ركود “المانعين” تصريف الثقافة

“إن التاريخ مفيد، ليس لقراءة الماضي، و لكن لقراءة المستقبل”
يقول الرميحي في مجلة “عكاظ” ردا على السؤال”لماذا كل هذا الركود الثقافي العربي مقارنة بحراك عقود مضت “: دعني أتساءل هل هناك ركود بالفعل، أم أننا نتخيل ذلك الركود الثقافي؟ و يتابع قائلا: أرى أن هناك حراكا ثقافيا عربيا، إلا أن الوسائل اختلفت، كانت المجلة، والكتاب من قبل، ولكن اليوم وسائل التواصل الاجتماعي أخذت مكانهما، لعدد من الأسباب آخرها طبعا توفر هذه الوسائل.
أما أول الأسباب فهو ضيق المساحة التي تتيحها المؤسسات الثقافية وأجهزة الدولة في مقابل المساحة الجديدة التي تقدمها تقريبا بلا حدود (وسائل التواصل الاجتماعي) فهي تقدم حرية شبه كاملة مع حد أدنى من المسؤولية، فأنت تستطيع أن تقرأ الكتاب الممنوع من الإنترنت اليوم، وتستطيع أن تعرف ما وراء الخبر من الفيسبوك، وتستطيع أن تعرف حكم المحكمة وقت صدوره من تويتر.
و إن الوسيلة التي اختلفت حملت معها شكلا آخر من العمل والفهم الثقافي، وغدا المثقف قادرا على قراءة لغات أخرى (مثل الإنجليزية) إذ يستطيع أن يقرأ الكتاب الفائز بجائزة نوبل بالأمس على الإنترنت، كما أن قدرة التقنية الرقمية على الترجمة قللت من الحاجز اللغوي. وهناك اليوم برامج تنزلها على هاتفك المحمول وتكتب أية عبارة لتترجم فوراً إلى عدد من اللغات و تفتح آفاقاً ثقافية لا حصر لها إن كانت الثقافة التي نعني هي المعنى العام للثقافة (شيء من الاطلاع العميق ممزوجا بقيم التسامح والحداثة).
لكن قبل الإمعان في إجابة “الرميحي” الكاملة و المجردة من عقدة النقص و التمترس “الجاهلي” وراء قيم طوباوية و نرجسية سلبية إلى حد التبخر فلنلق نظرة فاحصة لا ادعائية على واقعنا الثقافي و لنبرز وجهه المشع إن كان لهذا الوجه ثمة وجود و تنوير.
و ليس هذا الطلب من باب تحدي ما لا يجوز التطاول عليه بقدر ما أن الهدف هو إرساء منطلق موضوعي لواقع ركود لا يخفى و لآثار مترتبة و فعلها السيئ على الحركة الفكرية و الثقافة لبلد في مؤخرة الركب الأممي.
و هل أن المحسوبين بشهاداتهم العالية و مواقعهم الأكاديمية في البلد يدركون الفوارق في معنى (الثقافةCulture ) و إشكالية مفهومها القادم من الفضاءين الإنكلوسكسوني anglo-saxon و الفرانكوفونيfrancophone و التي ما زالت متعسرة في الفضاء العربي الذي ينتمون إليه رغم محاولات التوطّين العلمي ومفهوم البناء والإنجاز و المأسسة وسيادة القانون من المفاهيم الضيقة للثقافة و السعي إلى إدراج مجموع نتاج الإبداعات الإنسانية في المفهوم الواسع للثقافة المتمثل في تلاقح جذور معرفية عميقة، مع مبادئ إنسانية عامة وقيم عليا؟
و إذا كان الأمر كذلك فلماذا لا يحركون ساكنا علميا عبر أنشطة فكرية و تظاهرات عملية تجريبية حيوية فيحولون بالحركة على أرض الواقع موات وغائب الطموحات إلى عطاء بناء و يمررون رسائل الاستنهاض إلى العمل الإبداعي و البناء الفكري و النفسي السليم للمواطن الموصوم بالتحجر الفكري و غياب الوعي الثقافي في أحضان غياب مرضي في كواليس الماضي و مغالطة النقص بالتدثر بأمجاد أقوام أخلوا بما كسبوا و بكل أبعاده الأخرى من ناحية، و لحجز مكان للبلد على متن قطار المسقبل في ترجمة بديعة لمقولة “إن التاريخ مفيد، ليس لقراءة الماضي، و لكن لقراءة المستقبل” من ناحية أخرى.
فهل يشعرون بثقل المسؤولية، و يدركون ضرورة الأمر في دقة المنعرج؟ و هل يسعون إلى تغيير ما بأنفسهم برسم الاضطلاع بمسؤوليتهم التاريخيه التي لا يسقطها التقادم مطلقا؟

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى