تعليق د, محمد البرناوي على كتاب الدكتور أحمدكوري ولد محمادي : “الرواية الشنقيطية من الألفية والشواهد النحوية” الاثنين 9-01-2017

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على النبي الكريم
أود في البداية أن أعبر عن سعادتي بوجودي في هذا المقام، في صالون الولي محمذن ول محمودا، وعن خالص الشكر للدكتور أحمد كوري ابن محمادي الذي شرفني بالدعوة وفرصة المشاركة.
أما بعد
فقد شرفني أخي وصديقي الدكتور الفاضل أحمد كوري ابن محمادي بدعوتي، قبل أسبوع لحضور نقاش كتابه ” الرواية الشنقيطية من الألفية والشواهد النحوية” الذي ذكر لي أنه سيكون في الصالون العامر للولي محمذن ول محمودا، أمد الله في عمره، وبالطبع أجبت على الفور بكل سرور، ووعدني الدكتور بالاتصال ثانية لتأكيد الموعد فكان اتصاله الثاني يوم الاثنين الماضي، مؤكدا أن الندوة ستكون يوم الأحد الموافق 08يناير 2017.
فبدأت قراءة الكتاب التي كانت، بسبب ما أحاط بها من استعجال، بالبصر لا بالبصيرة واستغرق المرور يومين. فمعذرة إليكم إن أحبطتكم.
وقبل الدخول في عرض هذه الدردشة، أبادر إلى الإشارة إلى أن قراءة الكتاب تركت لدي انطباعا مسيطرا بأصالته وطرافته الملفتة للانتباه، خاصة بالنسبة لغير المتخصصين، ومع أن دقة موضوعه تحميه من عبث الطفيليين من أمثالي، فقد وجدت في قراءته متعة كبيرة.
وسيكون تدخلي على شكل ملاحظات حول مكانة الكتاب في البحوث المتعلقة بالتراث الثقافي والعلمي للشناقطة.
1- وسأبدأ بالقول إن الموضوع دراسة في كتاب يعد أحد أهم مراجع بلاد شنقيط، إن لم يكن أهمها على الإطلاق وأوسعها انتشارا وأكثرها تأثيرا، في الثقافة الرسمية للمجتمع وفي بنية عقله.
إن الأمر يتعلق “بالرواية الشنقيطية من الألفية والشواهد النحوية” لا بألفية محمد ابن مالك الأصل وشواهدها.
لقد أجرى الشناقطة تحويرات – حسب المؤلف-على أصول تلك النصوص بحيث تغيرت بنيتها فشكلت الظاهرة التي هي موضوع هذه الدراسة.
إن الألفية المعتمدة إذن في محاظرنا هي ألفية محمد بن مالك، لكن التحويرات التي طرأت عليها وشواهدها على أيدي الشناقطة، تمنحنا شرعية القول بوجود رواية شنقيطية منها ومن الشواهد النحوية.تلك ملاحظتي الأولى.
2- إن هذه الألفية في جزء مهم منها أصيلة وليست كلها من تحويرات الشناقطة، فقد وقف المؤلف على جزء مهم من مصادرها التي تنوعت: فكان منها، على سبيل المثال لا الحصر، الرافد المغربي في بعض نسخه المنقرضة، والرافد الخالدي الذي عبر إلى البلاد عن طريق السودان، وقد تكون الشروح بتعدد نسخها وما وقع عليها من تحويرات بفعل الاستنساخ أو انتقال التصويبات إلى المتن، قد شكلت بعض مصادر الألفية أو الشواهد.
ولم يكن رد الفرع إلى الأصل سهلا فقد كانت العملية على قدر كبير من التعقيد.
ومع ذلك فقد بقي للشناقطة نصيب من ألفيتهم ينتظر التأصيل، وقد تشرع تلك البقية للمتهورين مثلي التسمية : ” الألفية الشنقيطية”، بدل اعتبارها رواية شنقيطية للألفية.
3- ومع أن موضوع الكتاب هو الألفية والشواهد النحوية، فقد حرص المؤلف على الإحاطة بمرتكزات السياق المعرفي ذي العلاقة بكامله عرضا وتحليلا: فبحث في بينة النصوص ومصادرها وهجرتها، وفي خارطة المعارف ذات الصلة، وعَرَضَ الممارسات المنهجية التي لها علاقة بتغيير وتحوير النصوص كالتصحيحات والتصويبات ورحلات انتقالها إلى المتون، مستعرضا تطورها في الفقه ودواوين الشعر، منبها على وعي المؤلفين الشناقطة بخطرها وتحفظاتهم عليها.
كما وقف المؤلف على أمثلة هامة من مراجعة تلك التجربة ونقدها، خاصة مع عبد الودود ول عبد الله في كتابه ” روض الحرون” وأحمد ابن الأمين الشنقيطي في مآخذه على ولد اتلاميد وفي مراجعة معارفه على ضوء ما استجد عليه من مصادر بعد مغادرته الديار الشنقيطية.
وقد كان يوم ميمية حميد ابن ثور الهلالي يوما أيوما من أيام العرب المشهودة.
ومن الملفت للانتباه أن العرب في عاصمة العلم في المشرق ( القاهرة) قد استحسنوا تلك “الخلطة الشنقيطية”على علاتها، أعني ما عرف في البلاد بميمية حميد ابن ثور، وكانوا فخورين باعتمادها، مع ما بها من أسرار كانت في منأى عن الرواد قبل صاحبنا.
4- وقد تضمن الكتاب إبراز الدور الخاص للشناقطة في النهضة المعرفية في المشرق العربي ليس فقط من خلال التدريس والتأليف – على أهميتهما- وإنما كذلك عبر الدور الكبير الذي لعبوه في نشر المخطوطات من خلال التصحيح والتحقيق خاصة أحمد بن الأمين الشنقيطي وولد التلاميد، حتى أصبحت ” النسخة الشنقيطية” علامة تجارية لدى الناشرين في مصر.
5- وأود أن أشير ، في هذه الملاحظة الخامسة، إلى جانب آخر من الطرافة المنهجية في الكتاب، يتعلق هذه المرة، من جهة بالاستغلال الأصيل لما تتيحه المناهج والنظريات العلمية الحديثة من إمكانيات في البحث مثل مفهوم ” أفق الانتظار” في نظرية الاستقبال، ومن جهة ثانية، بخلق المفاهيم والمصطلحات الإجرائية كمفهوم”الخلطة الشنقيطية” فليس هناك – في رأيي- ما هو أدق من المصطلح في التعبير عن الواقع خاصة ما يسمى بميمية حميد ابن ثور الهلالي .
6- وأخيرا فقد كان البناء المنهجي للكتاب محكما وكانت المصادر والمراجع – بوفرتها وطريقة استغلالها- مدهشة، وكان تمفصل النص رائعا، فقد تساءل الباحث عن الأسباب ووقف على تعقيدات النشأة وتتبع التطور وربط الظاهرة بسياقها التاريخي والاجتماعي والمعرفي، وافترض بشأنها تفسيرات هي اليوم خلاصات علمية حول موضوع يتجاوز في أهميته العلمية، الحدود المحلية، بفعل ما أثار – خصوصا- من أبعاد لمساهمة الشناقطة في النهضة العلمية في المشرق العربي، ومن ثم في البناء العام للثقافة العربية الإسلامية.
ومع أن جهودا جادة قد بذلت من قبل في دراسة التراث الثقافي للمجتمع بشكل عام، فإن الكتاب الذي بين أيدينا اليوم يتميز، من حيث مكانته في مسارات البحث العلمي في البلاد، بأنه من جهة، بحث دقيق في كتاب شكل أهم مرتكز معرفي في البناء الثقافي- العلمي في المجتمع.
وهو من جهة ثانية، دراسة لجانب هام من المساهمة الشنقيطية في البناء العام للثقافة العربية الإسلامية.
وهو من جهة ثالثة، حفر في بنية العقل الشنقيطي من حيث المصادر والمكونات . أليست الألفية و” ميمية حميد بن ثور الهلالي” والمختصر وتصويبات الشيخ محنض باب ولد اعبيد عليه وعلى بعض دواوين الشعر وغير ذلك مما اجتهد المؤلف في عرضه وتحليله من المعرفة العالِمة في المجتمع، من أهم مكونات العقل الشنقيطي العالِم؟
ألم تبلغ أُلفة الشناقطة بالألفية درجة يمكن القول معها- مع خطر المجازفة في إطلاق الأحكام- بإنها بالنسبة لهم طريقة في التفكير، مع أنها بالطبع كتاب للدرس والتدريس؟ وأنهم – ضمن منطق معين- يفكرون من خلالها.. يفكرون بها؟
والكتاب أخيرا من جهة رابعة، تأسيس لمسار في الدراسات وأفق للبحث في خصوصية المجتمع الثقافية وهويته، ذلك المشغل العلمي الذي يعتبر حجر الزاوية في أية نهضة أو تنمية ممكنة.
تلك دردشة حول التأليف.
أما بخصوص المؤلف فسأوفر على نفسي وعليكم الحديث عنه، فشهادات دروب المعرفة له ومسالك البحث الجاد والأصالة خير من شهادتي.
وإذا كان الوالد الشيخ يابه بن محمادي أطال الله بقاءه، يكفي لتفسير تلك التنشئة المعرفية الراسخة، فإن للوالدة العالمة التقية صفية بنت عبد الودود ذكر مستحق هنا وفي كل حلقات الدرس والبحث والتأليف والفضل.
بيد أن جذور الرجل في سلطان المعرفة والعلم تمتد بعمق في السلاسل الذهب وبيوتات الشرف المخلدة في التاريخ.
فمن الدوحة النبوية السملالية نبدأ بالعارف بالله سيدي محمد بن سليمان السملالي الجزولي صاحب دلائل الخيرات، والعلماء الصلحاء: الشريف سيدي أحمد بين موسى السملالي والشريف سيدي ابراهيم ولد باب والشريف سيدي الهادي ولد عبد الله ولد باب، والشيخ ماء العينين يحجبو ولد خطري، والشيخ محمد ولد الدح ولد السالكي والشيخ بمب ولد محمادي رحمه الله والشيخ يابه ولد محمادي أطال الله بقاءنا وبقاءه.
أما أخواله فنذكر من آبائه منهم: العالم الصالح الزاهد المنفق الذي جمع سلطان العلم والثروة والزعامة: أفلواط بن مولود ابن باركلل ابن أحمد بازيد الذي أشتهر بالكرم في مجتمع يزعم أن البذل إحدى قيمه الأساسية حتى قال فيه الشيخ الشريف محمد بن سيدي محمد التشيتي بأن بئر بيركني التي أنفق بها في يوم واحد مائة ناقة أحق بمدفنه.
والعالم الصالح معدن الكرم محمد الأ مين ولد البخاري ولد محمد ابن محمود ابن عبد الله ابن باركلل ابن أحمد بزيد، ومسكه بن باركلل بن أحمد بازيد وهو شيخ الشيخ محمد اليدالي وهوأول من أدخل الطريقة الشاذلية إلى البلاد وأول من هلهل الشعر فيها، على رأي الأستاذ الدكتور يحيى بن البراء، بينما يرى آخرون بأن قصيدة عمته مريم بنت أحمد بازيد هي أولى قصائد بلاد المليون شاعر، ومنهم الشيخ محمد المامي بن البخاري الغني عن التعريف وسيدي عبد الله بن الفاظل الذي تخرج من محظرته الشيخ سيدي عبد الله بن الحاج ابراهيم وابنه محمد محمود والشيخ عبد الله بن الحاج حماه الله القلاوي وحرمة بن عبد الجليل العلوي.
وسيدي عبد الله بن الفاظل هذا هوالشنقيطي الوحيد الذي تذكر المصادر انه مارس القضاء لعدة سنوات في مصر.
ويذكره الجبرتي محكما في مصرفي مسألة تتعلق بأحد علمائها.
فلا عجب إن أفاد وأجاد وأمتع وتميز سليل التميز
وهل ينبت الخطي إلا وشيجه وتغرس إلا في منابتها النخل
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المداخلة تمت يوم أمس في صالون الولي محمذن ول محمودا حول كتاب الدكتور أحمدكوري ولد محمادي : “الرواية الشنقيطية من الألفية والشواهد النحوية”

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى