المعارضة الديمقراطية بأي ذنب حوربت
في خطوة غير متوقعة أقدمت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون و قبل أيام قليلة
فقط، على منع تجديد جواز السفر الدبلوماسي لواحد من ألمع وزراء الخارجية السابقين لا لشيء في ما يبدوا سوا أن الوزير السابق عضو بارز بل هو نائب لرئيس أحد أعرق أحزاب المعارضة وأكثرها شعبية وهو حزب تكتل القوى الديمقراطية، فا لسيد عبد الرحمن ولد أمين صاحب السيرة الناصعة وقائد الإصلاح العملي الذي طبع تعامله في مختلف الوزارات التي تولي حقائبها ومنها وزارة الشؤون الخارجية والتعاون التي قادها لفترة ناهزت السنتان خولت له كغيره من رؤساء الدبلوماسية السابقين أن يتمتع بحق جواز السفر الدبلوماسي مدى الحياة كما نصت على ذلك القوانين والنظم المعمول بها علي كامل تراب الجمهورية الإسلامية الموريتانية ,
إلا أن وزارة الخارجية كانت لها الطقوس الخاصة والفريدة في تكريم قائدها السابق عوضته به عن الأوسمة والنياشين في سابقة غريبة خرجت بها علي كل التقاليد المألوفة والمتبعة في هذا الصدد، فبعد الكثير من المماطلة والتلكؤ صادرت من الرجل حقه ورفضت تجديد جواز سفره الد بلو ماسي دون إبداء أية مبررات مهما كانت طبيعتها ،مما دفع الوزير وهو على أعتاب السفر إلى استعمال جواز السفر العادي حتى يتمكن من المغادرة بسلام .
علي أن خطوة من هذا القبيل في حق شخصية وطنية واعتبارية بهذا لحجم الكبير كان حريا بها أن لاتمرعلينا مرورا لكرام دون أن نسمع أصوات الشجب والتنديد ترتفع لهذا لتصرف الغير مبرروللا أخلاقي من جانب إدارة يفترض بها أن ترد الحق إلي أصحابه لا أن تنتزعه منهم ،كما أن بعض مسئولي أقسام إداراتها لايتورعون عن التبجح من حين لأ خرأمام الملء من مرتادي الوزارة بأنها ترعي القانون و تطبقه نصا ومضمونا علي الجميع ودون تمييز.
ومن ا لمضحك المبكي أن يكون هذا التعاطي من جانب واحدة من أهم وزارات السيادة التي يعول عليها كثيرون في أن تكون قدوة حسنة ورائدة لغيرها من الوزارات، فلا عذر إطلاقا يمكن لأحد أن يلتمسه لها كذا خطوة، خصوصا في ظل فترة وزيرة محترمة وسياسية محنكة ارتوت حتى الثمالة من نبع روافد أب الدبلوماسية الموريتانية و مهندس العلاقات الخارجية الأكبر وفارس الاعتراف والتطبيع الدولي الظاهرة التي لم و لن تتكرر المرحوم حمدي ولد مكناس تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جنانه وجازاه عن الوطن والمواطن خير جزاء.
ويظل من البديهيات والمسلم به أن جواز السفر الدبلوماسي قد أضحى ميزة تمنح لكل من هب ودب من رجالات النظام المقربين والسياسيين الداعمين ورجال الأعمال المنخرطين وحتى السماسرة المحظوظين بعين الرضا ومن تبعهم من المتملقين،
فهل أصبح الانضمام إلى هذه الطوابير شرطا من شروط منح الجواز الدبلو ماسي ؟أم أن القيمين على إدارة الجوازات يؤمنون ببعض النصوص القانونية أول النهار ويكفرون بها آخره لعل الخارجين والعصيين علي الطاعة يرجعون؟
سؤالان يبقيان معلقان في إ نتظارأن تجد الوزارة الشجاعة الكافية للإجابة عليهما، وإلى أن يحدث ذلك وهو ما لاتلوح بوادره في الأمد القريب علي الأقل، نشير إلي أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها الاعتداء علي حقوق السياسيين ومعاقبتهم على قناعاتهم السياسية والفكرية وضربهم بيد من حديد ،ففي وقت سابق تم إيقاف مخصصات رئيسان سابقان للجمهورية وحرمانهما من عدة حقوق من بينها راتب أحدهما وسحب عدة امتيازات من الآخر كان يتمتع بها لا لذنب أو جرم اقترفاه سوا لأنهما سارا ضد التيار الخارج من جنينان القصر، ولأن كان ذلك قد حدث في فترتين مختلفتين إلا أنه يرمز لشيء واحد ظل الديدن و السلوك العام و الرسمي لمختلف الإدارات المتعاقبة و هو الانتقام من الصوت المعارض و إهانته ودفعه مرغما علي الالتحاق بركب النظام باستعمال شتى الأساليب الشرعية وغير الشرعية.
فسياسة الترغيب والترهيب والتهميش عادة قديمة جديدة دأبت بعض الحكومات السابقة واللاحقة على ممارستها في حق كل الذين لا يومؤن برؤسهم علي عجل بالموافقة على إملاءاة النظام وعلي كل الذين تفوح منهم روائح التردد والتريث، فتحت هذه اليافطة تم التشويش على الأحزاب السياسية المعارضة وتسفيه أحلام قادتها وإثارة الشحناء والبلبلة بين بعضها البعض عبر مندسين ومرتزقة تم تجنيدهم في جنح الظلام لهذا الغرض على أن يجزل لهم العطاء بكل سخاء بعد أن يعيثوا في هذه الأحزاب فرقة وفسادا.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد فقد تم استدراج بعض مذبذبي الرأي من شيوخ ونواب وعمد المعارضة بالإغراءات المالية والوعود بالتوظيف وأيضا باستعمال ضغوطات رجال القبيلة من الوجهاء والفقهاء والأعيان ومابين ذلك بطرائق قددا.
علي أن مثل هذه الممارسات غير الشريفة في عالم الديمقراطية والتنافس النزيه لن تجني على الأغلبية” المستغلة “غير العزلة السياسية وتزيد من تباعد الهوة والجفاء بينها وبين مناصريها إن كان لها فعلا مناصرين حقيقيين يؤمنون بها ويعتنقون نهجها بعيدا عن الكلمة السحرية برنامج ” فخامة رئيس الجمهورية ” العبارة التي يركنون إليها من حين لأخر كل ما ضاقت بهم سبل العجز وأسكتتهم حجج الخصم .
فعلى الحكومة والسلطة الحاكمة التي تغدوا وتروح بأموال دافعي الضرائب الموريتانيين موالين ومعارضين، وبخيرات أرض الاثنين معا ،عليها أن تنئ بنفسها عن مثل هذه التصرفات المشينة وأن تطلق بالثلاث سياسة ” حلال علينا حرام عليكم ” التي ظلت نهجا متبعا لسنين طويلة، وذلك بأن تحفظ للصوت المعارض حقه الطبيعي و المشروع في الحياة السياسية الكريمة وتوظف كفاءاته وخبراته وتستفيد منها بما فيه خير الجميع، ودفع لعجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، وعليها كذلك أن تفتح له أبواب وسائل الإعلام العمومية من غير منة حتى تؤمن له الوصول بكلمة الحق التي يصدح بها عاليا بكل انسيابية واتزان بدل محاربته سرا وعلا نية وخنقه وكتم أنفاسه لكي لا تقوم له قائمة ،فالصوت المعارض ليس وحشا مفترسا يجب إعلان حالة الطوارئ علي كامل التراب الوطني من أجل القضاء عليه ولاهو بالمرض الفتاك الذي يتطلب حصر جميع الطا قا ت لتحصين الكل منه، بل هو جزء لايتجزء من النسيج الإجتماعي للأمة و يبقى ضروريا لمصلحة السلطة والدولة معا ولا غني للمجتمعات الديمقراطية عنه فهو الكفة الثانية لميزان الديمقراطية المستقيمة الذي لا يزن بالقسطاس إلامن خلال كفتيه الاثنتين،علاوة علي أنه يري الحكومة سوءاتها وينبهها إلى أخطائها وتجاوزاتها التي قد تحاول جر الجميع إليها وفوق ذلك يريها صورتها مكبرة من الزاوية الأخرى التي لا تلتقطها عدسة مصوريها ولا تريد هي أن تراها أوان يراها أي أحد كان، فصورة مجتمع كل أحزابه وسياسييه قد تحولوا إلى مطبلين ومزغردين يتغنون بنفس النغم ويعزفون نفس السنفونية ، لا يملك المرء بعدأن يشاهدها وقلبه يعتصر حزنا و ألما إلا أن يقول وبكل حسرة، سلام على الديمقراطية، سلام على الوطن، سلام على الدنيا وإنا لله وإنا إليه راجعون .
أسند ولد محمد سيدي
esnedmdsidi@yahoo.fr