موريتانيا : ذاكرة ما بعد “الأزمة” تحتوي شطحات المعارضة!
- إن من بين الأدوار التقليدية للمعارضة في الأنظمة الديموقراطية أن تجعل من جميع نشاطاتها عملية “حوارية”، بحكم مواجهتها لمشروع الأغلبية في البرلمان والمجالس البلدية وهيئات الرقابة ومنظمات المجتمع المدني، والصحافة.. لذا لا يمكن استبدال الحوار كعملية سياسية
- “بالحوار”
- كطلب سياسي ملح إلا في حالة تعطل المؤسسات الديموقراطية!
- مع دخول عملية “الحوار” حديث الساعة، تحت طائلة محاولة التعجيز المشوب بجهل لحيثيات النظام الدستوري الموريتاني من جهة، وتواضع التجارب السياسية للجماعات من جهة أخرى.
- تحفظ تجربتنا السياسية، منذ العودة للحياة الدستورية (2009) مبادرات رمزية تليق وطموح ديمقراطيتنا باتزان سلطها وقوة وهيبة مؤسساتها:
- كان اعتبار رئيس الجمهورية لنفسه، فور إعلان فوزه من طرف مصالح وزارة الداخلية، “رئيسا لكل الموريتانيين” بمثابة إزاحة عبء تراكمات الاحتقان السياسي التي عقبت أزمة المؤسسات، كذلك الحرص على عدم المساس “بامتيازات ” سياسية وإدارية لشخصيات مقربة من المعارضة، على حساب الكفاءة والرزانة في الكثير من الأحيان، حفاظا على الروح التوافقية التي يستدعيها هدوء المشهد السياسي، و التسريع بدفع الأموال العمومية المخصصة لتمويل الأحزاب السياسية، والحرص على استيفاء أحزاب المعارضة وهيئتها مستحقاتها غير منقوصة، رغم عدم استفادة الحزب الحاكم من التمويلات المذكورة.. التوجه بالطلب إلى المعارضة للمشاركة في كبريات الورشات واللقاءات التشاورية، دون الاستجابة: تقييم خمسين عاما من الحكامة، اعتماد استراتيجية وطنية شاملة لمحاربة الغلو والتطرف، تنفيذ مشروع السور الأخضر العملاق لحماية مدينة نواكشوط من زحف البحر، المشاركة في طاولة بروكسيل المستديرة مع الممولين، المشاركة في تحضير خمسينية الاستقلال.. التدخلات المتعددة لرئيس الجمهورية التي دعا خلالها أطراف الطيف السياسي باعتماد الحوار منهجا وأسلوبا في التعامل مع كبريات قضايا الشأن العام، حيث تتجاوب أحزاب الأغلبية وتتقاعس المعارضة مختبئة خلف “سوء نية” النظام الذي لم تجرب ولا لحظة واحدة التعامل معه لحد الساعة.
- رغم “الاحتقان” الذي اصطنعت جله “صحافة” ما بين الحزبية والفاقدة “للامتيازات” بعد محاولات السلطة العليا للصحافة والمنظمات المهنية تطهير الحقل الإعلامي، رغم ذلك لم يفقد النظام أعصابه ولا لحظة واحدة، واستمر في ضمان الاستفادة المطلقة من مختلف الحريات الفردية والجماعية.
- الآن ونحن نعيش “تهافت” المعارضة البرلمانية، ومعارضة ما بعد الرئاسيات على المشاركة في الانتخابات، أبدى النظام على أعلى مستوى استعداده لمواكبة ذلك “النهم” عبر إطار سياسي يسع ويقنع الجميع، حتى نتمكن من تجديد المؤسسات تفاديا للجوء إلى عملية تمديد “شرعية” تنتهي مع نهاية مأموريات النواب والشيوخ والعمد.
- من الناحية المنهجية، بعض المآخذ على الأسلوب المنتهج تفرض نفسها، حتى لا تخرج عملية “الحوار” عن إطار الامتهان الديموقراطي للدولة والمجتمع:
- *فغالبية قادة المعارضة، لجأوا للتصريحات الجارحة من شخص رئيس الجمهورية، والمشككة في العملية، كل ما خرجوا من جلسة “حوار”؛
- *بعض قادة المعارضة لجأ خلال أجواء “الحوار” إلى دعوات مناضلي حزبه للنزول إلى الشارع وإثارة الشغب والفوضى؛
- *المعارضة تصر على إدماج عملية فتح وسائل الإعلام العمومية، بصفة مغالطة في شروطها، حيث يعرف رؤساء ونواب الأحزاب المعنية، أن وسائل الإعلام العمومية بعد التصويت على القانون الذي يقر فتحها أمام مختلف الشركاء السياسيين والاجتماعيين بصفة نهائية ومطلقة، تم تشكيل لجنة فنية لتغيير الوضعية القانونية لوسائل الإعلام العمومية، وبالتالي فإن أي محاولة ل”قطع” عملية التحول هذه التي يعيشها المشهد الإعلامي العمومي تعتبر نوعا من تعطيل الحريات والعودة بالإعلام الرسمي إلى المربع الأول.. في انتظار ذلك تتولى السلطة العليا للصحافة مسألة تنظيم وتقنين الاستفادة من وسائل الإعلام العمومية في الفترات الانتخابية، أما غير هذا فلا يليق بمن يدعي أنه يحمل مشروع مجتمع لموريتانيا!
- *يبدوا أن أحزاب المعارضة تريد معاقبة “شباب 25 فبراير” الذي دخل في حوار مسؤول مع السلطات، بتنازلها الصبياني عن المطلب المتعلق “بقمع المظاهرات”!
- * بالنسبة لقادة المعارضة “المتعالين” عن تسليم ردهم للوزير الأول، ليعلموا فقط أن التطبيق الوثني للأعراف الديموقراطية يجعل شريكهم المباشر كاتب الدولة للحالة المدنية وليس الوزير الأول.
- إن ما غاب عن خطابات المعارضة وتحاليل الصحف هو “هرم” الطبقة السياسية بدرجة لم تعد قادرة على ضمان حد أدنى من التناسق في الأفكار والالتزامات، مما يجعلها مجرد “مشاريع” شخصية تتناول الشأن العام حسب النزوات والأغراض وفي أحايين كثيرة الأطماع.. في انتظار أن تعي المعارضة حتمية “تحركها” لتلحق بالركب، ينبغي للأغلبية أن تقتدي برئيس الجمهورية من خلال تبني ناشطي الحقلين الاجتماعي والسياسي، الذين ليسا إلا تعبيرا محبطا عن ضرورة “تجديد ” الطبقة السياسية على مستوى المعارضة.
- إن الطبقة السياسية أمام تحدي مصيري يتمثل في تطويع أجواء انتظام المؤسسات إلى هدوء سياسي يرافق عملية التنمية التي عبر المواطن الموريتاني في أكثر من مرة عن تعلقه وتمسكه باستمراريتها، وإلا فليمتهنو غير السياسة.
- سيدي عالي ولد محمد محمود