الانقلاب “الأسمر”
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد تزايدت وبشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة المقالات والتصريحات والمواقف الصادرة عن جهات عديدة من ” الجيل الأول والثاني والثالث” لحركة الحر. وهي مواقف وتصريحات قد تشكل تمهيدا لصياغة البيان الأول للانقلاب الذي أصبحت كل الدلائل تشير إلى تفكير البعض في القيام به. وسواء نجح ذلك الانقلاب على القادة المؤسسين للحركة أو فشل فإنه قد أصبح من الضروري أن يتم توسيع النقاش الدائر حول هموم الشريحة المظلومة ليشارك فيه الجميع، باعتبار أن معاناة تلك الشريحة هي معاناة وطن بكامله بكل شرائحه وأعراقه، أو هكذا يجب أن تكون.
ومن المؤسف حقا أن كل ما يطفو على السطح حتى الآن من مقالات ومقالات مضادة، أو من تصريحات وتصريحات مضادة، لا يخدم إطلاقا معاناة تلك الشريحة. فالبعض للأسف الشديد لا يزال يتجاهل ويرفض أن يسمع أنين المستضعفين من تلك الشريحة، أما البعض الآخر فإنه يعمل جاهدا لكي يُحَوِّل ذلك الأنين إلى سلعة يمكن تسويقها في الدوائر الغربية وفق مواصفات ومقاييس الجودة الأوروبية، مقابل عائد مادي لا يستفيد منه إلا مُصَدِّر تلك السلعة..
لقد صرح أحد “المناضلين الجدد” في لحظة “صفاء” لصديق له بأن القسوة التي يتحدث بها عن ” البيظان ” إنما هي قسوة من أجل كسب قوته، وأنه في أعماقه يحب ” البيظان ” خاصة منهم أولئك الذين لم يتخلوا عن ممارسة الرق لأنهم يوفرون له مصدر رزق لا ينفد !!! هكذا رد ذلك “المناضل” عندما انتقده صديقه على قسوته على” البيظان”.
وتلك واحدة من مآسي هذا البلد، فغالبية نخبنا مجرد سماسرة وتجار. والأمر هنا لا يقتصر على شريحة دون أخرى، وإن كانت المتاجرة بهموم ” لحراطين ” أكثر رواجا من المتاجرة بهموم الشرائح الأخرى، لأن معاناتهم أشد عمقا من معاناة غيرهم.
إن من يهتم حقا بهذه الشريحة المظلومة عليه ـ حسب اعتقادي ـ أن يأخذ بعين الاعتبار الحقائق التالية :
1ـ إن الزعيم “مسعود” سيبقى أعظم هبة قدمتها موريتانيا لحركة الحر، كما أنه سيبقى ـ في المقابل ـ أعظم هبة قدمتها حركة الحر لموريتانيا .. لذلك فإنه لا يجوز لحركة الحر أن تحتكره وتحرم موريتانيا منه . كما أنه لا يجوز لموريتانيا أن تحتكره وتحرم الحركة من زعيمها المؤسس.
2ـ إن خبرة الزعيم “مسعود” وتضحياته الكبيرة التي قدمها في وقت كانت تصعب فيه التضحية تؤهله أكثر من غيره لأن يحدد متطلبات المرحلة ويرسم مسار النضال الذي يجب أن يُسْلَكَ من أجل تجاوز مخلفات الاسترقاق. وعندما يحدد الزعيم “مسعود” رؤية معينة فإنه لا يجوز للغير أن يشكك في تلك الرؤية ويبدلها بمشروع تصادمي ستكون نتائجه مدمرة وكارثية على الوطن كله.
3 ـ لقد استطاع الزعيم “مسعود” بحكمته المعهودة، أن يشكل تحالفا بين الحر والناصريين. وهو تحالف استفادت منه حركة الحر، كما استفاد منه الناصريون، بل أن ذلك التحالف تعدت آثاره الإيجابية حزب التحالف.
وبالرغم من أننا كنا نتوقع أن ذلك التحالف سيمتد ليشمل حركات وتنظيمات وأحزاب أخرى، خدمة للشريحة، وخدمة للوطن كله، فإذا بنا نفاجأ بخطابات وبيانات تصادمية تأتي من متطرفي التنظيمين المكونين للتحالف الشعبي التقدمي.
4 ـ إن مغازلة اليهود والتقرب من الغرب ونعت الرئيس السوداني بأشنع الأوصاف لا يخدم ” لحراطين ” في أي شيء. ولقد أثبتت سنوات التطبيع البائسة بأن أبناء هذه الشريحة كانوا هم الأكثر نفورا وبعدا من اليهود. لذلك فإن هذه الشريحة لن يستطيع أن يقودها إلا من كان يعتز بدينه وبكرامته وبهويته.. ولقد أثبت التاريخ بأن ” لحراطين ” حتى ولو تعرضوا للظلم من الأخوة فذلك لن يكون سببا في أن تتولد لديهم عقدة من هويتهم وانتمائهم لهذا البلد.
5ـ إن التهجم على الشرائح الأخرى، وعلى العلماء، وعلى رموز هذا البلد، لا يخدم إلا أعداء هذا البلد. وعلينا أن نتذكر دائما بأن من علماء هذا البلد من قدم خدمات جليلة في تعليم أبناء شريحة لحراطين التي يعتبر الجهل و الفقر من أعظم التحديات التي تواجهها.
ولقد استطاع الأستاذ الجليل “محمد ولد سيدي يحي” أن يلعب دورا كبيرا في مجال تعزيز الوحدة الوطنية، من خلال دروسه ومحاضراته التي استفاد منها الكثير من أبناء هذه الشريحة. لدرجة أنه أصبح من بين تلاميذه من ينشر العلم داخل أوساط الشريحة، ويؤم المصلين، ويعظ بشكل رائع جدا، كما هو حال إمامنا في مسجد الحي.
ومن المؤسف أنه لا أحد يعترف بشكل رسمي أو شعبي لذلك الداعية بجهده الكبير الذي يقوم به. وهنا لا أتحدث عن دوره الدعوي والوعظي ، بل عن دوره في تقليص الفوارق بين الشرائح في مجال العلم.
6 ـ في المقابل لا أحد يستطيع أن ينكر بأن هناك عدم تحمس لدى البعض في محاربة بقايا ومخلفات الاسترقاق، كما أنه لا يمكن للمُنْصِف إلا أن يستغرب بأنه رغم كثرة الأحزاب والمنظمات فلم يزل اكتشاف حالات الاسترقاق في هذا البلد والتنديد بها يقتصر على منظمات قليلة يقودها مناضلون من ” لحراطين”. لقد أصبح من اللازم والضروري أن تشارك الشرائح الأخرى في التنقيب عن حالات الاسترقاق وكشفها.
7 ـ لقد حاول البعض أن يشكك في جدية دعم ” البيظان” للمرشح ” مسعود” في الانتخابات الرئاسية الماضية. ورغم قناعتي بأن المرشح ” مسعود” يستحق ـ لنضاله ـ أكثر من 16% التي حصل عليها، إلا أنه مع ذلك يمكن القول بأن تلك النسبة كانت تشكل مؤشرا مهما خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار حقيقة هامة وهي أن المرشح ” محمد ولد عبد العزيز” قد اخترق الشعبية التقليدية للمعارضة بخطابه الانتخابي، خاصة في الأوساط الفقيرة، وبالأخص في التجمعات التي يكثر فيها “لحراطين”. لذلك فإن وصف “البيظان” الذين شكلوا غالبية شعبية “مسعود” وبذلوا كل ما في وسعهم من أجل نجاحه بالبرابرة والإقطاعيين لا يخدم “لحراطين” بصفة خاصة، ولا يخدم موريتانيا بصفة عامة.
إن من تهمه محاربة الرق ومخلفاته، عليه أن يعمل على تماسك 16% وتوسيعها وتوجيهها في مشاريع سياسية وتنموية لمحاربة الرق، بدلا من تفكيكها من خلال التصريحات المتطرفة، والتصريحات المتطرفة المضادة.
8 ـ لا أحد يستطيع أن ينكر بأن نسبة توظيف لحراطين لا يتناسب ـ إطلاقا ـ مع حجم الشريحة، ولكنه مع ذلك لا يمكن تفسير ذلك تفسيرا عنصريا لأن نسبة التعلم تلعب دورا هاما وهناك قبائل كثيرة تعاني من نفس الشيء، بالمقارنة مع قبائل أخرى أقل عددا. كما أن عدم تناسب الوظائف مع الحجم العددي يمتد ليشمل شرائح الزنوج فيما بينها، حيث أن هناك شرائح زنجية تحتكر وظائف أكثر من شرائح أخرى هي أكثر عددا.
9 ـ يتحدث البعض عن عنصرية الدولة ويحتج بعدم تطبيق القوانين التي تم وضعها لمحاربة الرق. والحقيقة أن الدولة عاجزة عن تطبيق أي قانون في أي مجال من مجال تدخلاتها، لذلك فالمسألة ليست عنصرية في تطبيق القانون، وإنما هي عجز بنيوي في تطبيق أي قانون.
10ـ ليس من حق أي واحد منا أن يتهجم على شريحة كاملة ويصفها بأبشع الأوصاف. وليس لأي أحد منا الحق في بث الكره والحقد بين مكونات هذا الشعب الطيب بكل أعراقه.
وعلى القائمين على بعض الجرائد والمواقع التي تشارك في نشر ثقافة الكره والحقد ـ والتي كنا نعتقد أنها أكثر مهنية من ذلك ـ أن يعلموا بأن عليهم وزر كل كلمة سوء يبثونها في الآفاق.
11 ـ إن ترسيخ قيم الديمقراطية واستغلال ما تتيحه من هوامش واسعة للعمل السياسي والتنموي سيبقى أفضل وسيلة لمحاربة الرق. أما استغلال ذلك الهامش ـ بشكل سلبي ـ في بث روح التفرقة والتباغض وفي الاستجداء بالخارج فستكون آثاره وخيمة على الجميع، وقد يؤدي ـ لا قدر الله ـ إلى غرق السفينة بكاملها وبما فيها من “حراطين” و”بيظان” و”اكور”.
12 ـ إن تنمية الديمقراطية في هذا البلد هي التي ستمكننا من تفكيك بعض العلاقات والروابط التقليدية الجائرة، وإبدالها بمؤسسات مدنية وسياسية قادرة على توجيه الأكثرية الفقيرة لاختيار من يخدم مصالحها، مما سينعكس إيجابا على فقراء هذا البلد ومهمشيه والذين يشكل “لحراطين” ـ بطبيعة الحال ـ غالبيتهم.
13 ـ إن هناك فجوة كبيرة بين الأداء السياسي والأداء التنموي، فالخطاب السياسي بلغ مراحل متقدمة أما الأداء التنموي فهو في انحطاط متنامي. ونحن مجتمع يتقن الكلام والصراخ، وبإمكان كل واحد منا أن يُسِيل وديانا “بعرق لسانه” ولكنه في المقابل لا يستطيع أن يُسيل قطرة عرق واحدة من جبينه في عمل تنموي هادف.
فأين هي الأحزاب وأين هو المجتمع المدني في آدوابة ؟ ولماذا الكل يصرخ ويصرخ بهموم لحراطين ومع ذلك فلا أحد يفكر في أن يفتح فصلا واحدا لمحو الأمية، أو مركزا لمحاربة الفقر لهؤلاء المهمشين والمظلومين؟ فعلينا أن نعلم بأن فتح فصل واحد لمحو الأمية في آدوابة خير من كثير من البيانات ومن الصراخ الذي يصم الآذان. والعبء الأكبر في هذا المجال يقع على أولئك الذين يفتح لهم الغرب خزائنه، ومع ذلك يبخلون على آدوابة بفصل واحد لمحو الأمية.
إن من يهتم بهذه الشريحة حقا عليه أن يهتم أولا بتعليمها وبتوعيتها وبتثقيفها المهني والحرفي وهناك تصور جاهز أعده مركز ” الخطوة الأولى ” يمكن تقديمه لكل من يهمه الأمر .
تصبحون على وطن لا فوارق فيه …
ملاحظة : هذا المقال تم نشره منذ تسعة أشهر، ولكن نظرا لتشابه الليلة بالبارحة، ونظرا لاهتمام بعض القراء فقد قررت أن أعيد نشره دون أي تعديل.
رئيس مركز ” الخطوة الأولى” للتنمية الذاتية
هاتف 6821727
Email : elvadel@gmail.com
www.elvadel.blogspot.com