيخ التاودي والشيخ بناني والحافظ إدريس العراقي. فقد أفتى الشيخ التاودي بأن من قتل ونكل بمن انحاز إلى طائفة المجاهدين لا يعد من أهل الدين، ولا من جملة المؤمنين، لإهانته ما عظم الله، وأن جزاءه أن يؤخذ ويقتل بعد أن يطاف به جزاء للسيئة بمثلها.

أما الحافظ العراقي، فأفتى بأن قتل أولئك المجاهدين يعد ردة من فاعله، لكونه قتلهم لأجل جهادهم، فهو كمن قتل مسلما لأجل إيمانه، فحكمه أن يستتاب فإن تاب يمكن منه أولياء المقتولين ليقتصوا منه، وإلا قتل حدا لكفره.

وسأخصص حلقة على ظاهرة الجهاد دون إذن من الإمام

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى