ويكيلكس : إقرأ كتابك بقلم السفير الامركي في نواكشوط
تشير الوثائق التي نشرها موقع وكليكس إلي أن السفير الأمريكي في نواكشوط – وعلي غرار نظرائه من السفراء الامركيين في مختلف دول العالم – كان يتتبع عن كثب كل شاردة وواردة وكل صغيرة و كبيرة في بلادنا حيث أظهرت الوثائق انه كان مطلعا على كل التفاصيل المتعلقة بمختلف التحولات التي مرت بها موريتانيا، ومع أن تلك التحولات تختلف من حيث الأهمية والتأثير على مصير البلد والمحيط الإقليمي. وهي مسجلة ومحفوظة كما أشارت تسريبات سابقة، إلا أننا سنضرب صفحا عن تلك الأحداث، ونكتفي بتسليط الضوء على فترة الثلاثة أشهر التي تلت انتخاب محمد ولد عبد العزيز رئيسا للجمهورية حيث يعتقد السفير الأمريكي في نواكشوط بول وار آنذاك انه استطاع تقديم تقييم ذاتيا لتلك الفترة حيث حدد مال ولد عبد العزيز وما عليه، معتمدا علي شبكة من العمال أو العملاء التابعين له وعلى وجهة نظره الخاصة، حسب آخر تسريبات موقع وكليكس بتاريخ 30 أغسطس 2011 ، واستحقت عن جدارة أن تطلق عليها العبارة المأثورة “أرشيفهم وتاريخنا”.
استهل السفير الأمريكي بول وار الوثيقة المؤمنة التي اعتقد ربما أن قراءتها
هي من نصيب صانع السياسة الأمريكية فقط بالقول أن عزيز استطاع بعد ثلاثة أشهر
أن يغير آراء بعض المنتقدين لنظامه خصوصا فيما يتعلق بقضايا الأمن والإرهاب
ومحاربة الفساد وفي مجال الغوث الإنسان والحالات الإنسانية الطارئة، كما اعتمد سياسة خارجية نشطة حققت نتائج جيدة بنسبة لموريتانيا مع مبادرات مريبة من وجهة نظر الأمريكية (العلاقات مع إسرائيل)، وقبل أن يدخل السفير الأمريكي في التفاصيل يقول حرفيا “رغم قبول المجتمع الدولي بنتائج الانتخابات
فان هناك تحفظا بقي ماثلا وهو أن عزيز قائد الانقلاب، وكان يهيمن على السلطة أثناء الحملة الانتخابية”، ويسترسل بول وار قائلا “هذا التقييم لأداء حكومة عبد العزيز ذاتي وهو للأشهر الثلاثة الأولي بعد الانتخابات
ويبحث في المجالات السبع التالية من حيث النجاحات والإخفاقات. وهي الأمن، و محاربة الإرهاب، الحكم الرشيد، حرية الصحافة، حقوق الإنسان، شؤون الخارجة، الرأي العام.”
1-الأمن ومحاربة الإرهاب
- أ- النجاحات
حسب الوثيقة المؤمنة التي بعث بها السفير الأمريكي إلى حكومته، فان عزيز- واستنادا إلى خبرته وتجربته الطويلة في مجال تسيير الشؤون الأمنية – فانه لم يظهر أي ضعف، وبرهن على أنه صاحب السلطة والقرار، وقد أظهر الموريتانيون كفاءة عالية في التعامل مع مخططات تنظيم القاعدة، وصد هجماته، وإحباط أخرى كانت مقررة على الرغم من الهجوم الفاشل على السفارة الفرنسية في الثامن من أغسطس 2009.
وتذكر الوثيقة أن الموريتانيين سعوا للتنسيق مع مالي والجزائر والنيجر لمحاربة القاعدة، كما أنهم عمقوا وعززوا التعاون الأمني مع فرنسا، وعملوا على تنشيط التعاون العسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية، رغم بعض التردد الناجم عن الشكوك الأمريكية بعد الانقلاب، وربما نجمت عن النفوذ الفرنسي المناهض للولايات المتحدة الأمريكية. كما واجه الموريتانيون التشدد الداخلي الذي يهدد المجتمع. وتضيف الوثيقة أن قوى الأمن الموريتانية أظهرت كفاءة ومهنية عالية في التحقيق حول مقتل مواطن أمريكي بتاريخ 23 يونيو في العاصمة نواكشوط.
- ب-الإخفاقات
أشار السفير الأمريكي إلى أن ازدياد دوريات التفتيش والمتاريس فتحت الباب لتضاعف
عمليات الرشوة، خصوصا الصغيرة منها، كما وجدت العديد من المضايقات طالت كل من
البيظان السود والأفارقة الأجانب رغم أن ملامحهم لا تمت بصلة إلى ملامح أعضاء التنظيمات المراد ملاحقتها، وقد طالت المضايقات أيضا النساء اللاتي لا يلتزمن بالزى الإسلامي المتشدد.
وتذكر الوثيقة أن إعادة انتشار قوات الأمن انعكس سلبا على الجريمة التي تزايدت بشكل مطرد في الأحياء الفقيرة وهنا يشير السفير الأمريكي، إلى مصدر المعلومة بقوله حرفيا حسب عمالنا المحليين ،كما لفت الانتباه إلى أن موريتانيا لا تملك إستراتجية لمحاربة المخدرات .
2- الحكم الرشيد
أطلق ولد عبد العزيز كما تذكر الوثيقة المسربة حملة شعوبية استهدفت إحداث قطيعة حقيقية مع الفساد السياسي، ومع أن الحملة كانت محل تشكيك من رموز الأنظمة السابقة، إلا أنها حظيت بثقة المؤسسات الدولية المانحة.
ويعد القرار الذي اتخذه عزيز بتوقيف رئيس مشروع مكافحة السيدا وبعض مساعديه، قرارا لافتا ومؤثرا حيث يعد الرجل من المقربين لعزيز ورئيس الوزراء وأخ لوزير الصحة آنذاك. وقد جاء القرار بعد أن اظهر التفتيش اختفاء مبالغ تقدر بالملايين ربطها التفتيش بعملية احتيال واختلاس، كما كان للحد من استخدام السيارات لحكومية للإغراض الخاصة، وإقالة واليين بسب بيع أراض عامة اثر ايجابي، وفي هذا الإطار أجبرت الحكومة بعض مديري الشركات العامة على دفع المبالغ التي اختفت في ظل إدارتهم لتلك المؤسسات، وهنا يستطرد السفير الأمريكي قائلا كنا نخشى أن يستخدم عزيز حملة محاربة الفساد لضرب خصومه السياسيين، لكن لا ليل يشير إلى ذالك في معظم القضايا،
وقد شجعت هذه الإجراءات المانحين الدوليين عل تغيير نظرتهم إلى موريتانيا.
- ب- الإخفاقات
يعتقد السفير الأميركي أن أداء الحكومة كان ضعيفا في الأشهر الثلاثة الأولى من حكم عزيز،ومرد ذلك حسب الوثيقة
إلى أن وزراء الحكومة لا يملكون الخبرة أو الكفاءات المطلوبة، أو ليست لديهم الصلاحيات اللازمة لتنفيذ السياسات.
ويشير السفير إلى أن عزيز اشتهر بتسيير الجزئيات، وتضيف الوثيقة أن تمرير بعض النقاط والمشاريع المهمة يتطلب اطلاع وموافقة الرئيس شخصيا. ويضيف بول وار أن ولد عبد العزيز قد سد الباب أمام النقاشات المفتوح في اجتماعات الديوان، كما انه لا يقبل الخلافات داخل مجلس الوزراء. وتضيف الوثائق أن اتخاذ القرارات في الحكومة لا يزال يتسم بالغموض وعدم الشفافية.
3- الحريات العامة
- ا- النجاحات
يقول بول وار حرفيا إن عزيز يجني ثمار أعمال لم يقم بها، حيث انه تجنب الحملات التي أنذر مناوئوه
من انه سيقوم بها، كمصادرة الصحف والتضييق عليها، ومنع الأحزاب السياسية من العمل، بل انه قرب احد أعضاء جبهة المعارضة وهو حزب التواصل الإسلامي، الذي يشارك مع عزيز الآن في حملة مشتركة لمجلس الشيوخ. كما لم يقم ولد عبد العزيز بحل الجمعية الوطنية. ومع انه يتمتع فيها بالأغلبية إلا أن رئيسها يعتبر من أبرز المناوئين لعزيز، وهو المعارض البارز مسعود ولد بلخير. وفي إطار التطمينات أعلنت الحكومة أنها مستعدة لتمرير قانون تحرير السمعيات البصرية الذي صودق عليه قبل الانقلاب ويسمح بوجود إذاعات وتلفزيونات حرة.
- ب-الإخفاقات
حسب تقرير 2009 فان موريتانيا تراجعت قي الترتيب العالمي في مجال الحريات، ويعلق بول وار قائلا إن تقرير يعكس وضعية موريتانيا بعد الانقلاب حيث لا تزال صورتها متضررة, ويضيف السفير الأمريكي أن عزيز لم يقم بمبادرة جادة من اجل الحوار الذي دعي إليه اتفاق دكار، كما نحا السفير بلائمة أيضا على المعارضة التي اتهمها بارتكاب أخطاء فادحة إذ لم تقم بأي خطوة لتشجيع الحوار الوطني. كما يعد استجواب وإيقاف الصحفي الناشر في صحيفة التقدمي بسبب كتابات معارضة لنظام علامة سلبية.
4-حقوق الإنسان
- ا- النجاحات
يقول بول وار إن ولد عبد العزيز أكمل إجراءات عودة اللاجئين من السنغال التي بدأت في عهد سلفه سيد ولد شيخ عبد الله بعودة نهائية في شهر أكتوبر. وحسب الوثائق المؤمنة فان المفوضية العليا للاجئين مستعدة لإعلان أن ملف اللاجئين الموريتانيين في السنغال قد أغلق بعودتهم. وتعتبر هذه الحالة – حسب السفير الأمريكي – من الحالات النادرة التي يعلن فيها عن إغلاق مثل هذه الملفات بعودة اللاجئين جميعهم.
وتذكر التسريبات أن عزيز قام بدمج المئات من السود الأفارقة من العمال المهجرين في سنوات الثمانينات، كما دفع مستحقات المعاش لأشخاص آخرين وصلوا سن التقاعد، ويعتقد السفير الأمريكي أن تعيين “بيظان سود” في حقائب سيادية مثل العدل والداخلية إشارة رمزية للأهمية التي يوليها عزيز للقضاء على إرث العبودية الشائك، وتؤكد الوثائق أن تعيين امرأة في منصب وزيرة الخارجية يعتبر سابقة في شمال إفريقيا.
- ب- الإخفاقات
يرى بول وار أن تسوية الإرث الإنساني كان لأغراض انتخابية فقد شابته خرقات منها أن بعض الأميين من الأفارقة زعموا أنهم وقعوا على اتفاق يجهلون انه سلبهم بعض الحقوق القانونية المستقبلية، كما تذكر الوثائق أن الحكومة أغلقت الباب قي وجه الطعون المقدمة من قبل الضحايا.
5-التسيير الاقتصادي
- ا- النجاحات
يذكر السفير الأمريكي في الوثائق المسربة أن هناك تحديات اقتصادية كبيرة، بغض النظر عمن كسب انتخابات يوليو
حيث أن الخزينة لا تملك إلا مخزونا محدودا من الموارد التي تأتي للدولة من ريع الحديد والنفط والسمك، وبالرغم من الفيضانات وارتفاع الأسعار – يقول بول – فإن عزيز شكل فريقا حكوميا مقتدرا من الاقتصاديين والماليين بمشاركة البنك المركزي، وقد ضم الفريق من بين أعضائه شخصيات من ذوي السمعة الطيبة عملوا في حكومة ولد الشيخ عبد الله، وقد تمكن الفريق من إعادة العلاقات مع صندوق النقد الدولي والمجوعة الأوربية، كما أن حملة محاربة الفساد والإجراءات التي اتخذت بحق رئيس مشروع محاربة السيدا، عوامل ساهمت بشكل كبير في جلب ثقة المانحين.
وتتحدث الوثيقة عن نجاحات حققتها الحكومة، حيث أعلنت عن برامج جديدة ومشاريع في مجال البناء، وقد باشرت – يضيف بول – شركة توتال القيام بحفريات بترولية في الشرق الموريتاني، كما أن الحكومة استجابت سريعا للكوارث التي نجمت عن الفيضانات في بعض المناطق شهري 8 و 9 ، رغم نقص الموارد وعدم التأهيل الكافي.
- ب-الإخفاقات
يعتبر السفير الأمريكي أن عدم وجود تقارير أو معلومات حول الأموال وحجم النفقات خلال فترة الانقلاب أمر يبعث على الريبة، ويضيف بول إن هناك أموالا طائلة تم صرفها من أجل الحصول على الدعم الشعبي، كما نبه إلى الحاجة الماسة لوضع إستراتيجية عامة للتنمية في موريتانيا.
وتتحدث الوثائق كذلك عن ندرة في العملة الصعبة قائلة إنها محتكرة من قبل حفنة من الموردين مما أدي إلى نمو سوق سوداء موازية بنسبة %25.
6-السياسة الخارجية
- ا-النجاحات
تذكر التسريبات إن الحكومة بادرت إلى فتح صفحة جديدة من العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة بعد توتر دام فترة الانقلاب، وقد سارع عزيز إلى تعزيز العلاقات مع فرنسا وإسبانيا اللتين قدمتا له تغطية دبلوماسية خلال الانقلاب، كما أن تعيين امرأة على رأس الخارجية ساهم بشكل ايجابي في تدعيم العلاقات مع الغرب، وقد أبدى عزيز رغبة في العمل مع الأمريكيين لحل الأزمة في غينيا (رغم تحفظه على طريقة داديس في اعتباره نموذجا لتبرير الانقلاب)، كما تمكنت الحكومة من تعزيز العلاقات الموريتانية مع اليابان وتركيا والبرازيل.
- ب-الإخفاقات
لقد أشار عزيز إلى عدم رغبته في استئناف العلاقات المجمدة مع إسرائيل، وتذكر الوثيقة إن عزيز عزز علاقاته مع المتشددين الإسلاميين في سوريا وإيران و ليبيا، وليس واضحا – يضيف بول – ما إذا كان سيسمح لإيران بفتح سفارة في نواكشوط.
7- الرأي العام
- ا-النجاحات
تؤكد الوثائق أن سياسة التصدي للفساد أتت أكلها، إذ عادت بالنفع على الغالبية الفقيرة من الموريتانيين، ويقول بول إن مناوئي عزيز يأملون أن تؤدي هذه السياسة إلي استياء لدى النخبة يؤدي في النهاية إلى الإطاحة بنظامه.
- ب-الإخفاقات
تتحدث الوثائق عن ضعف لدى الحكومة في مجال الاتصالات العامة، وهناك مخاطر من نشوب اضطرابات، ويضيف بول إن عزيز يحمل عبارة “قائد الانقلاب” في سيرته الذاتية، وهو ما يترك الباب مفتوحا لقادة عسكريين مستاءين للقيام بتغيير بأنفسهم.
وفي نهاية الرسالة المؤمنة كتب السفير الأمريكي معلقا : “لقد اعتمدت في المقام الأول في هذا التقييم على عمالنا المحليين، ونعترف أن غالبية هؤلاء الأشخاص كانوا من المناوئين بقوة لعزيز خلال فترة الانقلاب وبالتالي فان هناك ميول للتحامل، وأشير هنا إلى أن من بين هؤلاء من قبل على مضض أن عزيز حقق أشياء مهمة في مجال الأمن ومكافحة الفساد كما لم يقم بأعمال سيئة في المجالات الأخرى”.
راجع الوثيقة على الرابط : وكيلكس