مشكلة العرب اليوم
قالوا ان الدول تقوم علي الكفر و لا تقوم علي الظلم , و الصحيح هو ما يدعونا اليه ديننا , ان نعظم الله وحده و نحكم شرع ه و ننشر العدل بين الناس , فتلك هي المسلمة التي لا جدال فيها , تجاهلها البعض و دفعوا الثمن ولا زال يتجاهلها رؤساء آخرون , فالظلم و القمع و القهر ظلمات , و هو رد علي صاحبه و قد حرم الله الظلم علي نفسه و جعله بين العباد محرما … و الظلم القابع بينا لم يعرف فقط عند الرؤساء , فقد عرف كذلك عند الوزراء وعند الموظفين , عند التجار و رجال الأعمال , عند الحرفيين و أصحاب المخابز , عند أصحاب سيارات الأجرة و أصحاب المطاعم و المحلات التجارية , وقد مورس الظلم فينا علي الأجير, و العامل و علي التلميذ و الطالب وعلي الأستاذ و الطبيب و المهندس …..
في مجتمعاتنا اليوم يظلم الناس بعضهم بعضا و يكذبون كما يتنفسون , واقع لابد من الاعتراف به ومعالجته و وضعه في الأوليات , مواعيد كاذبة , تزوير تلاعب بالأوراق , قلة احترام , لامبالاة لا بالدولة و لا بالشارع , فوضي , فخر و تفاخر وهروب من الواقع … كذب ونفاق يتفشي بين العامة و الخواص في الأوساط الحكومية و في الأسواق و بين الناس , و رغم النداءات والأصوات التي يتردد صداها في المساجد , في البيوت و من حولنا , فان ما نراه علي ارض الواقع من ممارسات و سلوك بعيد كل البعد عن القيم و المثل التي يدعونا لها هذا الدين ,…… قطيعة , فصل بين الدين والمعاملات , تقليد اعمي للآخرين , و هروب الي ديمقراطيتهم و انتخاباتهم , خسارة في الجهتين , فلا نحن عالجنا هذه القطيعة و جعلنا الدين يدخل في سلوكنا , حتي لا يكون كذب ولا نفاق ولا تمثيل و حتي نعي ما نعمل و نتقيد بما نقول , ولا نحن طبقنا ديمقراطية الغرب التي لا يؤمن أصحابها بالقبيلة و ثقافة العائلة والحظيرة و القطيع …
أيام تفكيرية , جلسات برلمانية عديدة , فهلا خصصت واحدة منها فقط لمناقشة هذا المرض العضال ” الكذب ” و الخروج بنتائج ملموسة لمحاربته بين الخواص و العوام , …. موعد الموسم علي الأبواب ” موسم الحج الأكبر ” , تجديد المجالس البلدية او البرلمانات والانتخابات والاستحقاقات التشريعية و غيرها , فيهرول معظم المثقفون و التجار و رجال الأعمال و أصحاب النفوذ الي القري و المدن و يعتلون المنابر و يصرح كل من جهته , هذا سيحول الصحراء الي جنان خضراء و هذا سيجلب الخير للبلد و و يحل مشاكل الشباب و البطالة , و غلاء الأسعار , وذاك سيوفر الأدوية و العلاج و الماء الشروب و ..و المزيد من الديمقراطية و الكلام الجميل , و ديمقراطية ” المعارضة و الموالاة ” , معارضة من ؟ الحكم … , ومن اجل من ؟ و الجواب كما لمسناه عند معظم هؤلاء ” من اجل الحكم ” , و موالاة لمن ؟ للحكم ,.., و لا شيء لأجل الشعب , … عقل العائلة الصغيرة و قبة البرلمان فقط … معارضة همها الوحيد ترصد الثغرات , و موالاة تتقن فقط ثقافة النفاق , أما البلاد و العباد , فقد أصبحوا طرفا ثالثا خارج اللعبة … محاكاة غير موفقة لديمقراطية الغرب و تقليد جاهل اعمي و المؤسف في الأمر أن أبطاله هم ” نخبة البلد ” او هكذا يوصفون … وبسهولة فانك إن كنت في الحزب الحاكم فستحصل علي خنشة قمح و نصيب من المساعدات و ستقرب و تحظي بالتعيينات وان كنت من المعارضة فانك إن حصلت علي نصيب , فبصعوبة يكون …
معارضة , موالاة , برلمانيون , رجال أعمال , عسكريون , مدنيون , أئمة مساجد , تجار , خبازين , أصحاب مطاعم …., الكل يريد الحكم , او أن يكون في حاشية الحكم , تنافس غريب و لنفترض انه ايجابي و لكن ثمة ما هو أولي , صاحب الدكان , أهل الحي , الجيران , المدارس , هذا المعلم , المهندس , الطبيب , حياة الناس , هؤلاء الذين وكلونا للتحدث باسمهم في البرلمان … فهل ضبطنا الأمور مع كل هؤلاء , هلا نظرنا الي هذه اللبنة الأولي لنضعها بإحكام قبل أن نقفز إلي الحكم و الكراسي و المسؤوليات الجسام … واغلب الظن أننا لو ضبطنا ما بحوزتنا او من حولنا من مسؤوليات و حقوق لظل هذا الكرسي الذي يأرق الكل مهجورا و ربما شاغرا لسنين او علي الأقل لعشنا و مارسنا ديمقراطية صحيحة مسؤولة , فالكذب لا يبني الدول , و إن كان فلوقت غير طويل , و هو ما يحصل ويشاهده العرب اليوم … المال و لا شيئ غير المال , الثراء ’ جهاد, كل يريد الثراء , طبيعة البشر , و لكننا مسلمون و موقنون ان الموت قادم , فالكل عن الحكم و الجاه و المال و الحياة لا بد راحلون , مسلمة مفروغ منها , يعرفها الرؤساء و أصحاب البرلمان و التجار و الأغنياء و الفقراء , فلما الظلم و الكذب و النفاق ؟ و من اجل ماذا ؟ و لماذا لا نعيش المصالحة و المصارحة مع أنفسنا و شعوبنا ؟ لماذا نحاول تقليد الغرب فقط في الديمقراطية الصورية و صناديق الاقتراع ” ان كانت هي النموذج الأمثل ” و لا نقلدهم في الصراحة و الصدق و التقيد بالالتزامات و التعهدات .
صندوق اسود لدي الرؤساء العرب , مصطلح غريب ميزانية سوداء و أخري بيضاء , فروق شاسعة في الرواتب لدي البلدان العربية ,وزراء , أطباء , مهندسون , برلمانيون , كتاب , رؤساء , أمراء , جنود , أئمة مساجد , عمد , معلمين …… فوارق قوية متباينة بين كل هؤلاء و كلهم مجندون لخدمة البلاد , ساعات عمل متساوية لدي الكل او تكاد تكون , و الهدف واحد و هو خدمة البلاد و العباد , وان كان ثمة تفاوت في حجم و أهمية المسؤولية المسندة , إلا انه لا يتطلب كل هذه الفوارق الكبيرة في الرواتب .
ثقافة العائلة و الحظيرة و القطيع , ظهرت بظهور الجامعة العربية و خريطة الوطن العربي , فمن خط تلك الخريطة و من قال انها تقف عند ذالك الحد و أبناء الصحابة في تركيا و في الهند و في سمرقند و غير بعيد أفارقة يتحدثون لغة الضاد بطلاقة ,, فالتصور الضيق و النظرة التقزيمية التي حصرنا فيها الغرب وجعل امتنا و خريطة أرضنا في أبعاد ضيقة محدودة لا دخل لنا في رسمها إنما رسمها الغرب ( في مؤامرتهم الخارجية ) فخرج مثقفونا ( في مؤامرتهم الداخلية ) يجوبون الشوارع حاملين الشعارات المؤيدة لذلك و أنها خريطتنا و أنها امة لا تقهر , صحيح تلك العزة أودعها الله في هذه الأمة لكن بشرط : ما إن تمسكت بهذا الدين , الذي لا يقتصر علي الصلاة و تلاوة القران و حفظ المتون إنما في جوهره معاملات و ابتعاد عن الكذب و النفاق , واندماج في العمل والإتقان والتحلي بالصدق و الإخلاص مع من حولنا بشرا كان او حجرا او شجرا … ازرع فسيلة , شجرة, تعليمات رسول الله محمد صلي الله عليه و سلم تجاهلناها و اخترنا أن نعيش علي القمح القادم من وراء البحار (المؤامرة الداخلية )
ان تكون قوميا تركيا او قوميا هنديا او قوميا عربيا او قوميا افريقيا او اوروبيا ,لا يهم …اما ان تكون قوميتك قومية محمد صلي الله عليه و سلم و أصحابه , قومية بلال الحبشي , قومية حمزة الهاشمي , قومية سلمان الفارسي , قومية صهيب الرومي رضي الله عنهم أجمعين , فتلك هي القومية السليمة,,, انتقاء إلاهي , رسالة واضحة , و أنه دين أممي شمولي لا يقبل أن ينحصر في خرائط و جماعات و أجناس من البشر ,,,, الأمة لديها خير وفيها خير و هي لا تحتاج كتب حمراء و لا خضراء و لا صفراء و لا خريطة و لا بوابة غربية او شرقية , أفقها واسع و نظرتها بعيدة , تحتاج فقط الصدق و الصديقين المخلصين الذين لا يكذبون و لا ينافقون للحكام و الأغنياء و أصحاب النفوذ و الذين إن حكموا العباد و البلاد أقاموا العدل و صدقوا الله وشعوبهم
ثقافة الألقاب , شيخ المشايخ , العلامة , قطب الزمان , قطب الكرة الارضية ’ الكبريت الأحمر , شيخنا الشيخ فلان نفعنا الله ببركته , و قد جعل الله البركة في الشجر و في الحجر و في البشر , سلطان العارفين , آيات الله , و الكون كله آيات الله و فضله , بحر المعارف , وغيرها من الألقاب الدخيلة علي ثقافة الأمة , و الكل يعلم ان السابقون من هذه الأمة و إن كانوا أهلا لقمة النعوت والألقاب فلم يعرف عنهم , و لم نسمع بشيخ المشايخ ابو بكر الصديق و لا العلامة , الشيخ الأكبر عمر بن الخطاب , ولا بحر العلوم القعقاع بن عمرو , و لا شيخنا الشيخ خالد بن الوليد , فقد ترفعوا عن كل ذلك و اهتموا بالواقع و ساحة الميدان و إيصال رسالة الله , مسلحين بالتواضع و الصدق و قوة الإيمان , رافضين الألقاب و المجاملات و كل سبيل الي الرياء …
أما آن الأوان أن يتحرر العرب من مهزلة الألقاب و الإطراء و التفاخر , و يولوا الاهتمام ا الي الجد و العمل بدل الألقاب و التنظير و الأيام التفكيرية و المشاورات النظرية التي لا تخرج لحيز التنفيذ بل يظل معظمها أفكار جميلة نظرية في سجلات التاريخ … و مثقفونا ما زالوا في الصراع , هذا تيار قومي و اخر اسلامي , , تيار اصلاحي , تقدمي , تراجعي , محافظون جدد , قدماء , كبير مفاوضين , ناطق حكومي رسمي , حكومة ظل , يمين معتدل , يسار متطرف … و غيرها من الألقاب والمصطلحات , التي سواءا صنعناها نحن او صنعها آخرون فكلها من المؤامرة , نحن مسلمون و كفي أننا كذلك , و الحرب الباردة انتهت و العالم يتجه ليكون كتلة واحدة و نحن ما زلنا نتلاعب بالألفاظ ونتنابز بالألقاب
طيارون مقاتلون ,جيوش, أجهزة أمنية , والضوء اخضر , قصف, تدمير وقتل مئات المدنيين العزل من السلاح , ومع ذلك يرفع الشعار نعم للحريات , لا لقمع الشعوب , و السلطة للشعب ,و القصف لا بد ان يستمر حتي يعرف الجميع ان الدولة هي انا , و ارادة الشعوب لا تقهر , نعم لقوي التحرر في العالم ., شعارات و تناقض , مهزلة و كذب و نفاق , طغيان و غرور … الخير, خير الأرض و رب الأرض , و مهما كانت الجهود , فإنها , الارض معطاء و فوق الكل رب كريم , فلا مجال للمن و لا غرور و لا استباحة للحقوق … ثقافة النفاق و المبالغة في المدح و الاطراء علي اداء الواجب , أوروبا مبنية , أمريكا , دول أسيا كلها شوارع , بني تحتية عمائر , طرق ’ آليات مؤسسات , و رغم ذلك لم يخرج أي من هؤلاء ليمن علي شعبه و انه لولاه لما عاش الناس , و لما عرفوا النماء و الاستقرار , و لم يظهر أي من وزرائهم ليقول ان السر في بقاء حياة الناس هو انجازات الرئيس وحكومة رئيس الوزراء … يا رؤساء العرب لا تمنوا علي الشعوب بالانجازات و المشاريع و حركة التاريخ , و ما تخرجه الارض و تنزله السماء من خير, فالخير خير الله والكل رؤساء و مرؤوسين عبيد منفذفون …
مشهد لا يغيب عن الاذهان , احد رؤساء موريتانيا السابقين في طريق بري صحراوي قاحل , كانت تقف خيمة ذلك العجوز المسكين ’ فيسارع اليه مجموعة من ضمنهم وزراء و كبار الحزب , و يخبروه ان الرئيس قد يعرج عليه فان سأله فليقل كذا و كذا , علموه الغش و الكذب و النفاق و.. و يظهر الرئيس علي شاشة التلفزيون الرسمي و هو يسأل ذلك العجوز الفقير , فيجيبه و لا شيئ بحوزته سوي بقايا كيس حبوب وقربة ماء بالية وثياب مرقعة و أثاث متواضع مبعثر في زوايا الخيمة , لا ينقصنا شيئ و مطلبنا الوحيد هو ان تترشح مرة اخري للحكم , صورة تتكرر هنا و هناك في ليبيا في تونس في مصر في بلدان اخري , عقل عربي انهزامي واحد , ثقافة العائلة و من يتعلق بها , ثقافاة االحاشية و الغنيمة و القطيع , و الصورة واحدة ,,,,فما دخل الابن او الزوجة في الحكم , و كيف يخرج هؤلاء علي الشاشات و يتعهدون او يتوعدون الشعوب , بصفتهم من ؟ حتي يقوموا بفعل ذلك , أم أن كل الأسرة في بيت الحاكم العربي رؤساء , أهكذا تكون الديمقراطية ” ديمقراطية الغرب ” التي يغني لها الكل ؟ ام هي المنزلة البرزخية التي يعيشها العرب منذ سنين , البرزخ السياسي الاجتماعي ,البرزخ الديني .. ثقافة واحدة عقل عربي انهزامي واحد , نهج تمثيلي واحد , مسرحية يعيشها الكل , أوقعنا فيها المثقفون و الحكام و التجار و رجال الاعمال و الاغنياء و الفقراء , اللأئمة و اهل العلم لم يسلموا كذلك , المهندسون و الأطباء ساهموا في المسرحية , طوابير يومية عند هذا الطبيب او ذاك , وقت المعاينة لا يكاد يصل خمس دقائق لكل مريض مدفوعة الثمن مسبقا , واغلب الأطباء همهم فقط عدد الأشخاص المعاينون في اليوم لا نوعية العلاج و حال المريض … كذلك جامعيون أساتذة , حولوها تجارة , تجاهلوا رسالة العلم , وبدل إيصال المادة العلمية علي وجهها الاكمل انصرف اهتمامهم الي عدد الساعات , صراع مشين و تنافس سلبي تعرفه جامعاتنا اليوم , بعضهم يرفض بعض مخافة نقص عدد الساعات الاضافية , تحولت المهنة الشريفة الي تجارة و رصيد ساعات اضافية , و لم تعد رسالة علم و اعداد اجيال … خداع للذات , تنكر و كذب و ظلم و هرولة غريبة الي الثراء , آخرون مهندسون يشرفون علي المشاريع و يسهرون واغلبهم لا يهتم بما سيتركه من بصمات نظيفة تبقي راسخة في ذاكرة العباد و البلاد انما كل همه هو انجاز المشاريع لتقديمها في السرعة القصوي ويصبح في عداد المقربين , فتتلقاها ايادي اخري من حوله وتسطرها في كتاب الدولة الذهبي فتضاف لانجازات الرئيس , فيستخدمها واخرون في حملته الرئاسية القادمة , و كأننا خلقنا لتكون أيامنا و ليالينا فقط حملات و انتخابات ورئاسة و حكم …
مرحلة ربما عاشها الأوروبيون من قبل و لكن الوضع يختلف و لسنا ملزمين ان نمر من نفس الطريق فلا ديننا و لا مجتمعنا يقبل ذلك و لا العالم الذي اصبح اليوم مدينة واحدة يقبل ذلك , ومن اوجه المؤامرة الخارجية ان نمر من نفس الطريق لنظل وراءهم دوما بعشرات و مئات السنين , لكن الرمية هذه المرة جاءت من غير رامي , و طلقة الفيسبوك و الانترنت و العولمة تأبي عن ذلك و تدفع الشعوب العربية و حكامهم و ترغمهم علي اختصار الطريق و الدخول الفوري في المصالحة مع الذات و تجسيد الاقوال بالافعال …
فلماذا الكذب علي الشعوب و علي الشرق و علي الغرب , و كلنا نعلم ان الصدق حبيب الله و لا يجني من ورائه الا الخير , , فلنعيد النظر حكام و شعوب و شيوخ و شبان في موروثنا الحضاري الاسلامي الرفيع و نمارسه كسلوك و حياة ملموسة , فلا كذب و لا نفاق و لا خداع , و لا قفز الي تجارب الاخرين , فالحل فينا و بين ايدينا , و لكن لكي يكون فلا بد من السيطرة علي هذا الداء الخطير الذي هو السبب الرئيسي في ما آلت اليه الأمة من وضع حالي هش ضعيف , ألا و هو الكذب و النفاق … و لأن امتنا امة خير و معقود الخير في جذورها فإننا و لله الحمد علي يقين أننا سننتصر و فجر الأمة بدأ يطل مجددا كالحريق لينير الطريق من جديد للعالم … و إنها ليقظة و صحوة و خلاص . …………………
البشير ولد بي ولد سليمان
Benbiya_1@yahoo.com