المستطرَد في الشعر.. بين أبي تمام والبحتري
حدث البحتري قال: أنشدني أبو تمام لنفسه:
وَسَابـــــحٍ هَطِـــــــلِ التَّعْدَاءِ هَتَّانِ … عَلَى الجِـرَاءِ أَميِنٍ غيرِ خَـــــــوَّانِ
أَظْمَى الفُصُوصِ ولم تَظْمأْ قوائمُه … فَخَــلِّ عَيْنَيَكَ فيِ ظَمْــآنَ رَيَّـــــــانِِ
فَلَوْ تَرَاهُ مُشِــــــيحاً والحَصىَ زِيَمٌ … بَيْنَ السَّـــــــنابِكِ مِن مَثْنَى وَوُحْدَانِ
أَيْقَنْتَ إنْ لَمْ تَثَبَّتْ أَنَّ حَـــــــــافِرَهُ … مِنْ صَخْرِ تَدْمُرَ أَوْ مِنْ وَجْهِ عُثْمانِ
ثم قال لي: ما هذا من الشعر؟ قلت: لا أدري، قال: هذا المستطرد، أو قال الاستطراد، قلت: وما معنى ذلك؟ قال: يرى أنه يريد وصف الفرس، وهو يريد هجاء عثمان. فاحتذى هذا البحتري فقال في قصيدته التي مدح فيها محمد بن علي القمي ويصف الفرس أولها:
أهلاً بذلكُــــمِ الخيـــــــالِ المقْبــلِ … فَعَلَ الذي نَهْوَاهُ أو لم يفَعــــلِ
ثم وصف الفرس فقال:
وأغــــرَّ في الزمنِ البهيمِ محجَّلٍ … قد رُحتُ منه على أغرَّ مُحجَّـــلِ
كالهيكـــــلِ المْبنِيِّ إلاَّ أَنَّــــــــــهُ … في الحُسْنِ جاءَ كصورةٍ في هيكلِ
يَهْوِي كما تَهْوِي العُقَابُ إذَا رأَتْ … صَيْداً وينتصبُ انتصابَ الأجْـدَلِ
مُتـــوجِّـــسٌ برِقيقَتَينِ كأَنَّمـــــــــا … يُرَيانِ مِن وَرَقٍ عــــــليهِ مُوَصَّلِ
وكأنَّمَا نَفَضَــــــتْ عَلَيْهِ صِبْغَـــهَا … صَهْبَاءُ للبـــــــــرَدان أَوْ قُطْرُبُّلِ
مَلكَ العُيُونَ فإن بدَا أعطينَـــــــــه … نظرَ المحبِّ إلى الحبيبِ المقبـلِ
مَا إن يَعَافُ قَـــــــذًى وَلَوْ أَوْرَدْتَهُ … يوماً خلائقَ حَمْــــــدَوَيْهِ الأحْوَلِ
وكان هذا عدواً للذي مدحه. فحدث عبد الله بن الحسين وقد اجتمعنا بقرقيسياء قال، قلت للبحتري: إنك احتذيت في شعرك – يعني الذي ذكرناه – أبا تمام، وعملت كما عمل من المعنى، وقد عاب هذا عليك قوم، فقال لي: أيعاب على أن أتبع أبا تمام، وما عملت بيتاً قط حتى أخطر شعره ببالي؟ ولكنني أُسقطُ بيت الهجاء من شعري. قال: فكان بعد ذلك لا ينشده، وهو ثابت في أكثر النسخ.
أخبار أبي تمام للصولي – (ج 1 / ص 2)