ساعة في رحاب النحو العربي
بسم الله الرحمن الرحيم
ينكر بعض الناس أهمية علم النحو ، ويرى أن دراسة الفعل والفاعل والمبتدأ والخبر ما هو إلا ضرب من إضاعة الوقت فيما لا يفيد ، فماهي الفائدة التي تعود على المرء إن علم أن هذا فعلا وذاك مفعولا ؟
ومن يذهب هذا المذهب ، ويرى هذا الرأي ، فإنه والله قد أنكر علما لا يقل عن علمي التفسير والتجويد وسائر العلوم المتعلقة بكتاب الله تعالى ، فلا يتأتى للمرء فهم كتاب الله تعالى وضبطه وإتقانه حق الإتقان دون معرفة هذا العلم العظيم ، ولو لم يكن لعلم النحو فائدة إلا أنه حافظ لكتاب الله من التحريف واللحن لكفته هذه الفائدة .
ولم نسمع في التاريخ عن إمام برع في علم التفسير دون أن يرتقي سلم النحو ، بل إن المفسر الذي لا يحيط بالنحو لا يكون مفسرا ثقة ، ولم أسمع عن مفسر راجت مصنفاته بين الناس إلا ووجدته قد أحاط بالنحو جملة وتفصيلا ، إلا أنه لم يشتغل به .
من فوائد النحو أن الإنسان إذا أراد أن يرتل القرآن غيبا بينه وبين نفسه وكان مدركا لقواعد النحو فإن ذلك يعينه على قراءة الآيات الكريمة قراءة صحيحة ، ويحميه من خطر الوقوع في تحريف القرآن أو اللحن فيه ، ويساعده على فهم المراد من الآية فهما واضحا ، وأطبق كلامي هذا على بعض آيات الذكر الحكيم ، ففي قول الله تعالى : (( وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي )) ..
ماهو الضبط الصحيح لحرف الإعراب ( وهو حرف الصاد ) للفعل (( أستخلصه )) ؟
قد يتبادر لذهن الكثير أن الضبط الصحيح هو الضمة ..
وأن الفعل يقرأ هكذا ( أستخلصُه ) ..
فالفعل ( أستخلصه ) هو فعل مضارع ، ولم يسبق بناصب ولا جازم ..
إذاً يستحق من العلامات الضمة ، فهي العلامة التي تناسب الفعل المضارع إن لم يسبق بأداة نصب ولا جزم ..
لكن هذه الإجابة ليست صحيحة ، فالضبط الصحيح للفعل هو هكذا ( أستخلصْه ) بالسكون !!
وهذا يعني أنه فعل مضارع مجزوم !! فالسكون علامة الجزم !!
لكن لماذا جزم ولم يسبق بإحدى أدوات الجزم كـ ( لم ) أو بإحدى أدوات الشرط التي تجزم المضارع كـ ( إن ) ؟؟
فالجواب عن هذا أن الجزم بسبب الشرط المفهوم من السياق ، والقاعدة أن كل فعل أمر جاء بعده فعل مضارع وقصد معنى الشرط والجزاء جزم الفعل جوابا للشرط المقدر ..
فالآية السابقة وقع فيها الفعل المضارع ( أستخلصه ) بعد فعل الأمر ( ائتوني ) و قُصد في الآية الكريمة معنى الشرط ، والتقدير : (( إن تأتوني به أستخلصْه لنفسي )) ..
كما نقول : (( إن تأتوني بمحمد ألعبْ معه )) ..
فإن أردت أن تحذف أداة الشرط ( إن ) وتجعل الشرط مفهوما من السياق قلت : ( ائتوني بمحمد ألعبْ معه ) وفقا للقاعدة السابقة .
ومثل هذا التركيب يشيع كثيرا في القرآن الكريم ، في مثل قوله تعالى : ( أرسله معنا غدا يرتعْ ويلعبْ )
أي : إن ترسله معنا يرتع ويلعب .
وفي قوله تعالى : ( ثم ارجع البصر كرتين ينقلبْ إليك البصر خاسئا وهو حسير ) ، أي : إن ترجع البصر كرتين ينقلبْ إليك .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولو نظرنا لقول الله تعالى : (( فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين )) وقوله تعالى : (( فتول عنهم يوم يدع الداع إلى شيء نكر )) لوجدنا أن كلمة ( تولى ) اختلف رسمها في الآيتين الكريمتين ، فلماذا ؟
وهنا تأتي فائدة أن علم النحو يعين المرء على فهم الآيات ، ففي الآية الأولى يخبر الله تعالى عن نبيه صالح عليه السلام ، فكلمة تولى فعل ماض جاء على جهة الإخبار وقص القصة ، فلم يحذف منه شيء ، فالله عز وجل لم يأمر نبيه بأن يتولى عنهم ، بل يخبرنا أنه قد تولى عنهم ، أما الآية الثانية ففيها أمر ، فهنا يأمر الله تعالى رسولنا صلى الله عليه وسلم بأن يعرض عنهم ، والفعل ( تول ) فعل أمر معتل ، والفعل الأمر مبني ، وإن كان معتلا فإنه يبنى على حذف حرف العلة ، ولذا على الإنسان أن يتنبه ، فإن قرأ الآية الأولى فعليه أن يلاحظ الألف ويعطيها ما تستحق من المد ، أما الآية الثانية فيقرأ الكلمة على أن نهايتها فتحة لا ألف ، فينطق الفتحة بشكل خفيف .
سألت بعض الناس : ماذا تقولون في (( والنازعات نزعا )) هل يجوز أن نقول فيها (( والنازعات نزعٌ )) برفع ( نزع ٌ ) ؟؟
فاجتهد الناس وتفلسفوا في تلك المسألة وتضاربت آراؤهم بين الجواز وعدمه، وجاؤوا في المسألة بكلام عجيب !!
فماذا تقول فيها أخي القارئ الكريم ؟
انزل لتعرف الجواب
الحقيقة أن هذه ليست مسألة نحوية ، إنما اختبار للذهن ، فالمسألة لا يجوز فيها ( نزعٌ ) ولا ( نزعا ) ..
لأن الصواب هو قول الله تعالى : (( والنازعات غرقا )) ..
ملحوظة : من حاول أن يجتهد في جواز الرفع فلا يفضحن نفسه ، وإذا بليتم فاستتروا
لم أسأل أحدا هذا السؤال واستطاع أن يفطن للفخ الذي فيه ، فكلمة ( النازعات ) تصرف ذهنهم وتحكم أمر الخدعة
لا يمكن الفصل في إعراب آيات القرآن الكريم وضبطها إلا بعلم النحو ، وفي ثنايا هذا الموضوع سأورد لكم بعض الآيات وبعض الجمل أيضا من خارج القرآن، أما الآن فأكتفي بما ذكرت أعلاه ، وأختم ببعض الأسئلة وأطلب منكم التأمل فيها ومحاولة الاجتهاد للجواب الصحيح ، وسأعلق على إجاباتكم من خلال الردود – إن شاء الله – :
قال تعالى : (( قيما لينذرَ بأسا شديدا من لدنه )) ..
وقال تعالى : (( لينفقْ ذوسعة من سعته )) ..
لماذا فُتح الفعل في الآية الأولى ، وسكن في الثانية ، مع أن كلا الفعلين مضارع ، وكلاهما سبق باللام ؟!!
ما هو الخطأ النحوي في النص التالي : قال الخطيب (( أما بعد ، أوصيكم ونفسي بتقوى الله ، أيها الناس ، فرض الصلاة واجبة على كل مسلم )) .
السؤال الأخير للغويين فقط ولمن لديهم ثراء لغوي كبير على مستوى المفردات :
من المعلوم أن من علامات فعل المضارع أنه يبدأ بياء المضارعة ، مثل ( يأكل ويشرب ويجلس ) ، فهل هناك فعل أمر يبدأ بالياء ؟
الجواب : نعم ، فاذكروا لي بعض الأمثلة .
هذا السؤال صعب ، ولا يوجد في ذهني إلا فعل واحد فقط ..
لا أحد يستعين بالجوجل ، أراكم بعد حين إن شاء الله