واقع عمالة “الجرنالية” في أكجوجت
العمالة المؤقتة، أو ما اصطلح عليه بالجرنالية Journaliers، ظاهرة منتشرة في صفوف العمال اليدويين، وهي تمثل نوعا من أنواع التحايل على ترسيم العامل للإلتفاف على حقوقه. وغالبا ما يتم ذلك عبر وسطاء أو سماسرة يتولون الاكتتاب كوسيط لرب العمل الحقيقي، مقابل عمولة أو خدمة، وقد يصبح هؤلاء العمال أكثر عددا من العمال الرسميين، بل وأقدم منهم وأكثر خبرة وممارسة، والأهم من كل هذا أنهم يقضون أحيانا فترة أطول في وضعية الجرنالية، قد تصل إلى عدة سنوات، خرقا للقانون الذي ينص على وجوب ترسيم العامل بعد ستة أشهر من العمل المستمر!
رى ما هي وضعية هذه الشريحة على مستوى أكجوجت؟ وكيف تجري ؟ وكيف يتم التعامل معها مع الجهة الوصية؟ ولماذا لا يتم حل مشكلتها على غرار جرنالية الزويرات ؟ أما أنها استثناء من القاعدة ؟
MCM رب العمل الأول
إن المشغل الرئيسي، بلا منازع، في أكجوجت هو شركة MCM المعدنية، والتي تعلن أنها تشغل 1300 عاملا تشغيلا مباشرا، رغم أنها تجري نوعين من العقود مع عمالها، وهما:
1. عقود عمل خاصة بالأجانب وبعض الكوادر: هذه العقود يتم إبرامها مع الشركة الأم Frest Quantum، مباشرة، وهي عقود امتيازية؛
2. عقود عمل مباشرة مع MCM، وتضم حوالي 300 عاملا يتبعون لها مباشرة ويعرفون بفئة حرف L، والذين يتم اكتتابهم من داخل المجموعة التابعة لأحد المقاولين أي من مجموعة B، بعد انتقائهم على أساس اعتبارات شخصية. فعمال المقاولات هم المخزون الاستراتيجي لعمالة هذه الشركة، دون أن يكونوا ملزِمين لها.
وسواء كان عدد هؤلاء العمال 300 كما تقول التجمعات النقابية، أو 1300، كما تزعم هذه الشركة، فإن هذا لا يعني هؤلاء العمال يتمتعون بكل حقوقهم التي منحهم القانون إياها، بل إنهم يطالبون بكثير من الحقوق التي حرموا منهاحتى الآن، وتم الالتفاف عليها، بما فيها: توفير الصحة للعمال وأسرهم، والسكن اللائق، والعلاوات الواردة في المادة 40 من الاتفاقية الجماعية للشغل، والترقية، التي تتم حسب معيار الانتماءات الخاصة، والولاءات النقابية، وغيرها من المعايير غير العادلة، وعلاوة البعد، وغيرها من العلاوات التي قررها القانون لعمال القطاع المنجمي، دون غيره، والتي طالما طالبت بها هذه الشغيلة، بل وصل بها الحد إلى التلويح بالإضراب لتلبية هذه الحقوق.
أرباب العمال
نتيجة للعمالة التي يشغلها المقاولون الوسطاء داخل هذه الشركة، فإن العدد الحقيقي لعمال شركة MCM يبقى غير معروف بدقة، بل إن من بين هؤلاء العمال أجانب تم استقدامهم لمزاحمة اليد العاملة الموريتانية في أعمال جد بسيطة، بل إن من هؤلاء الأجانب من اكتسب خبراته عبر العمل في ورشات هذه الشركة. ونستطيع أن نذكر على سبيل المثال، لا الحصر، بعض هؤلاء المقاولين الوسطاء، مثل:
EDY مصدر العمالة الأجنبية
إن أكبر معانات لليد العاملة الوطنية في هذه الشركة ـ وخاصة في قطاع الهندسة المدنية ـ هي مزاحمة اليد العاملة الأجنبية المستوردة، عديمة الخبرة والرخيصة، خاصة من الجنسيات الأفريقية، التي يتم استجلابها من قبل شركة Etablissement Dieng et Yaré (EDY)، التي لا يوجد لها مقر في أكجوجت، والتي لايُسمع عن إعلان اكتتابها لأي عامل موريتاني، لكونها متخصصة في استجلاب اليد العاملة وإيوائها وتسهيل إقامتها بالطرق غير الشرعية، إذ يشترط، قانونا، في عمل هؤلاء الأجانب الحصول مسبقا على رخصة عمل، طبقا للمرسوم رقم: 092-74 بتاريخ 19 إبريل 1974. وهنا نورد حادثة دراماتيكية، جد مهمة، كانت كفيلة بفتح ملف الأجانب المستوردين بطرق غير شرعية، لو كانت هناك إرادة صادقة. إنها حادث وفاة المدعو: الشيخ التيجاني يوم Cheikh Tidiane Youm ، السنغالي الجنسية والبالغ من العمر 32 سنة، والذي توفي صباح يوم الخميس 03/09/2009 ، إثر حادث عمل، حيث كان يقوم بعملية لحم قطعة حديدية، ولعدم وجود مستشفى في المدينة، توفي إثر نزيف حاد في الدماغ، وتم نقله لدفنه في طوبى على نفقة مشغله الذي تم تغريمه بمبلغ 600.000 أوقية، وتم طي هذا الملف، لكن هذه الحادثة معرضة للتكرار من حين لآخر.
شركات المقاولة من الباطن مرتع الجرنالية
على رأس هذه الشركات الوسيطة تكتل المقاولين Groupement SMBTD/APRESCOGE، والذي يشغل الآن ضعف ما تشغله شركة MCM الأم، وينقسم هؤلاء العمال، حسب وضعيتهم إلى نوعين:
النوع الأول: عمال العقود المفتوحة
هذه الفئة من العمال التابعة مجموعة المقاولين ذوي العقود غير محددة المدة CDI، والمعروفين بفئة B، يتم اكتتابهم عادة بعدة أن يقضوا أكبر فترة ممكنة في خدمة هذا الوسيط دون أي عقد عمل، أو في أحسن الحالات، عبر عقد شهري أو لمدة ثلاثة أشهر يجري تمديده كل مرة، وفي حالات خاصة يتم اكتتاب بعض العمال مباشرة دون المرور بهذه العقود الشهرية أو الفصلية. هذه الفئة من العمال هي التي تمثل قاعدة هرم عمال شركة MCM، وهي في حدود 1000 عامل. ورغم وضعيتهم كعمال عقدويين، فهم جرنالية قياسا إلى زملائهم من فئة B، لذلك فهم يشكون من التمييز الصارخ بينهم وبين هؤلاء، وقد كان هذا السبب المباشر للإضراب الذي جرى الأسبوع الماضي، وبالتحديد يوم الثلاثاء 07/06/2011، والذي لم تتطرق إليه وسائل الإعلام ولا النقابات، وفي غياب المفتش الجهوي للشغل، الموجود في انواكشوط لمدة أسبوع، حيث رفضت مجموعة عمال قطاع الإنتاج التي تناهز 100 عامل توقيع هذا النوع من العقود، مطالبين بعقود مباشرة مع MCM دون وجود وسيط هو تكتل المقاولين Groupement SMBTD/APRESCOGE، وبعد الكثير من الوعد والوعيد والترغيب والترهيب، قام هؤلاء بالتوقيع على هذا النوع من العقود، تحت طائلة الاستعاضة عنهم بطابور من العمال الذين لم يحصلوا على أي عقد من أي نوع كان!
النوع الثاني: الجرنالية بالمعنى المكشوف
هنا بيت القصيد، ومربض الفرس، هذه الفئة تعمل لصالح شركة MCM، عبر تكتل المقاولين Groupement SMBTD/APRESCOGE، دون أي وثيقة تثبت هذا العمل، سوى كشف راتب شهري، يتم استلامه مع هذا المبلغ داخل هذه الشركة يداً بيد، وقد تستمر هذه الوضعية عدة سنوات.
أحدث نموذج لهذه الشريحة:
وآخر مثال على هذه الشريحة، وهو مجموعة، التقيناها، مكونة من 22 عاملا، تعمل في قطاع البناء Construction، قبل أن ينتقل بعض أفرادها إلى قطاع الهندسة المدنية Génie civil، بدون عقد عمل وبأجور زهيدة، ودون أية ضمانات صحية أو اجتماعية، إنهم، باختصار، نموذج من عمال “الجرنالية” في شركة معادن النحاس الموريتانية MCM.
في البداية طلبت منا هذه المجموعة، عدم الكشف عن هويتهم، معتبرين بما حدث لزميلهم، الذي تم طرده إثر إفصاحه لوسائل الإعلام، عن معاناته. أراد هؤلاء التحدث عن واقعهم المأساوي، وما عانوه من اضطهاد وظلم وتمييز، على يد من سموها “مافيا” الوسطاء والسماسرة من شركات ومقاولات من الباطن ومن الخارج.
لقد كان عددنا 22 عاملا، يقول المتحدث باسم المجموعة، في قطاع البناء، من مختلف التخصصات والمهارات، من بنائين ونجارين وسائقي آليات وعربات وغيرهم، وكانت أجورنا الشهرية تتراوح بين 45.000 إلى 75.000 أوقية، وكنا نستلم هذا الراتب في المصنع، بعد عدة أيام من التأخير، مباشرة من مشغلنا، مصحوبة بكشف الراتب، بينما كان زملاؤنا من العمال الرسميين، من فئتي: B و L يستلمون راتبهم من البنك، مما يمنحهم الكثير من الامتيازات التي حرمنا نحن منها.
وفي منتصف السنة الماضية قامت الإدارة بانتقاء 12 عاملا من هذه المجموعة لتحويلها إلى قطاع الهندسة المدنية، ليتم تقييم عملها بعد 9 أشهر من العمل في هذا القطاع الجديد، حيث يتوقع ترسيمها بعد ذلك. وكنا نعمل في إنشاء بناية بمركب النادي Club، لكننا اكتشفنا أن القصد من كل هذا هو البرهنة على إمكانياته وقدرات مشرفنا الجديد في إدارة العمال، لأنه هو من كان أمام اختبار بوصفه مكتتبا حديثا. وهكذا تم له ما أراد. وبعد العودة من هذه الرحلة، وأمام الكثير من الإلحاح والتذمر، وضعت الإدارة أمامنا مجموعة جديدة من العراقيل تمثلت في الاختبارات التالية:
1. إجراء الفحوص الطبية لمعرفة الكفاءة البدنية لهذه المجموعة؛
2. التدريب في مصلحة الوقاية من الأخطار المهنية Safety؛
3. المرور بالامتحان التقني النفسي Test Psychotechnique، وهو يشبه إلى حد كبير لعبة الأطفال بلاي استيشن Play Station، وليس لهذا الامتحان إلا معنى واحد وهو تصفية وغربلة العمال حسب معايير خاصة.
تم الإعلان، شفهيا عن هذه النتائج ليتم قبول 4 من أصل 8، بل إن أحد هؤلاء الأربعة تم استبداله بآخر، بعد إعلان النتائج وحصلوا على عقود عمل دائم، من فئة B، واستلموا رواتبهم من البنك، عن شهر إبريل، من المصرف، أما البقية المغضوب عليها، فلم تجد بدا من الاعتراض، والتلويح بالإضراب، في غياب تام لأي دور للمفتشية الجهوية للشغل أو السلطات المحلية، مما اضطرنا إلى اللجوء إلى النقابة، يقول الناطق باسم هذه المجموعة، علها تنصفنا من هذه العبودية المبطنة، وهذا الاستغلال البشع لعرق جبين العامل، بل وليته كان أي عامل إنهم عمال المناجم، الذين يتربص بهم الموت من كل مكان وما هم بأموات.
الشركة الموريتانية السويسرية للأمن MSS
لا تقل هذه الشركة أهمية عن سابقتيها، من حيث عدد عمالها، ووضعيتهم القانونية التي تمتاز بالكثير من الخروقات، والتي تخلط بين الحراسة والأمن، رغم أن لكل منهما قوانينه المنظمة له، كما أنها تختبئ خلف نصوص محددة لتحتكر المهام الأمنية على متقاعدي الجيش والشرطة، الشيء الذي سيحرم شريحة كبيرة من العمال من ولوج هذه الشركة، ويقلص من إمكانية مراقبة اكتتاب أفرادها، وتشغل هذه الشركة أكثر من 200 عامل، ما بين عنصر أمني وحارس، يعيشون ظروفا جد سيئة، تطبعها الكثير من الخروقات، وكثيرا ما عبروا عن ذلك، جهارا نهارا. كان آخرها الوقفة التي قام بها هؤلاء يوم الثلاثاء 07/06/2011، أمام مكاتب هذه الشركة التي تشغل الكثير من الجرنالية وعلى مدار 12 ساعة دون أن يتمتعوا بالحقوق التي يكفلها لهم القانون، ومن بينها الساعات الإضافية والضمان الاجتماعي والصحي والسكن وغيرها. ناهيك عن التعامل الشخصي الذي يطبع العلاقة بين رؤساء هؤلاء العمال ومرؤوسيهم، والذي كثيرا ما نجمت عنه بعض المشاجرات، كان آخر شجار وعراك بين عنصرين من هذه الشركة، نقل على إثره أحدهما إلى المستشفى وتم التحفظ على الثاني!
شركة نيورست موريتانيا Newrest Mauritanie sa
هذه الشركة فرع لشركة دولية، متخصصة في التموين بالأطعمة الجاهزة، وتتولى تموين العمال الأجانب من كوادر وأطر شركة MCM. وليست هذه الشركة بدعا ولا استثناء من سابقاتها، فالعمالة بدون عقود، وتناقض المبالغ المدفوعة مع تلك التي يستلمها هؤلاء العمال، وانعدام الرعاية الصحية والسكن ويحيط الكثير من الغموض بعمالة هذه الشركة، لكونها تعمل خلف أسوار نادي الكوادر Club، ولكن بعد الإضراب العام الذي نظمه عمال هذه الشركة والذي شل عمل هذا المرفق الذي تسند إليه مهمة إطعام كوادر هذه الشركة، والتي تناقلته وسائل الإعلام، والذي نجم عن اتفاق مكتوب، في غياب مفتش الشغل، تضمن أهم النقاط التي يطالب بها هؤلاء العمال.
متطوعات الصحة:
كان آخر الأصوات المطالبة بالحصول على حقوقها في الترسيم في العمل، بعد عدة سنوات من العمل التطوعي في ميدان الصحة العمومية، مجموعة من النساء مكونة من 23 امرأة أو أكثر، تم الاستغناء عن خدماتهن من طرف المركز الصحي، بعد أن أصبح عمال المستشفى الجهوي يتلقون تعويضات من طرف شركة MCM، التي وعدت بدمج هؤلاء النساء في العمل في هذا المستشفى الذي تم افتتاحه مؤخرا، ولكن بقي هذا الوعد، الذي أكدته السلطات المحلية، حبرا على ورق حتى الآن!
كانت هذه المحطات الكبرى للجرنالية، أما المقاولات الصغرى والظرفية التي تستخدم عمالة مؤقتة، مثل المقاولات التي تقوم بترميم مساكن العمال، وغيرها من المقاولات الصغيرة العاملة جهويا، فهي تكاد لا تذكر، قياسا إلى تلك المقاولات الكبيرة التي ذكرنا آنفا، وبعضها متخصص في مقاولة العمالة.
أكجوجت ـ (ونا) محمد عبد القادر