النظام العسكري يتجه لخديعة المعارضة مرة أخرى
حيانا يبقى الدرس عصيا على الفهم رغم بساطته. وأحيانا نجد قصة تعلمناها في الصبا تحمل حكمة بسيطة ولكنها في غاية الأهمية وإذا بالبعض يعمل عكس مقتضاها تماما. أما الدرس فهو الخديعة العظيمة التي تعرضت لها المعارضة الموريتانية على يد الانقلابيين في ما بات يعرف باتفاق دكار حين قبلوا بالدخول في انتخابات في يوليو 2008 نتيجتها محسومة سلفا لصالح من ظل يستخدم جميع موارد الدولة وإداراتها عاما كاملا إلا قليلا. وهكذا شرعوا انقلابا ضاقت على أصحابه الأرض بما رحبت وباتوا مهددين حتى في مضاجعهم.
وأما القصة فهي حين تقمص الثلعب ثوب الواعظين ليخادع الطير ليفترسها ولكنها كانت أذكى منه وخلدت حكمتها في بيت من الشعر يحفظه كل عربي قدر له أن تطأ قدماه يوما ما مدرسة حين قالت “مخطئ من ظن يوما === أن للثعلب دينا”.
إنها حكمة كان ينبغي للمعارضة الموريتانية أن تتشبث بها أيام اتفاق دكار ولو فعلت لما كان الحال على ما هو عليه اليوم ولما كان الشعب الموريتاني يرزح تحت نير الطغيان واستعباد الإنسان لأخيه الإنسان.
واليوم وبعد كل ما جرى يبدو أن المعارضة مصرة على عدم فهم الدرس مع بساطته ومصرة على العمل بعيدا عن حكمة تكررت أمامها.
اليوم يحاول النظام العسكري جرها إلى حوار تريده ليكون مخرجا للأزمة ويريده هو ليكون طوقا جديدا للنجاة بعد أن باتت أعماله السيئة تحاصره من كل مكان.
إن النظام العسكري بقيادة الجنرال محمد ولد عبد العزيز لا يستمد شرعيته من الشعب ولا من أغلبية تؤيده ولا من معارضة تعارضه فيتحاور معها. إنه يستمد شرعيته من البندقية والدبابة ومن بعض التجار النافذين المقربين منه. فبالأولى يخوف وبالثانية يرغب. إن الشعب بأكمله لا يهمه أحرى أن تهمه موالاة هؤلاء أو معارضة أولئك.
إن ما يهم النظام العسكري هو أن يبقى الغرب حليفا له حتى لا بفقد شرعيته عندهم فهم من وضعوه هناك ويمكن أن يذهبوا به متى شاؤوا. إذن فهو يقدم لهم كل التنازلات المطلوبة حتى ولو كان الثمن غاليا من دماء أبناء جيشنا المغلوب على أمره والمختطف هو الآخر كباقي فئات الشعب ومؤسساته. والغرب هنا يحتاج إلى أنظمة ثابتة ويكره الاضطرابات. لا يهمه إن كان النظام عسكريا دكتاتوريا أو كان بوليسيا أمنيا.
وتبعا لذلك فإن النظام العسكري بحاجة إلى أن يقدم لحلفائه دليلا على الاستقرار وخير ما يقدمه هو حوار مع معارضيه والاتفاق معهم وعندما يحصل على الضمان الكافي ليبقى جاثما على الصدور ويحصل أيضا على الدعم المادي لتسيير شؤونه، حينها سيدير ظهره لكل ما اتفق عليه وله في ذلك ألف حيلة وحيلة.
فهل ستقبل المعارضة هذه المرة بالخديعة أم أنها ستفهم الدرس وستعي الحكمة ولو بعد حين؟
أما إذا اختارت الحوار من دون تلبية شروطها ووضع ضمانات مسبقة لا غبار عليها لتنفيذ ما يتفق عليه، فإن الشباب الموريتاني سيفاجئها كما سيفاجئ النظام العسكري قريبا إن شاء الله بعد أن فهم الدرس ووعى الحكمة وسيتساءل قبل ذلك: بأيهما تعظم بلوى الشعب الموريتاني أكثر:
1- بمعارضة تقدم طوق النجاة كلما ضاق الخناق على الأنظمة العسكرية الدكتاتورية الفاشلة التي أخرت موريتانيا عشرات السنين عن شعوب المنطقة،
2- أم بتلك الأنظمة العسكرية نفسها؟
مصطفى أعبيد الرحمن – قيادي في تنظيم “من أجل موريتانيا” – ألمانيا