“المحظرة الموريتانية تعاني من تهميش ممنهج”
في إطار توثيق “المدى” للحياة العلمية والثقافية في موريتانيا، التقت السيد أبو محمد ولد الشيخ محمد الحسن ولد أحمد الخديم، فحاورته حول واقع المحظرة الموريتانية عموما ومحظرة التيسير على وجه الخصوص. وتناول اللقاء منشورات دار التيسير للنشر والتوزيع (الجهة القائمة على نشر كتب محظرة التيسير) وإسهامات موقع التيسير الثقافي الذي يتولى المعني إدارته.
- المدى: متى تأسست محظرة التيسير؟
أبو محمد: محظرة التيسير هي إحدى المحاظر الموريتانية الشهيرة، وهي امتداد طبيعي لمحظرة العلامة مولود ولد أحمد الجواد (تـ: 1243هـ).
ويعتبر العلامة مولود بن أحمد الجواد مؤسسها الأول. وقد تعاقب على التدريس فيها بعده العديد من العلماء الأجلاء كالعلامة أبي محمد سيدي ولد مولود، والعلامة محمد مولود ولد أبي محمد، ثم العلامة أحمدو الخديم، ثم شيخ مشايخها الحالي العلامة المجدد الشيخ محمد الحسن ولد أحمدو الخديم.
استقرت المحظرة بعد حل وترحال في موقعها الحالي بقرية التيسير التابعة لمركز تكنت الإداري بولاية الترارزه في مستهل سبعينيات القرن الماضي وتحديدا 1973م.
- المدى: ما هي الفنون التي تدرس في محظرة التيسير؟ وما هي أهم مميزاتها؟
أبو محمد: تدرس في هذه المحظرة كل العلوم الشرعية والعربية بدون استثناء. ويقوم بالتدريس فيها طاقم متميز في طليعته شيخها العلامة المجدد الشيخ محمد الحسن ولد أحمدو الخديم. ويقوم هذا الطاقم بالتدريس على مدار أيام السنة وفي جميع الأوقات.
واعتقد أن من أهم مميزات محظرة التيسير: حرية الطالب في اختيار الفن الذي يدرس ومقدار الدرس اليومي، فالمحظرة تمنح طلابها الحرية المطلقة في الفن الذي يريدون دراسته وفي مقدار الدرس اليومي، وهو ما ينعكس ايجابيا على الكم المعرفي الذي يحصله الطالب في وقت قياسي وجيز في هذه المحظرة بالمقارنة مع غيرها من المحاظر، فالفن الذي يميل إليه الشخص دائما يكون استيعابه له واستفادته منه أكثر.
كما أنها استفادت من التقنيات الجديدة؛ فلديها طلاب في الخارج يدرسون عبر skype وندرس حاليا إمكانية فتح غرفة للمحظرة على Paltalk .
ومن مميزات محظرة التيسير – بالإضافة إلى شمولية مناهجها كما وكيفا، وتفرغ أساتذتها للعطاء العلمي- أن دورها لم يقتصر في نشر العلم على التلقين (كما هو الحال في أغلبية المحاظر الموريتانية) بل تجاوزه ليشمل نشر العلم عن طريق التأليف. فقد نشرت المحظرة عشرات المؤلفات حتى الآن. وقد طبع منها البعض خمس مرات مما يوحي بإقال كبير على هذه الكتب.
- المدى: ماذا عن طبيعة النشر الذي تقوم به المحظرة، ولمن تنشر؟
أبو محمد: بدأت محظرة التيسير النشر في بداية 1992م. ومنذ ذلك الوقت والمحظرة تواصل عطاءها. فقد نشرت للعلامة مولود بن أحمد الجواد، والعلامة أبي محمد بن مولود، والعلامة المجدد الشيخ محمد الحسن ولد أحمدو الخديم. وتتولى حاليا دار التيسير للنشر والتوزيع التابعة للمحظرة مهمة النشر للمحظرة، كما أنها تقدم الاستشارات للعاملين في هذا الحقل، وهي عضو في “اتحاد الناشرين والموزعين الموريتانيين” (قيد الترخيص)، وقد اعتمدتها دار الشمس المصرية للطباعة ممثلة لها في غرب إفريقيا منذ سنة 2008، وتقوم بالتعاون مع أصحاب المكتبات الأهلية في تحقيق وطباعة مؤلفاتهم، وتولت حتى الآن تحقيق وتصحيح كتابي”نيل السول على مرتقى الوصول” و”الدليل الماهر الناصح” وهما للعلامة الشيخ محمد يحي الولاتي، كما حققت وصححت كتاب “إتحاف أهل الفكر بتفسير بعض مفردات الذكر” للعلامة محمد عبد الله بن أحمد المصطفى المعروف بـ “ابـّه ولد انـّه” المحجوبي، وكتاب “أطواق السنة والعصابه بأنوار المعرفة والإصابه في الرد على بن مايابه” للعلامة محمد المختار بن محمد يحي بن محمد المختار الداوودي الولاتي. وقد صدر عن دار التيسير للنشر والتوزيع حتى الآن:
الجواهر على البصائر
الفوائد الكفيلة بمعرفة الوسيلة
إرشاد الخلف لاتباع السلف.
إرشاد أهل التحري في حد الاستيطان والتقري
أرشاد أهل العصر لإكرام ولاة الأمر.
إعانة المتفهم بشرح آداب المتعلم
الجامع المحرر على نظم الدرر (شرح ألفية السيوطي في مصطلح الحديث)
السيف المرهف في الذب عن حريم المصحف.
العذب الشهي المورد في تعظيم شهر المولد
الغيث المدرار بشرح إشراق القرار
الفروع الممتعه من أحكام صلاة الجمعه.
الكافي في أحكام الاعتكاف
اللؤلؤ المنتثر في زكاة المدير والمحتكر.
اللآلئ الحسان من شرح محارم اللسان (طبع مرتين)
المترادف من ألفاظ القرآن
المسعد بشرح نظم المسجد
أهبة المريد في الرد على كل مريد
بغية الأبرار من شرح قرة الأبصار (طبع ثلاث مرات)
“بنجه” رسالة في أحكام الغناء والسماع.
تحفة الأماجد في أحكام المساجد
تحفة السرور بشرح نظم البرور
تكلمة الإفاده من آدب المريض والعياده
حلية المسامع بشرح نظم الجامع
درر الفوائد وغرر الشواهد (كناش/ مجلدان).
دفاع المعتدي على مرام المجتدي
دليل الناسك لما يخفى من المناسك.
ديوان العلامة مولود بن الجواد
سقاية الظمآن من آداب تلاوة القرآن
سقاية المغتل من عين مطلق ثلاثي الفعل
سلم المطالع لدرك الكوكب الساطع (شرح ألفية الأصول للسيوطي).
صحو مظهر الأنوار للتأهب لحضرة الجبار
محصل الأرب من شرح أدبة الأدب
مرام المجتدي من شرح كفاف المبتدي (مجلدان طبع خمس مرات)
مسائل الأصول اللامعه في نظم الشموس الطالعه (نظم لتنقيح القرافي وشرحه).
مشروع الإنشاء والإنشاد في الدعوة والإرشاد.
مشكلة الأهله ترفع إلى الأجله.
نخبة المطلوب من شرح مطهرة القلوب (طبع ثلاث مرات)
نزهة النفوس في شرح خطبة القاموس
نص نظم التنقيح
نصائح ذوي التشوف إلى طرائق التصوف (طبع خمس مرات)
نصيحة الأمة الإسلامية بالحذر من الفرقة الوهابية
نظم أجوبة العلامة محمد سالم ولد ألما
نظم القراء العشرة وطرقهم ورواتهم.
نظم المسائل التي لا يعذر فيها بالجهل.
نظم أهل الهجرة الأولى للحبشة (طبع ثلاث مرات).
نظم حوادث سني الهجرة النبوية الشريفة (طبع ثلاث مرات).
نظم في “أل” وطرة عليه.
نظم في لو وشرحه.
نظم مخلات الفهم.
وسيلة التذكر بشرح نظم التفكر
هداية السعاة إلى معرفة النحاة.
ولها تحت الطبع:
طرة على الجوهر المكنون في الثلاثة الفنون
طرة على نظم قواعد المغني لمحنض بابه ولد اعبيد
طرة على نظم إعراب الجمل لمحنض بابه ولد اعبيد
طرة على لامية العرب
نسخة من نص كفاف المبتدي منقحة ومعها تصاويب الشيخ محمد الحسن ولد أحمدو الخديم الواردة في مرام المجتدي
- المدى: ماذا عن موقع التيسير الثقافي؟
أبو محمد: موقع التيسير الثقافي هيئة إعلامية، ثقافية ألكترونية، غير سياسية. تعمل على بعث التراث الثقافي وتنقيحه وتوثيقه، وبالإضافة إلى أن الموقع يشكل منبرا حرا للآراء والطروحات في جميع المجالات خاصة العلمية والأدبية، مع بعض الاستثناءات المتعلقة بالفكر السياسي دون تموقف أو انحياز، وإنما من أجل التعاطي الإيجابي مع القراء. إذن يراد من هذا الموقع أن يكون موقعا ثقافيا منوعا يهتم بالمحظرة الموريتانية ويتابع جديد الأخبار الثقافية وينشر تراث وتقاليد وأدب وتاريخ مجتمع البيظان ويكرم سفراء بلاد شنقيط وينشر آثارهم.. معتمدا في ذلك على الدقة في ما يكتب ويتحرى الصدق ويتوخى الحذر من إثارة النعرات.
كما يدافع الموقع عن هوية البلد وحضارته وتراثه ويسعى إلى إيصال المادة الثقافية إلى أبعد الحدود. ومع ضعف الإمكانيات والوسائل فقد قدم إسهامات معتبرة في مجالات تخصصه.
- المدى: ماذا عن واقع المحظرة اليوم؟
أبو محمد: لا بد من الإشارة إلى أن مفهوم المحظرة مائع إلى درجة لا تصدق، فالجهات الوصية ليس لديها تعريف للمحظرة. والوزارة الوصية على المحاظر (وفي ظل كل الأنظمة) بؤرة من بؤر الفساد. هذه الوزارة لم تكلف نفسها عناء يوم تشاوري لتحديد مفهوم المحظرة التي زاد عددها لدى الوزارة على الآلاف؛ لأن القائمين على أمرها رسميا يجدون من مصلحتهم تنامي عددها ولو على الأوراق؛ فذلك يزيد حجم المخصصات لها، وبالتالي يزيد حجم النهب والتحايل.
فهذه الوزارة، تحت كل وزير، وفي شتى المراحل السياسية، لم تحدد ما إذا كانت المحظرة مجرد أوراق للتحايل على الخليجيين؟ أم هي تلك المؤسسة الجامعة التي تدرس فيها على مدار الساعة جميع العلوم الشرعية، ويجلس لها ومن أجلها شيخ علامة وقور متفان في شأنها لا غير؟ أم هي عريش في عرفات أو كبت المربط مهجور إلا من تلميذين يتهجيان ومعلم هو أحوج إلى الدراسة منهما؟
والغريب أن الجهات الرسمية دائما ترفع شعار “تكريم وتبجيل العلماء” وكأنها تقدم لهم شيئا، فهل استفاد شيوخ المحظرة من التأمين الصحي؟ وهل منحت لهم قطعا أرضيا مثل أساتذة الجامعة؟ وهل لهم مرتب شهري؟ وهل اعترفت هذه الحكومات بالإجازة المحظرية؟ وهل منحتهم حق معادلة الشهادات؟ إنه لمن المهين أن تسد أبوب الترشح لولوج الوظيفة العمومية أمام حاملي الإجازة المحظرية المطلقة وتفتح أمام أهل متريز جامعة انواكشوط!!.
لكن يبطل العجب إذا ما علمنا أن هذه الوزارة ظلت مستعصية على الإصلاح. ولعل المكاتبات بين رابطتي الأئمة والعلماء حول مبالغ مالية متنازع عليها –قد لا تصل في النهاية إلى مستحقيها- يعطي تصورا عن مدى الفساد الذي ينخر جسم هذه الوزارة.
- المدى: ماذا عن واقع الطالب المحظري اليوم؟
أبو محمد: الطالب المحظري لم ولن يكون أحسن حالا من شيخ المحظرة نفسه. فوضع الطالب المحظري يزداد سوءا وتعقيدا. فهناك إقصاء ممنهج ومتعمد للطالب المحظري الذي وصدت أمامه الأبواب التي تمكنه من ولوج سوق العمل المحصورة سابقا في:
1- المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية.
هذا المعهد (قبلة طلاب المحظرة) تم تحويله إلى جامعة إسلامية ليتم إلغاء دخوله عن طريق المسابقة السنوية التي كان طلاب المحظرة المستفيد الوحيد منها.
2- باكلوريا الآداب الأصلية (باك أو).
وباكلوريا الآداب الأصلية هذه أضيفت لها مواد علمية بضارب يكفل إقصاء طالب المحظرة من الحصول عليها. وهي التي تخولهم الدخول إلى “الجامعة الإسلامية”.
- المدى: ماذا عن تعامل وزارة الثقافة مع موقع التيسير الثقافي؟
أبو محمد: المفارقة الغريبة هي أن فلسفة وزارة الثقافة تقوم على إقصاء وتهميش الثقافة والمثقفين بدلا من التشاور معهم والاستفادة منهم. ولم يكن موقع التيسير الثقافي استثناء من القاعدة. وأظن أن غالبية المآخذ والنواقص المتعلقة بوزارة الثقافة تعود إلى طواقمها غير المؤهلة – في الغالب الأعم- للنهوض بالثقافة، كذلك تعود إلى رداءة استراتيجياتها وغياب الرؤى. ولا أظن أن مقابلة بهذا الحجم تكفي لتناول وزارة الثقافة و”ثقافتها” الخاصة.