ليبقى الإصلاح هدفنا

جميل أن تطفو آراء تنادي بالإصلاح وتتبناه مضمونا لا شكلا، وأن تمنح لنفسها مساحة من الحرية تتسع لما يعتمل في أذهان أصحابها من نقد لمن تشاء وبما تشاء.

لكن الأجمل حقا أن يصب ذلك في المصلحة العامة في ظرف أدعى لأن نبتعد فيه عن الذاتية في الطرح والمعالجة والشخصنة في التصور والدوافع وعدم الموضوعية في الأحكام واعتماد معلومات غير دقيقة ولا ذات مصداقية.

غير أن مطالعة موضوعية لما نشر عبر وسائل الإعلام المختلفة خلال الأسابيع الماضية يدعو من وجهة نظرنا وانطلاقا من مبدأ النصح لكل المهتمين بالشأن العام إلى توخي الموضوعية والصدق ومراعاة البعد الأخلاقي فيما يتعلق بما تعرفه بلادنا خلال هذه المرحلة الحساسة من تاريخها من حراك سياسي واجتماعي يراد له – عن قصد وسابق إصرار- أن يتماهى قسريا مع ما يشهده المحيط الإقليمي من أحداث، ناهيك عما اعتمدته أغلب الآراء من تعريض بالأشخاص وخصوصياتهم والوقوع في أعراضهم في توجه مناف للقيم الدينية والأخلاقية لمجتمعنا المسلم الذي يستنكف عن استخدام الوسيلة الحرام في الوصول إلى أي غاية.

وقد تناولت جمهرة الآراء الوضع الداخلي من خلال بعدين:

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

– الأول يروج لطرح تتبناه المعارضة يهدف إلى الاستفادة مما ترى أنه فرصة لتحقيق مآرب، تشكل مشاريع الإصلاح والبرامج التنموية الناجعة والباعثة للآمال المنتهجة من طرف السلطة سدا منيعا في وجهها (سنفرد لهذا البعد مقالا خاصا به، يأتي لاحقا لهذا المقال)؛

– أما البعد الثاني يتعلق بالأمور الداخلية لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية (الحزب الحاكم)، فيما يعتبره أصحابه نقدا ذاتيا وعملا جادا صادقا يستهدف مصلحة الحزب وحسن أدائه، وتطعيمه بالكفاءات الضرورية لتساهم بإيجابية في تجسيد التغيير البناء، ورغم الوجاهة الظاهرية لهذا الطرح وعدم تشكيكنا في صدقية نوايا أصحابه إلا أنه يجدر التنويه إلى أن الصورة التي تحدثوا عنها يشوبها الكثير من المبالغة ومجافاة الحقيقة وعدم الإنصاف للاعتبارات التالية:

إن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية مر بمرحلتين أساسيتين هما:

1- مرحلة ما قبل المؤتمر: حيث أدير من طرف قيادة مؤقتة أنيط بها الإعداد للمؤتمر الأول، عبر القيام بعمليات انتساب بمراحلها المختلفة وفي فترة محددة وامكانيات متواضعة.

وقد اكتملت هذه المرحلة بصفة مقبولة عموما، وأسندت مهامها إلى أطقم ذات كفاءة واستقامة ضمنوا آراءهم حولها في تقارير محفوظة، رغم أن بعض الهنات قد تكون سجلت هنا أو هناك وهي على العموم لا يسلم منها أي عمل سياسي، بحجم المهمة التي أنجزت.

يضاف لذلك خوضه لعملية التجديد الثلثي للفئة (أ) لمجلس الشيوخ التي كسبها الحزب بنسبة 90%، والعمل على ميلاد ائتلاف للأغلبية يضم مختلف الأحزاب الداعمة لبرنامج رئيس الجمهورية، تنظيم حوار موسع حول أية حكامة لموريتانيا بعد 50 سنة من الاستقلال؟ دعيت له أحزاب المعارضة ولم تستجب، وغير ذلك من النشاطات الحزبية المعروفة.

2- مرحلة ما بعد المؤتمر: والتي لم يمض عليها أكثر من ثماني أشهر، عرف الحزب خلالها نشاطا مكثفا يعكس مدى شعوره بالدور الذي تنتظره منه جماهيره الواسعة من تموقع في الساحة والنهوض بأوضاعهم والتواصل معهم، وفي هذا الإطار نذكر الأنشطة التالية:

– إرسال بعثات تكوينية وتأطيرية إلى جميع الهيئات الحزبية على عموم التراب الوطني؛

– اكتمال البنية التنظيمية للحزب، بما في ذلك لجان دعم الأمانات؛

– اعتماد خطط عمل لمختلف الأمانات التنفيذية وتعزيزها بلجان عمل مركزية لتنفيذ البرنامج (أكثر من 700 إطار منتظمة في العمل الحزبي)؛

– إيجاد مقرات للاتحاديات ومعظم الأقسام على المستوى الوطني؛

– احتلال موقع الصدارة في النشاطات الحزبية على مستوى الساحة والحضور الفعلي في كل المناسبات؛

– مواكبة النشاطات الحكومية وتثمينها للمواطن، ولفت انتباه الحكومة لمشاكله وما يعانيه في حياته اليومية؛

– إعداد كل الوثائق المطلوبة للعمل الحزبي (12 وثيقة أساسية)؛

– الحملة التحسيسية والتوجيهية لهيئات ومناضلي الحزب على مستوى نواكشوط والتي ما زالت مستمرة حتى الآن.

وقد كرست قيادة الحزب نمطا مواكبا لأدائها في الاستخدام المكثف لذوي الكفاءات والسير النظيفة في مهامها، قصد تأدية العمل على أكمل الأوجه، كما فتحت الباب واسعا لاستقبال الآراء الناقدة والمفيدة ليظل الحزب ساحة للتفاعل الإيجابي وحاضنا لمختلف الآراء، وفاسحا المجال أمام الانتقادات وتصحيح المسار أمام مختلف مناضليه، عاملا بالمبدإ الذي طالما ردده رئيسه «نقد بناء ومفيد أفضل من ثناء وشكر»، وهو ما كان حري بأصحاب هذه الآراء أن يستغلوه بدلا من مخاطبة حزبهم عبر صفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية، في خروج صارخ على أولى أبجديات الانضباط الحزبي المعهود.

كما أن تزامن انتقاداتهم مع هذا الحراك المشكك في كل المنجزات والإيجابيات في البلد، يضع انتماءهم الحزبي بل ولمشروع التغيير البناء -الذي يعتبر الحزب وسيلته السياسية- أمام تساؤلات صميمية، عليهم العمل بصورة أكثر جدية ومصداقية لإزالة اللبس حولها، وقبل أن تكشف الأيام عما لم يضعوه في الحسبان من صدق النوايا، وأنهم لم يكونوا أكثر من وسيلة تصعيد عن وعي أو عن غير وعي.

د. سيد عبد الله ولد البخاري

أستاذ جامعي- عضو اللجنة السياسية لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى