عزيزي أوباما, الشبشب في انتظارك
في الأيام الأخيرة من الفترة الرئاسية الثانية للرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش, أي جورج بوش الابن, وقبل مغادرته للبيت الأبيض بأيام قليلة, كان بوش الصغير على موعد مع الذل والإهانة والاستحقار.
في تلك اللحظات التاريخية, انبهر العالم أجمع واندهش وهو يشاهد بوش الصغير وهو يطأطئ رأسه وينحني, خوفاً وهروباً من الحذاء الطائر.
في العاصمة العراقية بغداد, وتحديداً داخل قاعة المؤتمرات التي احتضنت المؤتمر الصحفي الذي جمع بوش ونوري المالكي, وتحديداً أكثر, على أحد المقاعد المخصصة للصحافيين, كان يجلس صحافي عراقي متواضع وبسيط ومغمور اسمه منتظر الزيدي.
دقائق وثوان معدودة, هي تلك التي فصلت بين منتظر الزيدي المغمور والمتواضع, ومنتظر الزيدي المشهور والمعروف عالمياً.
نهض منتظر الزيدي واقفاُ على قدميه, وقذف بوش الصغير بحذائه, قذفه الزيدي مرتين, في كل مرة كان يقذفه بفردة حذاء وكان يصيح بصوت مجروح مثخن بالألم والقروح.
الزيدي وقتها لم يقذف بوش من أجل الشهرة أو الظهور, بل في كل مرة كان يقذف فيها بالحذاء, كان يستحضر في ذهنه شهداء العراق المنكوب, ومشاهد الأطفال الصرعى, وصور الأمهات الثكلى والجثث المقطعة, والفتيات اللاتي لوثهن الجنود الأمريكان واستباحوا حرمتهن.
لم يظهر الزيدي كأنه يقذف حذاء فحسب, بل بدا كأنه يقذف حمم, حمم غيظ وغضب وانتقام.
تحول منتظر الزيدي إلى بطل قومي, يشير إليه العراقيين والعرب بالبنان, وتحول بين عشية وضحاها إلى رمز للكرامة العربية والشرف, فدخل التاريخ في وقت قياسي جداً, لم يسبقه بمثله أحد.
ذلك الحذاء العراقي المغبر, والمنتمي كلياً للعالم الثالث, كان جزاء بوش الصغير, وكان العقاب الذي استحقه لما اقترفته يداه من جرائم في حق الإنسانية. جاء ذلك الحذاء سوء خاتمة لحياة بوش السياسية, وجاء تكريماً له بعد أن قضى ثماني سنوات في نشر الشر, وخراب ودمار العالم.
****
عندما جاء أوباما إلى البيت الأبيض, أو حتى منذ ترويجه لبرنامجه الانتخابي ” التغيير”, خدع الكثيرون من الناس بهذا البرنامج البراق والرنان, كما وخدعوا في أوباما نفسه.
تفاءلت شعوب العالم أجمع وبما فيها الشعوب الإسلامية والعربية بقدوم أوباما, اعتقاداً منهم بأنه سوف يكون أفضل من سلفه بوش الصغير, بل وأفرط الكثيرون في آمالهم وتوقعاتهم, فتنبئوا بأن يكون أوباما هو الرئيس الأفضل على الإطلاق في تاريخ الولايات المتحدة.
تفاءل سكان كوكبنا الأزرق الجميل وبما فيهم الأمريكيين, وتضامنوا مع أوباما نظراً لكونه أسود, وأصر الكثيرون على انتخابه وتأييده بغض النظر عن سياسته وبرامجه, دعماً لمكانة الزنوج في الولايات المتحدة والعالم أجمع, ودحضاً لأفكار ومسلكيات التعصب الإثني والتفرقة العنصرية, وتعزيزاً وتأييداً لمبادئ العدالة والديمقراطية.
لكن للأسف الشديد, قام أوباما بخداع العالم أجمع, وذلك من خلال سلوكه الخبيث والمخادع.
بدا ظاهراً للجميع أن برنامج التغيير الرومانسي الذي طرحه ووعد بتنفيذه أوباما, ما كان إلا وسيلة احتيال الهدف منها جلب التعاطف والأصوات الانتخابية, مستغلاً في ذلك بشرته السوداء كعامل مكمل في عملية النصب والاحتيال تلك.
أوباما المخادع لم يجعل أمريكا كما وعد بأن تكون خلال برنامجه الانتخابي, ولم يسحب قواته من أفغانستان والعراق ولن يسحبها, ولم يوجد تسوية عادلة للقضية الفلسطينية ولم يفعل شيء ايجابي وفعال من أجل دولتهم الموعودة, كما ولم يكبح جماح قواته عن استباحة دماء الليبيين.
تحدث أوباما كثيراً ووعد بالكثير, لكننا لحد اللحظة وقد شارف أوباما على دخول عامه الرابع في سدة الحكم لم نرى شيئاً عملياً على الأرض, فخطاباته الرنانة ووعوده ما كانت ولن تكون إلا خداع ومحض أكاذيب.
هذا ما جعل أوباما يفتقد للمصداقية, ويفتقد للشعبية التي اكتسبها قبيل الانتخابات. باعتقادي أن أوباما يعاني من أنيميا حادة, لا أقصد الأنيميا المتعارف عليها طبياً, وإنما أنيميا المروءة والأخلاق.
باعتقادي أن أوباما لم يكن في أي من الأحوال أفضل من سلفه بوش, بل ربما كان أسوأ منه, فبوش كان انفعالياً وصريحاً وتلقائياً أكثر من اللازم, أما أوباما فهو غامض ومخادع وماكر في الوقت نفسه.
أوباما المخادع خذل شعبه وخذل الكثير من شعوب العالم. أوباما الغامض غش الفلسطينيين وكذب عليهم, وأجج نار الفتنة في الشرق الأوسط مستغلاً ما يعرف بالربيع العربي, وأراق دماء الليبيين العزل الأبرياء من أجل البترول ليس إلا.
ذلك الوغد أوباما, كان وصمة عار على جبين السلالة الزنجية, تلك السلالة الكريمة التي أنجبت المناضلين الأمميين مارتن لوثر كنج ونلسون مانديلا وغيرهما.
لقد كان حري بهكذا رئيس, ورئيس بهكذا مواصفات, أن ينصف الخلق ولا يظلمهم, خصوصاً وأن أجداده الزنوج جاءوا إلى أمريكا عبيد, وقد جربوا ظلم وتلسط واستبداد السيد الأوروبي الأبيض.
عزيزي الرئيس أوباما, فترتك الرئاسية الأولى قريباً ستشارف على الانتهاء, لذا أنصحك بالحذر, خصوصاً في جولاتك الخارجية, وتحديداً الشرق أوسطية, فمصير سلفك بوش في انتظارك, أقصد أن الشبشب في انتظارك.
الكاتب: محمد جهاد إسماعيل.
Abujihad_thinker@hotmail.com