إني أشعر بالعار!!!
بسم الله الرحمن الرحيم
إني أشعر بالعار لأن عشرات الآلاف من التلاميذ في بلدي لم يتذوقوا طعم سمك بلادهم لأنهم يسكنون بعيدا عن المدن الموريتانية القليلة التي يتوفر فيها السمك، ومع ذلك فهم يفتخرون بأن شواطئ بلدهم تعد من أغنى شواطئ العالم بالسمك…
إني أشعر بالعار لأن الآلاف من التلاميذ الموريتانيين، الذين لم يتذوقوا طعم السمك وهم صغار، لن توفر لهم شواطئ بلدهم الغنية وظائف عندما يصبحون كبارا. وسيزداد الوضع سوءا، بالنسبة للصغار والكبار معا، مع تنفيذ بنود “الاتفاقية الكارثة” مع الشركة الصينية.
إني أشعر بالعار لأن قطاع الصيد في المغرب ـ ونحن نحب المقارنة بالدول المجاورة ـ يشغل مليون عامل، وفي السنغال ستمائة ألف عامل، وفي موريتانيا ـ وهي الأكثر سمكا ـ لا يشغل هذا القطاع، إلا ستين ألف عامل، هذا إذا ما اعتمدنا على أعلى التقديرات المعلنة…
إني أشعر بالعار لأن حكومة بلادي ـ في ظل هذه الوضعية المزرية ـ وقعت على اتفاقية صيد مع شركة صينية معروفة بتجارة الأسلحة أكثر من تجارة السمك…
إني أشعر بالعار لأن حكومة بلادي وقعت على اتفاقية يمتد عمرها 25 سنة مع شركة يثار حولها الكثير من الجدل، ولا وجود لها حتى في العالم الافتراضي، ولا تملك موقعا الكترونيا خاصا بها، في عصر أصبح متاحا فيه للبائع في دكاكين التضامن أن يؤسس موقعا الكترونيا لدكانه.
إني أشعر بالعار لأن وزيرا في حكومة بلادي وصف “الاتفاقية الكارثة” بأنها “اتفاقية تاريخية” ستشكل ثورة في مجال التنمية.
إني أشعر بالعار لأن وزير الصيد لم ينطق بكلمة واحدة أثناء نقاش “الاتفاقية الكارثة”، وكأنه ليس وزيرا للصيد، أو كأن الاتفاقية ليست في مجال الصيد، وإنما في مجال توريد الأسلحة والذي هو التخصص العلني لهذه الشركة.
إني أشعر بالعار لأن حكومة بلدي ستضحي بأربعين ألف وظيفة في الصيد التقليدي، من أجل توفير ألفين وخمسمائة وظيفة تعهدت بها الشركة الصينية، واشترطت لمنحها الكثير من الشروط…
إني أشعر بالعار لأن حكومة بلادي ستسمح للصينيين بممارسة أنماط من الصيد يحرمها الصينيون في بلدهم، وتحرمها أغلب بلدان العالم، ومع ذلك نشرعها نحن للصينيين في “الاتفاقية الكارثة”، عفوا “الاتفاقية التاريخية”.
إني أشعر بالعار لأن شعب بلادي المسكين والذي سيكون أول متضرر من هذه “الاتفاقية الكارثة”، هو الذي انتخب نواب الأغلبية الذين صوتوا عليها، وهو الذي قد ينتخبهم أو ينتخب نوابا من طينتهم في البرلمان القادم…
إني أشعر بالعار لأن نواب الأغلبية لم يستغلوا الفرصة الثمينة التي أتيحت لهم، ولم يصوتوا ضد “الاتفاقية الكارثة”، لكي يختموا مأموريتهم في البرلمان بعمل صالح يكفرون به عن “كبائرهم” الكثيرة التي ارتكبوها خلال السنوات الخمس الماضية…
إني أشعر بالعار لأن أغلبية الأغلبية البرلمانية لازالت عاجزة أن تتخيل بأنها منتخبة من طرف الشعب، ولازالت تقلل من شأنها، وتعتقد بأنها مجرد مجموعة من الموظفين الصغار لدى الحكومة وأن عليها أن تصفق، وبابتذال، للحكومة…
إني أشعر بالعار لأن هناك نائبا في بلدي لا يقلقه في هذه الدنيا إلا أن تهاجر أسماكنا إلى بحار ومحيطات جمهورية مالي…
إني أشعر بالعار لأننا لم نتعلم من اتفاقية “وود سايد” ولا زلنا نسمح بملحقات، ونوقع على اتفاقيات لها ملحقات لا نعلم ما فيها.
إني أشعر بالعار لأنه لن يكون بإمكاننا طيلة ربع قرن كامل أن نتخذ قرارا سياديا فيما يتعلق بثروتنا البحرية…
إني أشعر بالعار لأننا ـ بعد انقلابين و انتخابات رئاسية نظمت مرتين ـ وقعنا على اتفاقية رفض الرئيس الأسبق “معاوية” ولأسباب سيادية التوقيع على اتفاقية أقل ضررا منها وأعظم فائدة. وهي اتفاقية كنا سنحصل بموجبها ـ وهذا ليس مجرد كلام ـ على المليارات دون إهدار أي ثروة. لقد رفض “معاوية” مشروع اتفاقية مع اليابان تحصل الحكومة الموريتانية بموجبه على المليارات مقابل التنازل عن قطعة أرضية لليابانيين ـ قد تكون أقل مساحة من القطعة المتنازل عنها للصينيين ـ لكي يشيدوا عليها مدينة لعجائزهم الذين ضاقت عليهم ـ أو بهم ـ الأراضي اليابانية…
إني أشعر بالعار لأن هذه الاتفاقية ستوقع في نسختين أصليتين باللغة الفرنسية لهما نفس الحجية القانونية، فلا نسخة بالعربية التي يقال زورا أنها هي لغتنا الرسمية، ولا نسخة باللغة الصينية التي هي لغتهم…
إني أشعر بالعار لأن هذه الاتفاقية ستسمح للصينيين باستيراد كل شيء من خارج البلد، ولا تلزمهم بشراء أي شيء من السوق المحلية. و سيعفى من الرسوم الجمركية ـ بموجب هذه الاتفاقية ـ كلما يستورده الصينيون من آلات وسيارات وطعام وشراب في الوقت الذي بلغت فيه الرسوم الجمركية نسبا عالية على أطعمتنا التي نقتات عليها، والتي قد يختفي منها السمك نظرا لأن الشركة الصينية سيسمح لها بشراء السمك من الشواطئ الموريتانية بحجة تصنيعه….
إني أشعر بالعار لأني أعلم يقينا بأن الصينيين والذين هربوا أسطولا من السفن في الليلة التي كان من المفترض أن يسلموه في صباحها للحكومة الموريتانية، لن يتورعوا عن تجاوز بنود هذه الاتفاقية المجحفة أصلا، ولن يجدوا في إدارتنا ـ للأسف الشديد ـ من يحول بينهم وبين تلك التجاوزات…
إني أشعر بالعار لأني أعلم بأن الصينيين ـ والذين منحت لهم هذه الاتفاقية امتيازات واسعة ـ سيطردون في وقت وجيز أغلب المستثمرين الوطنيين من قطاع الصيد، وبسرعة أكبر من السرعة التي طردوا بها المقاولين المحليين من قطاع البناء، والذين طردوهم ـ بسرعة لافتة ـ رغم أنهم لم يُمنحوا امتيازات في قطاع البناء تميزهم عن غيرهم.
إني أشعر بالعار لأن هناك أطفالا ولدوا مع ميلاد هذه “الاتفاقية الكارثة”، عفوا “التاريخية”،
سيبدؤون التعلم في المدارس والاتفاقية لا زالت سارية، وسيتخرجون وهي لا زالت سارية، وقد لا يجدون وظائف نتيجة للآثار السلبية التي ستخلفها هذه “الاتفاقية الكارثة”…
إني أشعر بالعار لأن من بين أولئك الأطفال من سيلعن الحكومة الموريتانية، ويلعن البرلمان الموريتاني الذي صادق على الاتفاقية، ويلعننا نحن عامة الناس، لأننا لم نفعل شيئا من أجل إلغائها.
إني أشعر بالعار لأن هذه الاتفاقية لم تلتزم ـ في سابقة من نوعها ـ باحترام القوانين المنظمة للصيد في موريتانيا..
إني أشعر بالعار لأنه في الوقت الذي تُغْلق فيه مصانع دقيق السمك في العالم، فإن هذه الاتفاقية ستسمح للصينيين بإنشاء مصانع لدقيق السمك، دون قيود بيئية، ودون إلزامهم باستخدام بقايا الأسماك، وهو ما يعني أن كل طن من دقيق السمك سيكلف أربعة أطنان من السمك الطازج، وهو ما سيشكل نهبا خطيرا لثروتنا السمكية…
إني أشعر بالعار لأنه في الوقت الذي تتراجع فيه الرخص الممنوحة لصيد الأعماق لحماية ما تبقى من ثروتنا السمكية، ستمنح لشركة صينية مجهولة 15 رخصة للصيد في الأعماق…
إني أشعر بالعار لأني لم أفعل شيئا في سبيل إيقاف تبديد ثروة بلدي، وأشعر بالعار لأني لا زلت أكتفي بالتفرج وكأن الثروة المهددة ليست ثروتي، وليس لي فيها نصيب يجب علي أن أحميه، وأن أدافع عنه بكل السبل والوسائل المتاحة…
تصبحون ونواب أغلبيتكم يسبحون في بحار جمهورية مالي الشقيقة…
محمد الأمين ولد الفاظل
رئيس مركز ” الخطوة الأولى” للتنمية الذاتية
هاتف 46821727
elvadel@gmail.com
www.elvadel.blogspot.com