خطاب الوزير الأول الموريتاني أمام المانحين في بروكسل
بروكسل – و م ا – ترأس الوزير الأول الدكتور مولاي ولد محمد لقظف اليوم الثلاثاء في العاصمة البلجيكية بروكسل، انطلاق أشغال الطاولة المستديرة التي تنظمها موريتانيا مع شركائها في التنمية بدعم من الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية تحت شعار “استقرار وتنمية موريتانيا، ضرورة للأمن الإقلمي والدولي”.
وألقى الوزير الأول في بداية الطاولة خطابا رحب في مستهله باسم رئيس الجمهورية والشعب والحكومة الموريتانيين وأصالة عن نفسه بالمشاركين في هذه الطاولة، التي قال إنها تلتئم في لحظة حاسمة من تاريخ موريتانيا.
وفيما يلي نص الخطاب:
“بسم الله الرحمن الرحيم
أصحاب المعالي
السادة الوزراء
أصحاب السعادة السادة السفراء
السادة والسيدات ممثلو الهيئات الدولية
أيها الحضور الكريم؛
مرحبا بكم جميعا..
مرحبا بكم نيابة عن فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز وباسم الشعب والحكومة الموريتانيين وأصالة عني شخصيا…
مرحبا بكم لحضوركم هذه الطاولة المستديرة من أجل موريتانيا وشكرا لكم على تجشمكم عناء السفر وقدومكم إلينا بهذا الحضور المتميز والمتمثل في وزراء من الدول الشقيقة والصديقة.. ومسؤولين سامين عن المنظمات الدولية وعن شركائنا في التنمية؛ ودعوني أعبر هنا خالص امتناننا حيث أن تواجدكم بالنسبة لنا برهان بين على اهتمامكم بموريتانيا التي تتطلع إلي مشاركتكم الفعالة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية للوصول للمستوى الذى تصبو إليه.
ايها السادة والسيدات،
تلتئم هذه الطاولة المستديرة في لحظة حاسمة من تاريخ موريتانيا وفي ظرفية صعبة بالنسبة لشركائنا ولكل العالم جراء الأزمة الاقتصادية والمالية المستعصية. إلا أن الانتخابات الحرة والشفافة التي أعادت لبلادنا نظامها الدستوري في 18 يوليو 2009 قد بعثت في نفوس مواطنينا أملا كبيرا وضعنا على عاتقنا أن لا نخيبه وخلقت لديهم تطلعات مشروعة يتحتم علينا العمل على تلبيتها. ولا يفوتنا حجم التحديات التي تواجهنا، غير أنه قد حان الوقت للبدء في إنجاز التحولات الضرورية للخروج من الحلقة المفرغة للتخلف.
غير أن هذا يتطلب منا أولا عملية إصلاح عميق على العديد من المستويات أتطرق للرئيسية منها بالنسبة لنا وهي:
ـ محاربة الفقر والتوزيع المنصف للثروة،
ـ الحكامة الرشيدة ومحاربة الفساد،
ـ تطوير البنية التحتية الداعمة للنمو وتحسين تنافسية اقتصادنا،
ـ تعزيز الوحدة الوطنية وتعميق الديمقراطية.
أيتها السيدات والسادة؛
يشكل الفقر تهديدا حقيقيا لاستقرار ولحمة بلادنا، وبالتالي فمن الأهمية بمكان تحقيق تقدم سريع في هذا المجال، لأن أكثر من أربعين في المائة من مواطنينا يعيشون تحت خط الفقر، بينما تعاني الأغلبية الساحقة من شبابنا من البطالة، الشيء الذي يجعلهم صيدا سهلا للجماعات المتطرفة وضحية محتملة لشبكات الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا. ولذا فإننا نولي أهمية خاصة لتجسيد هذا البرنامج الذي يستند إلى إطار اقتصادي مرتكز على اقتصاد مفتوح ومتنوع على أرض الواقع.
وفي هذا المجال فقد أطلقنا، بدعم من صندوق النقد الدولي، برنامجا اقتصاديا تتمثل أهدافه الرئيسية في تسريع وتيرة النمو الاقتصادي والتحكم في التضخم. وسيتم في هذا الإطار تنفيذ إصلاحات هيكلية تستهدف تعزيز الاستقرار الاقتصادي الكلي وتنافسيته وإنتاجيته مع تحسين نجاعة الاستثمار العمومي وترقية الاستثمار الخاص ورفع مستوى تصنيف الاقتصاد وزيادة دخل الدولة الذاتي عبر تحسين الإيرادات الجبائية. وفي هذا المنحى بالذات، أطلقت حكومتنا مسارا يطمح إلى خلق مناخ موات للأعمال، تمت بموجبه المصادقة على مدونة جديدة للصفقات العمومية ويجري وضع اللمسات الأخيرة على مدونة جديدة للاستثمارات.
وعلى صعيد التسيير الشفاف للثروات الطبيعية دعمت حكومتنا مبادرة شفافية الصناعات الاستخراجية حيث انطلق هذه السنة مسار اعتماد بلادنا كدولة مطابقة لنظم المبادرة الدولية لشفافية الصناعات الاستخراجية.
أيتها السيدات والسادة؛
إن موريتانيا، وبفضل موقعها الجيواستراتيجي المتميز بالتحامها بإفريقيا الغربية وجوارها المباشر للواجهة المتوسطية عبر المغرب العربي وموقعها المركزي على المحيط الأطلسي، تشكل ملتقى حقيقيا للطرق التجارية البرية والبحرية ومجال تماس بين هذه المناطق الاقتصادية الثلاث. ونحن عازمون اليوم على تعزيز الدور الذي يخولنا إياه هذا الموقع الجغرافي والاستراتيجي والثقافي في القارة الإفريقية بالمشاركة الفعالة في الحوار الأورو- متوسطي من جهة؛ وفي سبيل بناء وتوطيد فضاء اقتصادي مغاربي متميز وتطوير شراكة اقتصادية ناجعة مع بلدان الاتحاد الاقتصادي والنقدي لإفريقيا الغربية من جهة أخرى. ولا شك أن هذا العزم على توسيع سوقنا والنفاذ التفضيلي المتاح لنا إلى الأسواق الأوربية والأمريكية وبالاستغلال العقلاني والممنهج للمقدرات الاقتصادية الضخمة التي تزخر بها بلادنا، كل ذلك يجعل من موريتانيا بلدا واعدا بالنسبة للاستثمار الخاص. ونحن مقتنعون بأن دعمكم سيمكننا من المضي إلى مدى أبعد على طريق إيجاد الظروف المواتية لاستغلال أمثل لثرواتنا الطبيعية دون إلحاق الضرر بمحيطنا وبيئتنا.
أيتها السيدات والسادة؛
إن الحكومة الموريتانية عاقدة العزم على المضي قدما في انتهاج سياسة لا هوادة فيها في مجال محاربة الفساد. وتطبيقا لأوامر رئيس الجمهورية، انطلقنا، فور تسلمنا لمقاليد الأمور، في مسار يهدف إلى اعتماد التسيير الجيد والشفاف للشأن العام. وفي هذا الإطار، تم القيام بأنشطة مهمة للحد بصورة معتبرة من اختلاس المال العام ومن انتشار الرشوة في الإدارة. كما استكملت الحكومة، بدعم من شركائنا، صياغة إستراتيجية وطنية وخطة عمل لمحاربة الرشوة. وننتهز هذه السانحة لنؤكد لكم التزامنا بإرساء أسس الحكامة الرشيدة وبعصرنة الإدارة وتعزيز قدراتها لكي تكون إدارة تنمية. وإذ لم يحقق بعد الإصلاح المقام به منذ بضع سنوات في قطاع العدالة النتائج المتوخاة منه كليا، فيما يتعلق بإقامة منظومة قضائية ناجعة، توقعية وسريعة الإجراءات، فإننا لذلك عازمون على مواصلة هذا الإصلاح المهم وتعميقه حتى يحقق أهدافه.
أيتها السيدات أيها السادة؛
يشكل بلوغ أهداف الألفية للتنمية أحد مرتكزات العمل الحكومي في الوقت الحاضر وسيبقى كذلك بدعمكم في المستقبل. ويتبين من المعطيات المتاحة أن بلادنا يمكنها أن تنجح بدون مصاعب كبيرة في التوصل إلى حد معقول لهذه الأهداف رغم الصعوبات. ونحن ملتزمون بمواصلة الجهود للحيلولة دون انتكاس التقدم المحقق بينما سيتطلب الأمر بالضرورة حشد طاقات إضافية لضمان الاقتراب أكثر وبشكل أضمن نحو جميع أهداف الألفية. بيد أن جهودنا ستبقى عديمة الجدوى من دون مؤازرتكم القوية. لذلك أدعوكم لتكثيف مساندتكم لنا في هذا المجال لكي يتسنى لنا بلوغ الأهداف التي رسمناها معا.
أيها السيدات والسادة؛
علي الرغم من انجازات حكومتنا العديدة، فلا يزال الكثير مما يجب علينا القيام به. ولئن كانت التحديات جمة والوسائل لمواجهتها محدودة، فإن دعمكم القوي والمستديم والأكيد يجعلنا واثقين من المستقبل.. وفي أننا سننجح بفضل دعمكم المتجدد وعزيمتنا القوية على الاستجابة لتطلعات شعبنا المشروعة.. ويمكنني أن أؤكد لكم منذ الآن التزامنا لكم بأن دعمكم لتنفيذ إستراتيجيتنا التنموية سيتجسد على أرض الواقع عبر إنجازات ملموسة تخدم مواطنينا الأكثر احتياجا، وأن أعيد التأكيد على أن نسهر على الاستغلال الفعال لكل “يوورو” أعطيتموه في هذه الظرفية الخاصة ليحقق النتائج المطلوبة منه… بالوصول إلى المستهدفين به من خلال مدرسة ستشيد أو مستشفى سيجهز أو بئر ستحفر…
ولن أختتم هذه الكلمة دون أن أعبر عن خالص شكرنا لكل شركائنا في التنمية على الدور الفعال الذي قاموا به لتنظيم وإعداد وإنجاح هذا اللقاء.
وأشكركم والسلام عليكم”.
وتتمثل أهداف هذه الطاولة المستديرة في تقديم التوجيهات الإستراتيجية الكبرى للحكومة وبرنامجها للاستثمار العمومي، ووضع حصيلة الأنشطة المقام بها في مجال الحكامة وآفاقها المستقبلية في البلاد، ووضع حصيلة تنفيذ الالتزامات المقطوعة بمناسبة اجتماع المجموعة الاستشارية لسنة 2007، وتعبئة الشركاء في التنمية للمساهمة في تمويل برنامج الحكومة للاستثمار العمومي وتعريف القطاع الخاص بالفرص الاستثمارية التي تزخر بها القطاعات الواعدة في موريتانيا.
وتأتي هذه المبادرة التي استفادت البلاد في إطار الإعداد الفني للوثائق المقدمة لها، من مساعدة جميع الشركاء الفنيين والماليين، بمن فيهم صندوق النقد الدولي إثر تطبيع الحياة الدستورية الذي تميز بانتخاب رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز في اقتراع 18 يوليو 2009 على أساس برنامج حظي بقبول غالبية الموريتانيين.
ويشكل تنظيم هذه الطاولة المستديرة فرصة لموريتانيا للقيام، مع شركائها، بتقييم المشوار الذي تم قطعه بعد التئام المجموعة الاستشارية خلال شهر دجمبر 2007، كما سيمكن من أخذ المستجدات الحاصلة على الصعيدين الوطني والدولي في الحسبان بغية تعبئة شركائها في التنمية حول المشاريع ذات الأولوية بالنسبة للحكومة.
وتستلهم حقيبة المشاريع ذات الأولوية المقدمة لهذه الطاولة المستديرة البرنامج الاقتصادي والاجتماعي لرئيس الجمهورية وتغطي الفترة من 2011 إلى 2013 ، كما تتمفصل حول القطاعات المهيكلة(الموانئ، المطارات، الطرق) والقطاعات الإنتاجية (الزراعة، التنمية الحيوانية) والطاقة، إضافة إلى القطاعات الاجتماعية (التهذيب، الصحة).
وقد بلغت الكلفة الإجمالية لحقيبة المشاريع المقدمة 28،4 مليار دولار أمريكي منها 46،1 مليار دولار أي 34 % تم الحصول عليها و 82،2 مليار دولار أي 66% مطلوبة.
وبالنسبة لأنماط التمويل، فهي إما قروض بشروط ميسرة أو هبات أو شبه هبات وسيتم استكشاف سبل أخرى للتمويل بغية المزيد من إشراك القطاع الخاص على شكل شراكة مع القطاع العام في إنجاز المشاريع الكبرى التي قررتها الدولة.
ولبلوغ الأهداف السابقة، تأمل الحكومة الموريتانية أن يساهم جميع شركائها (هيئات وبلدانا شقيقة و صديقة ومستثمرين) بفعالية في إنجاح هذه الطاولة المستديرة التي توليها أهمية خاصة في التصدي للتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها البلد.