تفاصيل تنشر لأول مرة حول إضرابات أزويرات في 29 مايو عام 1968

“صحراء ميديا” تفتح الملف بعد42 عاما..وتلتقي مشاركين وشهود عيان


8 قتلى وعشرات الجرحى حصيلة المواجهة..

أزويرات ـ سيدأحمد ولد ببكر سيره

a1-29.jpgشكلت الأحداث التي شهدتها مدينة أزويرات المنجمية في التاسع والعشرين من شهر مايو من سنة 1968 منحنى تاريخيا هاما في حياة العامل المنجمي في مدينتي أزويرات وانواذيبو حيث ساهمت إلى حد كبير في تحسين وضعيته المعيشية وانتزاع حقوقه من المعمل الفرنسي المتمثل في شركة ميفرما المسؤولة في تلك الفترة عن استغلال مناجم الحديد في الشمال الموريتاني.

وهذا ما يفسر إصرار العمال في كل المناسبات الاحتفالية الخاصة بهم كفاتح مايو من كل سنة على المطالبة بتخليد التاسع والعشرين مايو وجعله عيدا وطنيا للعمال الموريتانيين و الاحتفال به سنويا تثمينا لمستوى التضحيات التي قدمها عمال المناجم في أزويرات والتي مكنتهم من الحصول على مكاسب مهمة.

في الفترة التي واكبت وسبقت الأحداث لم تكن أحياء المدينة الوديعة تتجاوز 5 أحياء يفصل بينها طريق معبد وحيد يربط ازويرات بمدينة افديرك مرورا بالمكاتب العامة للشركة حيث يقع حي M6 وحي الأطر وأحياء M4 وM5 في الناحية الشمالية والشمالية الغربية للطريق، فيما يقع حي “أديار البيظ” في الناحية الجنوبية لها وكانت غالبية سكان الأحياء من الفرنسيين، إذ أن العمال الموريتانيين كلهم من البسطاء ما عدا عاملين هما النعمة ولد كعباش الذي كان مسير مستودع لبيع المواد الغذائية ECONOMATB والذي كان يعرف بـ”أكونوما البيظان” وهو خاص بالموريتانيين والثاني مولاي ولد القطب الذي كان يعمل كرئيس مصلحة التموين.

أما العمال الموريتانيون فكانوا يسكنون في وحدات مساكن من الحديد وأخرى من الخشب تفصلها مسافة معتبرة عن الأحياء العمالية التي يسكنها الفرنسيون بعضها يقع في الناحية الشمالية للأحياء العمالية فيما يعرف الآن بحي “الحيط” وبعضها في الناحية الجنوبية الشرقية لها.

ميز عنصري..

كانت المدينة ـ حسب شهود عيان عاشوا تلك الأحداث و حاورتهم “صحرا ميديا” تشهد ميزا عنصريا أبشع وأكثر فظاعة من فصول نظام الميز العنصري الذي عرفته جنوب افريقيا.

فقد كان أطفال المدينة يتوزعون إلى مجموعتين وهم في طريقهم إلى الدراسة، حيث تتجه المجموعة الأولى المشكلة من الفرنسيين إلى مدرسة خاصة بهم بينما تتوجه المجموعة الثانية إلى المدرسة الخاصة بالموريتانيين في تكريس حقيقي لأوضح صور الفصل العنصري في المدينة، وحتى الأحياء العمالية الخاصة بالفرنسيين كحي M6 وحي الأطر كان يفصلهما حائط من الاسمنت المسلح عن الأكواخ الحديدية والخشبية المحاذية لهما في حي الحيط الذي يسكنه الموريتانيون، والذي أخذ اسمه من الحائط الذي يفصل بين الحيين العماليين الفرنسي والموريتاني وقد كان يعرف هذا الحائط باسم “حائط العار” le mur de la honte، وكان محروسا من طرف بعض الحراس والكلاب المدربة لمنع وصول أي ساكن من الحي الموريتاني المتواضع إليه.

بل ووصل الأمر إلى أكثر من ذلك عندما كان الفرنسي الذي يجاور مسكنه أحياء الموريتانيين ـ بغض النظر عن وجود “حائط العار” بينهما ـ يتقاضى علاوة خاصة تسمى “علاوة سوء الجوار” indemnité de mauvais voisinage تعويضا له على تحمله مجاورة الموريتانيين.

اكونوما انصاره

a1-30.jpgوحتى المواد الغذائية لم تسلم هي الأخرى من هذا النظام حيث كانت المدينة تضم مستودعين لبيع المواد الغذائية الأول خاص بالفرنسيين هو ECONOMAT A يقع في حي M6 والثاني خاص بالموريتانيين يسمى ECONOMAT B ويقع جنوب غرب الأحياء العمالية ولا زال يعمل حاليا على توفير المواد الغذائية لكل عمال اسنيم بأسعار تفضيلية بعد
اكونوما البيظان

تأميم الشركة.

كما شمل النظام العنصري الذي كان يعرفه سكان أزويرات آنذاك الرياضة ومجال الألعاب حيث يحظر الاختلاط بين الشباب الموريتانيين ونظرائهم من المستعمرين الفرنسيين أثناء ممارسة الرياضة والألعاب ومن أجل تكريس ذلك شيدت شركة ميفرما مبنيين شبابيين يضم كل واحد منهما مسبح وملاعب جهزا بعينات من الألعاب الأول أطلقوا عليه نادي الصقور وهو خاص يأطفال العمال الفرنسيين و يعرف باكلب انصاره والثاني خاص بالشباب الموريتاني كان يعرف بنادي

نادي الغزال

a1-30.jpg
الغزال ويعرف بـ”اكلب البيظان” أو “نادي الموريتانيين”.

ولم يقتصر التمييز بين الفرنسيين والموريتانيين على حياتهم في المدينة المنجمية في تلك الفترة المظلمة في حياة العمال الموريتانيين بل طال ذلك أيضا مواقع العمل حيث تستخدم الباصات ذات النوعية الجيدة والحالة الممتازة لنقل الفرنسيين فيما تتولى الباصات الأخرى نقل الموريتانيين. وحتى أثناء العمل يتقاضى العامل الفرنسي أضعاف الراتب الذي يتقاضاه العامل الموريتاني الذي يزاول معه نفس العمل كما تفوق مرتبته الوظيفية مرتبته.

شهادات المشاركين

يقول العمال الذين حاورتهم “صحراء ميديا” والذين شهدوا الواقعة إن الظرفية الصعبة التي كانت تطبع الحياة في مدينة المناجم والتمييز الفاضح الذي كانت تمارسه شركة ميفرما ضد أبناء الوطن قد ولد حالة شديدة من الاحتقان.

a1-31.jpgيقول محمد ولد افلواط شيخ مقاطعة أزويرات حاليا والذي كان يعمل آنذاك في الشركة الفرنسية المنجمية “ميفرما” في مختبر لتحليل عينات الحديد وهو في العشرين من عمره إن شرارة الإضراب الذي قاده العمال بدأت عندما حدث خلل في المخبزة الوحيدة التي كانت تغذي سكان المدينة بمادة الخبز.

لم تتمكن المخبزة بسببه من إخراج كمية كافية من الخبز فأرادت شركة ميفرما التي كانت تدير المخبزة أن تحرم سكان المدينة من هذه المادة وتقتصر في توزيعها على الفرنسيين فهب العمال لمحاصرة المخبزة ومنع تزويد الفرنسيين بالمادة وهكذا بدأ الإضراب الذي تم التمهيد له بوضع عريضة مطلبية قبل أزمة الخبز، واستمر عدة أيام حيث احتل العمال الطريق الوحيدة في المدينة المؤدية للمكاتب العامة لشركة ميفرما ـ والتي كان يمنع منعا باتا المرور بها على السيارات الخصوصية ولا يجوز المرور منها إلا على سيارات الشركة أو الدولة ـ وعلق العمال أعلاما بيضاء على كل السيارات التي يأذنون لها بالمرور.

ويضيف ولد افلواط : بالتزامن مع ذلك وصلت مدينة أزويرات على متن طائرتي DC4 و DC3 فرقتان الأولى من الجيش أظن أن قائدها النقيب أمبارك ولد بون مختار ولست متأكدا تماما أما فرقة الدرك فيقودها فياه ولد المعيوف وبعد احتلال العمال الطريق والمعبر الوحيد الذي يقود للمكاتب العامة للشركة الذي أسماه المضربون “قناة السويس” ومنعهم
معبر

الفرنسيين العبور إلى المكاتب للعمل استدعى فياه المسؤولين النقابيين والوجهاء والأعيان وقال لهم من أراد الإضراب من العمال فله كامل الحق في ذلك أما إذا تجاوز العمال ذلك من أجل تعريض حياة الأجانب للخطر أو محاولة زعزعة جو الأمن في المدينة فهذا ما لن نقبله إلا أنهم تجاهلوا خطابه بالاعتصام أمام المخبزة لمنع حصول الفرنسيين على المادة ومنعوا دخول بعض العمال الفرنسيين الذين كانوا خارج المدينة إليها.

وفي تلك الأثناء زار العمال المضربون في مقر اعتصامهم دودو افال ولد صمب نور الذي كان يشغل منصب مندوب الحكومة في ازويرات والنعمة ولد كعباش المسؤول النقابي في المدينة وقالا إن الشركة تريد مندوبين عن العمال تفاوضهم وسيلبون لهم مطالبهم لكن العمال ربطوا لهم الاستجابة لهذا الطلب باستجابة المسئولين لطلب سيقدمه العمال لهم فلما سألاهم عنه قال العمال أن الاستجابة للطلب مرهونة بأدائهما لرقصات أمام العمال المحتشدين فقال دودو افال إذا كان هذا هو طلبكم فسنلبيه لكم وبدأ العمال في قرع الطبول وبدأ مندوب الحكومة يرقص أمام العمال مدة دقيقة أو إثنتين لكن العمال في آخر المطاف رفضوا تعيين مندوبين مخافة أن يتعرضوا للسجن أو الفصل من الوظيفة. عندها نصب فياه ولد معيوف مكبر صوت على سيارته من نوع لاندرو فير بهيكل قصير وأخذ يطلب من العمال البقاء في منازلهم مؤكدا أن الأجانب بدؤوا يعانون من الجوع حيث لم يعد بإمكانهم التسوق مخافة على حياتهم.

ساحة المواجهة

يقول محمد ولد افلواط :”ومع ساعات الظهيرة يوم 29 مارس وبينما كنت في منزلنا سمعت أصوات القنابل المسيلة للدموع فخرجت لساحة المواجهة حيث رأيت امرأة سمراء اللون تشحذ همم العمال قائلة: تقدموا تقدموا أيها الأبطال ليس هذا الذي تسمعونه سوى (تعمار لكلانشي) فلم تزل تردد هذه العبارات حتى أصابتها رصاصة حية في فخذها وكان بجانبها أحد الشرطيين يقول لها أنظري هل هو (لكلانشي) أم لا؟، كما لاحظت في مشهد مروع أحد العمال بعد وفاته في المواجهة وهو محمول من طرف زملاء له وقد خرجت أحشاؤه من بطنه وانتهت المواجهة مساء بعد وفاة وجرح عدد من العمال وسجن عدد آخر من بينهم المرحوم الولي ولد أحمد واهنه واحمد ولد اسباعي”.

وفي الغد جمعوا العمال أمام نادي الغزال (اكلب البيظان) وفتحوا المجال أمام من يرغب في الالتحاق بعمله شريطة أن لا يكون من الفاعلين في الإضراب وهكذا سلموا للعمال العائدين بطاقات إذن بالعودة للعمل، ويؤكد ولد افلواط ان الحادثة كانت بداية حقيقية لتحسن وضعية العمال الوطنيين في الشركة الفرنسية.

a1-32.jpgأما علي ولد املخيات المتقاعد في شركة اسنيم والذي كان يعمل في تلك الفترة بشركة ميفرما سائقا لشاحنة لنقل خام الحديد وعمره 28 سنة، فقد قال إن شركة ميفرما كانت تدار من طرف لروا بوليى Le Roi Boulier وكان المدير المحلي في انواذيبو لشرسونه Le Charson والمدير المحلي في ازويرات فالتونه Valton مضيفا أن أجواء الاحتقان كانت سائدة في صفوف العمال بسبب ما اعتبروه اضطهادا وتمييزا عنصريا من طرف الفرنسيين وتجسد الاحتقان في مجموعة من الحوادث جرى أولها بعد محاولة أحد العمال الموريتانيين ركوب حافلة للفرنسيين سنة 1964 فلطمه عامل فرنسي داخل الحافلة عدة مرات متسببا له في نزيف في الفم والأنف ثم رماه خارج الحافلة.

بعدها أخذ العمال يحرضون العامل على الاقتصاص من الفرنسي وأثناء ذلك بدأ اشتباك بين العمال الموريتانيين والفرنسيين، وهرب بعده الفرنسيون ما عدا إثنين منهم دخلا في مكاتبهما وأغلقوها عليهما، إلا أن بعض العمال بمن فيهم إسلك ولد سلمان ومحمد الأمين ولد حمادي اقتحموا عليهما مكاتبهما وضربوهما ضربا مبرحا فأخبرت فرقة الدرك دودو افال والنعمة ولد كعباس المسؤول النقابي و قدما إلى الموقع معززين بفرقة من الدرك فسيطروا على الوضع و تم فصل العمال من العمل وإرسالهم إلى انواذيبو لمحاكمتهم دون أن يلحق العمال الفرنسيين المتسببين أصلا في الحادثة أي أذى.

وقد ساهمت تلك الحادثة في تزايد الاحتقان في صفوف العمال توج بطرحهم عريضة مطلبية تلتها توقفات عن العمل في سنة 1968 ساعة ثم ساعتين أو ثلاثة إلى أن تطور الأمر إلى إضراب عن العمل أسبوعين قبل المواجهة أي 19 مايو، بعد أن تمرد العمال على نقابتهم خاصة بعد أن لاحظ العمال عجز مسؤولهم النقابي بسبب احتلاله لمنصب رفيع في الشركة الفرنسية يعيقه عن ممارسة عمله النقابي بأمانة، ثم لاحظ العمال الأسبوع الثاني من الإضراب انقسامهم إلى مجموعتين الأولى كبيرة تحرض على مواصلة الإضراب بينما تروج الثانية والقليلة للعودة إلى العمل عندها لجأت الجماعة المضربة لاحتلال الشارع الرئيسي وسموه “قناة السويس” وشرعوا في تفتيش الباصات لمنع العمال من الالتحاق بالعمل لكن الفرنسيين استبدلوا الطريق الرئيسية بطرق ملتفة للوصول إلى العمل والعودة للمدينة.

محاصرة الفرنسيين

استمر الوضع إلى أن بدأت تتسرب معلومات عن بداية فشل حقيقي للإضراب عندها بدأ العمال يحاصرون الفرنسيين في منازلهم يمنعون جلب أي نوع من الحاجات من المدينة لهم وحاول العسكر ثنيهم عن ذلك لكن دون جدوى وأخذ النقيب فياه ينادي من مكبر الصوت يحذر من القيام بأي نوع من الفساد أو احتلال الشارع الرئيسي لكن العمال لم يولوا بالا لذلك وفي اليوم الموالي وبالذات في 29 مايو من سنة 1968 كان العمال المضربون يحاولون اقتحام الشارع للوصول إلى المكاتب وإخلائها من العمال في مواجهة الجيش يرشقونه بالحجارة وكان أحد العمال يعزف على آلة التدنيت وسط زغاريد النسوة لتشجيع العمال على مواصلة الطريق مهما كلف الثمن إلا أن الجيش بدأ يطلق النار أولا فوق رؤوس المتظاهرين الذين بدؤوا يصرخون بأن الرصاص المنطلق من فوهات المدافع ليس إلا رصاص لكلانشي قبل أن يسقط في الوقت الواحد 4 عمال قتلى في الخط الأمامي من بينهم ابراهيم ولد النيه والسالك وجرح عدد آخر

وكانت هذه الأحداث مقدمة لنهاية الاضراب ومحاكمة بعض العمال لكنها في نفس الوقت كانت بداية لحوار توج باستحداث علاوات للعمال وتحسين رواتبهم ومراتبهم الوظيفية

a1-33.jpgويروي المختار ولد ابياه لـ”صحراء ميديا” مجريات الأحداث قصة ما حدث في ذلك اليوم، ويقول :”التحقت بشركة ميفرما سنة 1967 وبعد انتهاء فترة تدريبي في العمل بدأت الأحداث تتلاحق وكان المسؤول النقابي الأول هو مولاي ولد القطب، ونظرا لخبرته وكفاءته وقدرته على الإقناع وشعبيته في صفوف العمال فقد أرسلته الشركة قبل الأحداث إلى فرنسا لفترة تكوين طويلة من أجل إبعاده عن الجو النقابي وبعد عودته عين على رأس مصلحة التموين وحل محله النعمه ولد كعباش الذي كان يحتل منصب مسير ECONOMAT B”.

وقال ولد أبياه إن الإضرب نظم بعدما شعر العمال بالظلم والاضطهاد وتبين أن الشركة الفرنسية تفضل الأجانب على الموريتانيين حيث مثلا أن قائد القطار على سبيل المثال إذا كان فرنسيا تتراوح رتبته مابين M4 وM5 بينما لا تتجاوز رتبة الموريتاني الذي يقوم بنفس العمل S8 أما الفرنسي الذي يقود شاحنة نقل خامات الحديد فتتراوح رتبته مابين M3 و M4بينما تتراوح رتبة الموريتاني من S4 إلى S5.

وهكذا بدأ العمال إضرابهم أسبوعين قبل الأحداث فتوقف في البداية العمال الموريتانيون عن العمل بينما تابع الفرنسيون عملهم بشكل اعتيادي لكن الأمور تطورت بعد ذلك و بدأ المضربون يمنعون الفرنسيين من الذهاب إلى العمل محتلين قناة اسويس التي يطلقونه على الطريق الوحيد الذي يقود إلى مواقع العمل

ويضيف:”ورغم أن المضربين لم يكن في نيتهم النيل من أي فرنسي إلا أن التحركات العمالية قذفت في قلوبهم الرعب ولم يعد بإمكانهم الحصول على الخبز نظرا للحصار الذي فرضه العمال على المخبزة الوحيدة في المدينة ثم تدخلت فرقة من الدرك يقودها النقيب فياه ولد المعيوف وخلال يومين متتاليين كان العمال وجها لوجه مع فرقة الدرك وأخرى من الحرس و كان العمال يحتلون الناحية الشرقية للطريق فيما احتل العسكريون الناحية الغربية له، وكان فياه يتجول بين العمال طالبا منهم مغادرة الموقع مكررا كلمة “اعطوني العافيه اعطوني العافيه” مرة بصفة مباشرة ومرة عن طريق مكبر صوت ويطلب منهم مغادرة المكان دون جدوى وفي اليوم الثاني الموافق 29 مايو من سنة 1968 كنت مع قريب لي”.

وقال :”..وبعد صلاة الظهر دخل علينا عامل مطلع وأخبرنا أن الجيش سيطلق النار هذا المساء على المتظاهرين محذرا إيانا من الخروج من المنزل وما إن أشارت عقارب الساعة إلى الخامسة من مساء اليوم نفسه حتى سمعنا أصوات القنابل المسيلة للدموع الممزوجة بزغاريد النسوة اللواتي أتين لتشجيع أقاربهن وإخوتهن من أجل الصمود والثبات فخرجت مع قريبي إلى أن وصلنا حدود المدرسة1 فإذا بسماء المدينة ملبدة بدخان القنابل ولا صوت يعلو فوق صوت والرصاص”.

أثر الرصاصة التي اخترقت ساق ولد بياه

a1-34.jpgويردف قائلا:”..أثناء متابعتي لهذا المشهد دون أن أكون جزءا منه اخترقت رصاص حية ساقي الأيمن الذي بدأ مباشرة ينزف دما وأخذ قريبي يلوي على الجرح بقطعة من ملابسي ثم ذهب للبحث عن سيارة إسعاف تحملني إلى المجمع الصحي و أثناء البحث عن السيارة فقد الوعي بسبب تأثير الغاز والدخان المنبعثين من القنابل المسيلة للدموع وبقيت انزف في نفس المكان حتى مرت بجانبي سيارة إسعاف يقودها عامل سينغالي، وحملت إليها من طرف بعض العمال وقد لاحظت أثناء وجودي في السيارة أنها مليئة بالدم مما يعني أنها حملت عددا مهما من القتلى و الجرحى في نفس اليوم، وأنني لست إلا جزءا من ضحايا كثر حملتهم السيارة وأثناء طريقنا إلى المجمع الصحي توقفت سيارة الاسعاف لتحمل معي أحد القتلى من ضحايا المواجهة وقد توفي بسبب اختراق الرصاص لبطنه ولما وصلنا المجمع إذا بعدد من القتلى لا أتذكر بالضبط عدده ثم أدخلوني في قاعة الانتظار وإذا بعدد كبير من الجرحى ينتظرون دورهم للعلاج وقد سمعت بعد ذلك أن الإدارة كانت تنوي نقل الجرحى إلى انواكشوط لتلقي العلاج المناسب لكنهم فضلوا في آخر المطاف أن ينقلوا طبيبا جراحا من مدينة انواذيبو نفس الليلة عبر رحلة جوية لتولي المهمة”.

ويؤكد المحتار ولد ابياه أن أرواح الضحايا التي سقطت في ذلك “اليوم الأليم” كانت العنصر الضاغط والعامل الحاسم الذي مكن من تخفيف وطأة الظلم الذي كان يشعر به عمال ميفرما، فبدأت أحولهم تتحسن وتمت ترقية عدد كبير منهم وأصبحوا يحتلون مواقع مهمة في الشركة الفرنسية وبدأت أولى الأصوات المطالبة بتأميم الشركة الفرنسية.

تحقيق الأحلام

يجمع العمال الذين التقهم “صحراء ميديا” أن أزويرات رغم كل تلك التضحيات بقيت شامخة شموخ “كدية الجل” ورمزا حقيقيا للتضحية والنضال العماليين فبعد 42 عاما على الحادثة تطورت النهضة العمرانية في المدينة حيث حلت البنايات الاسمنتية المختلفة التصميم محل وحدات السكن الحديدية والخشبية وتعددت الطرق المعبدة ربطة بين كل أحياء المدينة واحتل الموريتانيون كل المواقع في الشركة، التي أصبحت تعرف الآن باسم الشركة الوطنية للصناعة والمناجم “اسنيم” بعد تأميمها واختفت كل علامات التمييز ولم يعد لها من أثر إلا ما تحمله قصص من أفواه الرجال الذين عاصروا تلك الحقبة المؤلمة، فـ”حائط العار” تهدم ولم يعد له أثر ومخبزة المدينة الوحيدة أصبحت مملوكة لأحد الخصوصيين الموريتانيين، وأصبحت تنافسها عدة مخابز أخرى، ونادي الصقور (اكلب انصارى) أصبح مقر الرابطة الثقافية والرياضية لاسنيم، أما نادي الغزال فتحتل مبانيه مدرسة حرة وقد اشترت ECONOMAT A (المعروفة بأكنوما انصاره) شركة سيبكس التي حولتها لبقالة لبيع المشروبات واللحوم والفواكه فيما لا تزال ECONOMAT B (أكنوما البيظان) تلعب دورها التقليدي وهو بيع المواد الغذائية الأساسية لعمال اسنيم بسعر تفضيلي.

الوحدات السكنية للعمال

a1-35.jpgأما الوحدات السكنية الحديدية التي كانت توفر السكن للموريتانيين لم يعد لها أثر في الميدنة سوي ثلاث وحدات تستغل الشرطة إثنتين منها كنقاط للمراقة والتفتيش عند مداخل ومخارج المدينة، والثالثة تستخدم كمقر لمنجرة داخل المدينة. وأصبحت كل أحياء أزويرات التي عززت بأحياء أخرى كحي “اديار الحمر” وحي “كوريا” مواقع لسكن عمال شركة اسنيم بغض النظر عن جنسياتهم و أعراقهم.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى