بن علي :الجنرال الذي يفكر بيديه

قارن الكاتب الفرنسي جيل بيرو مؤلف كتاب صديقنا الملك بين الرئيس بن علي والحسن الثاني فقال:” الانتقال من الحسن الثاني إلى زين العابدين بن علي هبوط من أرستقراطية الجريمة إلى الضحالة المفجعة لسوقيٍّ آت من إحدى المديريات الفرعية … لا نطعن هنا في البلاد وإنما نكشف حقيقة الأشخاص فقط … كان للحسن رأسٌ، وليس لزين العابدين بن علي سوى يدين”.


كان للأول، مع كل خطاياه، فضائل، ومنها الذكاء … ولا يتميز الثاني، الملقب (الرئيس بكالوريا ناقص 3) سوى بردود أفعاله المتعجلة التي يكتسبها الجندي في الثكنات.

كان الأول ملكا، حتى في أسوأ تجاوزاته، وليس الآخر سوى شرطيٍ شرسٍ يفرض على أحد أكثر شعوب العالم تحضرًا (وتعلما) السجن في قفصٍ من الديكتاتورية المتوحشة”.

ربما لا يجد الباحث في السير الذاتية للزعماء وصفا أكثر تعبيرا عن انحطاط حاكم تونس في هذا الوقت أبلغ من هذا الوصف فقد تأملت النص الكامل لخطاب الجنرال المتلعثم أمس فوجدت فعلا أن الرجل تتجسد أفكاره في أصابعه وحركة يديه قبل أن تخرج الفكرة من رأسه بعد ذلك بثوان بعدما جسدتها حركات يديه التي ارتطمت عدة مرات بالطاولة والميكرفون في حركة عبثية تشبه إلى حد كبير السياسات البائسة للرجل والتي أفقرت البلاد والعباد للمستوى الدامي الذي نشاهد الآن صوره الدامية قادمة من تونس.

يخيل إليك الآن وأنت تتابع تونس في الإعلام الدولي أنك تتصفح أرشيف رومانيا واحتجاجات شعوب أوربا الشرقية في العام 1989 ولكنه تشابه النتائج النهائية للأحكام الاستثنائية التي ترفع الحاكم لدرجة التأليه وهذا ما شاهده الجميع البارحة في قناة تونس 7 التي ما إن انتهى الخطاب الرئاسي حتى انقلبت 180 درجة لتتبنى الخطاب المعارض وتحاول الانسلاخ ولات حين مناص من مما يسميه التونسيون “الخطاب الخشبي” للشرطة الإعلامية” التابعة لنظام بن علي.

صناعة ديكتاتور

ولد الرئيس بن علي في مدينة الحمامات 1936 لكن ميلاده السياسي إنما جاء على يد قابلة المخابرات الإيطالية وقد أجمعت ثلاثة مؤلفات تناولت شخصية الرئيس بن على بالتحليل بأنه لم يكن مؤهلا لقيادة هذه البلاد وإنما جاءت به المافيا الإيطالية والمخابرات الأمريكية والجزائرية بعدما تأكد الجزائريون أن أي تحول ديمقراطي في تونس ستكون له انعكاسات واسعة على المنطقة وهكذا فقد رتب انقلاب على العجوز الهالك وتم تزوير محضر عجز بورقيبة عن ممارسة مهامه ليتولى بن على السلطة في محاولة ناجحة لإجهاض التغيير الذي كانت تونس حبلى به حينها 1987 .

وفعلا جاء الجنرال أو مهندس الإلكترونيات حسب معدي السيرة الذاتية المزوقة للرجل ليعيد هندسة الحياة السياسية بما يسمح له هو فقط وزمرة النفاق في الحزب الدستوري الحاكم بالهيمنة على كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد.

نجحت خطة الانقلاب وأعطى الجنرال المهندس الجديد!! نوافذ انفتاح محدود! لتبيئة المشروع الجديد وما هي إلا أشهر قليلة وسنوات محدودة حتى دارت مكينة القمع بشكل غير مسبوق تحت يافطة محاربة التطرف الإسلامي زهقت أرواح بريئة في السجون وشرد الآلاف.

استفاد الطاغية المدعوم غربيا من الولايات المتحدة وأوربا من جو القمع الذي تلبد غيومه المنطقة ووظف مناخ الصراع في الجزائر والحصار المفروض أمريكيا على النظام الليبي ليقدم للعالم العربي المأزوم خديعة الإعجاز الاقتصادي! لنظام دولة الحداثة! التونسية حسب اللغة الخشبية للشرطة الإعلامية.

سارق الثورات

إطلالة الجنرال المهندس!! أمس تنتمي فعلا للذهنية السائدة في المخزن التونسي وكما تقول النكتة السورية فقد كان حافظ الأسد يعطي المؤشر السياسي للسوفيات بأنه يتجه شرقا ثم يستدير موليا وجهه شطر واشنطن ولندن وظلت تلك سياسته المتوازنة، والجنرال بن أعلى أيضا يريد بخطابه أمس أن يلتف على الثورة الشعبية الحالية التي زعزعت أركان نظامه وجاءت جمله مترعة بالوزن السياسي الثقيل واختيرت عباراته بعناية بالغة فهو يريد أن يفت في عضض معارضيه دون أن يقدم تنازلات وهو أيضا يتباكى على الدماء التي سالت وهو من أمر بالضغط على الزناد.

ففي خطابه الأول الذي هدد وأرعد بأن مثيري الشغب سينالون عقابهم .. وقد نفذ الرجل بعدد القتلى المرتفع جزءا من وعيده.. أما في خطابه الثاني فقد هدد الملثمين ثانية بإنزال أقسى العقوبات بالمتظاهرين وهو ما كرره مجددا في هذا الخطاب حين اعتبر أن مجرمين اختلطوا بالمتظاهرين ولا بد من فصلهم عنهم.

ومن المعروف تاريخيا أن المعبر الحقيقي عن الحركة الوطنية في تونس هو الاتحادات المهنية أما الحزب الدستوري الحاكم فهو منذ تأسيسه في الخمسينات يعبر عن خيارات الإدارة الاستعمارية الغربية وظل ذلك ديدنه وهو المشروع الحزبي الذي جسدت قوى الاستعمار من خلاله طموحاتها في سرقة الحركة الوطنية التونسية كما أن بن علي نفسه يشكل تجليا من تجليات المشروع ذاته لأنه أداة لسرقة وإجهاض تحولات التغيير في الثمانينيات وستظل تلك طبيعته وأكثر من يتفاعل مع هذه الحقيقة هو الشعب التونسي ذاته الذي ذاق مرارات هذه التجارب.

المنافق الأكبر

إذا كان الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة قد تلقب في الخمسينات بلقب المجاهد الأكبر!! فإن الشعب التونسي يجب أن يمنح خليفته ووريثه في العمالة والتغريب لقب “المنافق الأكبر” فمتى كان (الرئيس بكالوريا ناقص 3) يهتم بالعلم والتعليم حتى يتباكى في خطابه على أن أبناء تونس لم يذهبوا إلى المدرسة ومتى كان يعرف مدلولا لكلمة حرام!! التي كررها مرات متعددة أو ليس قتل النفس أكثر حرمة!! الم يقتل هذا الديكتاتور بلدا بكامله.. إن ساعة المواعظ والفتاوى الرئاسية قد تقضت .. وما لها من عودة ..خصوصا إذا كانت نفاقا يحاول الاحتفاظ بالكرسي.

سارق أحلام التغيير

إن خطاب الرئيس بن على ينطوي على مغالطات كبيرة للشعب التونسي فهو ليس إلا كذبة جديدة في سجل حافل بالكذب والنفاق والدجل السياسي وإن أية استجابة له ستشكل خيانة كبيرة لأرواح الشهداء الذين سقطوا في هذه المواجهات برصاص الغدر والخيانة .. الصادر بأوامر الجنرال .. مهندس التغيير الهادئ الضامن لبقائه حتى 2014 كما رغبته .. لا قدر الله.

إن وجود هذا النوع من الديكتاتوريات مرتبط بالقمع وبالخيانات لأنها مصابة بانفصام نكد في تكوين شخصيتها كما هي مصابة بالشقاء الذي لا يتركها تطمئن أبدا لأوضاع الطبيعية لأنها جاءت من أول يوم فاقدة الثقة في شعبها وتعتبر بقاءها مرهونا برضى أصحاب المنة عليها خارج الحدود هناك ..في باريس أو واشنطن.

فلا تتركوا المنافق الأكبر يسرق ثورتكم ..يسرق حلمكم بالتغيير .. وحلم الشهداء الذين قضوا من أجل حياة كريمة ..إنه كالغريق يتشبث بأي شيء فلا تتركوا لحامل فيروس الفناء فرصة القيادة.. مرة أخرى.

ومن موقع الخبرة نذكركم يا أبناء تونس .. وكما قالها رمز مقاومة الفساد محمد جميل ولد منصور ذات ليلة من ليالي الاستبداد الحالك وفي ظروف مشابهة “إنه يغرق فلا تنقذوه”..”يحرم تايده وتجب مقاومته”.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى