ثــــــلاثون عــــــاما

خرج من الباب مسرعا، كما لوأنه يخاف مما
وراءه لم ينتبه لصوت الباب المهترئ يصطدم
بكادره محدثا صوتا
مزعجا ،لقد كانت هناك أصواتا تزعجه أكثر
من صوت الباب ..

مضي بقامته القصيره وظهره
المقوس وأقدامه الصغيره وجسمه النحيل ،لم
يكن يدري كيف يسير ولا أين تأخذه رجلاه
المنهكتان من الوقوف والجلوس والحركة لم
يكن يريد أن يعرف ماحوله ولاحتي أن يري ما
أمامه كل مافي نفسه يعمي بصيرته ويسد أذنه
… خرج باكرا كالطيور مغادرا بيته الصغير
لم يكن بيتا بقدر ما كان كوخا من علب
الصفيح تعوي فيه الرياح ،غادر حيث يعمل
سيرا علي الأقدام كانت المدينه في تلك
الساعه ماتزال تغط بنومها الهادئ
والشوارع خالية من كل شيئ إلا (مربط
للحمير) وحظائر الشياه السائبه وأكوام
القمامات ،

كان يملأ رأتين بالهواء البارد
النتن والروائح الخانقه لايري أحد كعادته
إلا واحدا أو إثنين مثله…وصل إلي عمله قبل
أن تتسلل خيوط الضياء الصفراء من حاجب
الشمس ،إنهمك في تنظيف الممرات ونفض
حاويات الأوساخ …كان وحيدا بين جدران
المكاتب الهادئه وتذكر كم مضي عليه من
الزمن في عمله هذا…

إنها ثلاثون عاما ،ثم
بدء يتحسس وجهه وكأنه يريد أن يقيس عمره
،لقد جاء شابا قويا مفتول العضلات منتصب
القامه مرتاح البال يحلم بالغد الجميل
وقال في نفسه (هكذا مضي العمر ونشوة الحياة
وأختفي العنفوان والشده وحل التراخي
والإنسياب) وأبصر مقعده المتآكل كأحلام
الماضي المسروقه في عذاب الحياة…

.ولم
يمض الكثير من الوقت حتي أمتلأت المكاتب
بأهلها وعلت الضحكات من خلف الجدران
معانقة صرصرة كؤس الشاي ،فتذكر” أحمد” أنه
خرج دون أن يترك لأهله مصاريف الغداء وأن
صاحب الدكان لن يمنح لهم الخبز والشاي وأن
هذا منتصف الشهر ثم أبصر المدير وهو يدخل
عليه في حلته الأنيقه وبشرته الناعمه
منفوخ البطن، وجاء بعد ذلك “محمود ” يتبختر
كالديك الرومي منفوخ الأوداج ،ومروا
جميعا عليه
دون أن يجد من يعيره أدني إهتمام ….أحس
أنه أقل في نظر الجميع كانت هذه الأفكار
تملأ رأسه وهو يسير بجانب الرصيف وعندما
أحس بحرارة الشمس تذيب رأسه… تذكر أنه لم
يشرب الشاي وهو لايدري ما حال أسرته …لكن
راتبه الصغير كجرعة الماء للظمآن لاتفي
بربع الواجب في زمن أسعاره ترتفع بغير
رحمه …أما عن المرض فحدث ولاحرج فلامكان
له… ثلاثون عاما وهو في شقي الرحي تطحنه
طحنا وتعصره بقسوة …

ثلاثون سنة تلقفه
فيها المكاتب شابا قويا وهاهي تطرده عجوزا
هرما ليختفي وسط الزحام.

رقم الهاتف”6342717″

molaye02@yahoo.Fr

— إرسال عبر الموقع موقع صحفي للأخبار
(http://souhoufi.com/) —

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى