وصف فرناندس لـ “بلاد السيبه” حولي 1493م
ترجم الباحث الفرنسي تيودور مونو سنة 1938 كتابا لمؤلف اسباني (ألماني الأصل) يدعى والنتيم فرناندس تحت عنوان “وصف شواطئ إفريقيا”. وقد ذكر المؤلف أنه لم يزر المنطقة لكنه اعتمد على رواية السيد اخوان الذي بعثه خوانو الثاني إلى هذه الشواطئ سنة 1493م وقضى فيها سنتين ثم تردد عليها بعد ذلك.
تحث فرناندس عن جزيرة آركين وقال بأن فيها 70 منزلا لـ “المور” (التي هي لفظ يطلقه الغربيون على البيظان) تحيط بالقلعة، وبها حصن ملك البرتغال حيث يجري التبادل التجاري بين البيظان والبرتغاليين لعديد البضائع التي يجلبها هؤلاء مثل الأقمشة والأكسية والسروج والصحون والعسل والفضة والقمح والفلفل والقرنفل والزعفران والمرجان، على أن يكون امتياز جلب هذه البضائع وقف على الملك وحده. أما البضائع التي يجلبها “المور” للبرتغاليين فقد ذكر منها العبيد والذهب وجلود اللمط والصمغ وبيض النعام والأغنام.
وتحدث المؤلف عن جزر أخرى على الشاطئ منها جزيرة طرفايه. وتناول بإسهاب البر المقابل للجزر فقال: “هناك منطقة تسمى أرض الودايا (يقصد بني أدي بن حسان) تمتد غربا بمحاذاة الشاطئ ويفصلها عن بلاد الغينيين نهر صنهاجه الذي يدعوه البيظان والزنوج “النيل”. وسكان هذا الجانب من النهر بيض أما سكان الجانب الآخر فسود. ويتاخم منطقة الودايا منطقة البرابيش وهم في حروب دائمة. وتحد منطقة البرابيش منطقة كبيرة تدعى منطقة ارحامه من بني حسان، وتحد هذه الأخيرة منطقة أولاد أعمُر والحرب دائمة بين سكان المنطقتين”. وقال المؤلف ان سكان هذه المناطق عرب وبعضهم يعتبر نفسه أشرف من غيره رغم وحدة الأصل بينهم. وأضاف أن السكان بدو ليست لهم قرى أو مدن وإنما يعيشون في خيام ينتقلون بها من مكان لآخر طلبا للمرعى. ثم تحدث المؤلف عن عادة الثأر في هذا المجتمع ومدى احترام أهله للخفارة والذممة واحتقارهم للغدر ونكث العهد. وعدد من أسلحتهم الرماح والخناجر. وقال انهم يحاربون على ظهور الجمال والخيل العربية العتيقة وإن لم يكن لديهم منها إلا القليل بسبب الجدب، وان أعمارهم طويلة بسبب عدم وجود الأوبئة بأرضهم. وقال ان العرب في بلاد الودايا أكثر حياء من غيرهم؛ فالأبناء يحترمون آباءهم وحتى أنهم لا يأكلون معهم ولا يستمعون إلى اللهو بمحضرهم, وأردف أن سكان الودايا والبرابيش يعتمدون في غذائهم على اللحم واللبن وأنهم لا يعرفون الفواكه ولا الخبز. ولا توجد في صحرائهم أنهار ولا آبار ولا عيون جارية. وإنما هناك صخور مسطحة ضخمة تحمل إليها الرياح الرمل حتى يصير كثبانا تغطي بعض أجزائها، وفي فصل الخريف ينفذ الماء من الرمل إلى قاع الصخور حيث توجد حفر كبيرة يستقر فيها.
وقال ان البيظان يستطيعون اكتشاف تلك المياه ولو كانت مطمورة كلها تحت الرمال.
وشرح المؤلف طريقة تزودهم بالماء لمسافات طويلة فقال بأنهم يسقون الجمال ويقطعون ألسنتها فلا تستطيع أن تأكل أو تجتر ويبقى الماء في بطونها على حاله فإذا احتاجوا إليه نحروها وشقوا بطونها وشربوا ذلك الماء الذي يستلذونه. وأشار في وصفه لأرض الودايا إلى جبل يسمى شلود كما ذكر آكشار وقال انه أخطر المناطق عبورا. وتحدث عن جبل الجل الآهل بآسكاف والذي يحكمه ملكان ويوجد على مرحلتين منه الجبل الذي يستخرج منه الملح في شكل قطع مكعبة طولها ثمانية أشبار وعرضها أربعة وسمكها نصف شبر وحمولة الجمل منها أربع قطع تشد كل قطعتين على جانب. ثم تحدث عن جبل بافور (آدرار حاليا) حيث توجد أربع مدن هي ودان وآوليلي وشنكيطي وتنيكي وقرية تسمى فره، وهناك مدينة مهجورة قرب ودان تدعى بيرو بها بقايا عمارات وقصور جرفتها السيول. وقي هذه البلاد يغرسون النخيل والشعير والذرة والحناء.
وقال المؤلف بأن المنطقة تعيش حالة كبيرة من النهب والفوضى والبؤس. وذكر أن عدد سكان ودان يبلغ 400 نسمة وأن لها مكانة تاريخية كمحطة للقوافل التي تنقل الملح من جبل الجل إلى تيشيت، وتبعد تيشيت عن ودان مسيرة سبعة أيام. ويفد إلى تيشيت تجار ولاته التي تبعد عنها مسيرة ثمانية أيام وهي مدينة كبيرة بها ملكان أحدهما أسود والآخر أبيض تقع على حدود بلاد السودان وسكانها مسلمون وبها عدد من التجار اليهود الأثرياء جدا. ومن ولاته يحمل الملح إلى تنبكتو التي تبعد عنها مسيرة نصف شهر وهي مدينة بالغة الأهمية تقع على ضفة نهر النيل (يقصد نهر النيجر) والتجارة فيها مزدهرة لأنها مركز استبدال الذهب بالملح حيث يباع الجمل مع حمله من الملح بمائة وعشرين مثقالا من الذهب.///
المصدر : موقع التيسير الثقافي