هل بدأ عزيز يبرد في ثلاجة الحكم؟
.. جاء إلى الحكم في أيام القيظ، أو لنقل اغتصب الحكم بانقلاب – كما يصر البعض – حيث ينبغي أن نسمي الأشياء بمسمياتها الصحيحة، لكن أكثر ما ميزه عن سابقيه حرارته و اندفاعه، تلك الحرارة التي لم تجذب المتمسكين ” بالشرعية الديمقراطية المدنية “، لكنها في المقابل اجتذبت مئات آلاف المواطنين و هم يتابعون سيل كلماته الحارة اللاذعة المندفعة من شخص خبر أنظمة الحكم في البلاد، فرأت فيه نمطا جديدا من الحكام يختلف عمن سبقوه على الأقل في خطابه الذي كان في أغلب الأحيان قريبا من أفهامهم، ملامسا لما يعيشونه: حديثه عن الكبات و حياة ” ادْيُوك ” ، و كلماته عن الفساد و المفسدين و ” انْوَكلُوهُم مارُ الْخَامِر ” رفعت شعبيته، اقتحامه لمواطن الفقراء و التعساء جعلته يحظى بذلك اللقب “رئيس الفقراء”.
و طوال حملته الانتخابية التي امتدت لعشرة أشهر كان الناس مندهشين من هذا الخطاب الجريء الذي لم يعهدوه، و ذلك الكلام ” لَمْكَلْعَ اغْفَافِيرُ” – كما اعتبره البعض- انتزع الإصغاء إليه باهتمام بالغ، يراودهم الأمل في أن صاحبه ربما كان أكثر صدقا من جميع من سبقه من الرؤساء الذين تميزوا بالبرودة تجاه أحاسيس و قضايا الفقراء و المحزونين الذين تضج بهم البلاد، أما هو فيبدو أكثر اندفاعا و انطلاقا و حرارة تجاه قضاياهم، و كأنه واحد منهم.
و في يوم تنصيبه رئيسا للجمهورية في الملعب، كانت التفاتته (الذكية سياسيا) إلى الجماهير البسيطة حيث بادر عند دخوله الملعب، و بدلا من التوجه إلى منصة الشرف، بادر بالتوجه إلى الجماهير المطحونة في ” اتْرِيبِينْ الشمس ” و شرع يطوف بها و يلوح بيده لها، و عندما تسلم الميكرفون ليلقي خطابه كانت أول فكرة يتحدث عنها تنم عن اهتمامه بالشرائح الضعيفة من هذا المجتمع، ” في هذه المناسبة السعيدة لا يغيب عن باله معاناتها” !
يومها اقشعر بدني لهذه العبارة لأنها ببساطة كانت تعبر على الأقل عن ” مشاعر طيبة ” و ممن؟ من رئيس البلاد! و قد اعتدنا فيما مضى على رؤساء شبه جامدين و ربما خيل للبعض أنهم بلا مشاعر!
و لكن الأيام تمضي، و يمارس الرئيس الجديد مهامه، إلا أن الفقراء لم يشعروا بالحمل الثقيل ينحط عنهم، حتى و إن كانت تلوح في الأفق أن معاناة الكزرة و الكبة ستنتهي، إلا أن أرزاء جديدة انضافت: أعشاش ” ادْيُوك ” التي آوتهم كثيرا، و أصبحت تمثل لهم ولأبنائهم ذكريات (لا يهم كثيرا إن كانت سيئة) تهدم، ومن أجل ماذا؟ من أجل الحصول على أرض جرداء أكثر بعدا عن مركز الخدمات، فهل كان الرئيس يفكر في معاناة هؤلاء يوم تنصيبه؟
و هؤلاء المواطنون الذين يأبه لهم الرئيس في لحظات فرحه، هل كان من الضروري أن يصطفوا في طوابير لانهائية ليشتروا السكر بـ 100 أوقية بدلا من 180 أوقية، و ذلك في مشهد يلخص أن الفرق بين الإنسانية و البهيمية في بلادنا يساوي 80 أوقية!
أليس هؤلاء مواطنين محترمين؟ أليس من حقهم أن يحصلوا على احتياجاتهم بصورة مشرفة تصون إنسانيتهم و كرامتهم؟
يا رئيس الفقراء
إن كنت لا يزال في ” بالك معاناتنا” فانظر ماذا صنعت بنا دكاكين التضامن؟ أترضى لنا أن نظل في طوابير نصف النهار لنحصل على كلغ من السكر و “نص ولاط” من الزيت؟! أهذه رحمتك بنا و عطفك علينا؟!
يا رئيس الفقراء
أين وعودك لنا بمحاربة الفساد؟
صحيح أن خطوات قطعت في هذا المجال، و لكن ألا تعتقد أنك بحاجة لن تعرف أحدث الطرق التي يتحايل بها أهل إدارتك على المال العمومي؟
هل ستكتفي بالإجراءات التي قامت بها الخزينة و المصالح المالية للحد من التحايل على المال العمومي، ألن تسأل أحدا عن الرشوة المستفحلة؟ ألن تباغت إدارة من الإدارات التي يرفض موظفوها القيام بواجباتهم تجاه المواطنين فيهربون عن مكاتبهم أو يعبسون في وجوه المواطنين فقط لأنهم “ما فيهم ش”!
ألن تقطع اليد التي تمتد إلى المال العمومي لتكون عبرة، أنا شخصيا يمكنني أن أرشدك إلى يد أو يدين تستحقان القطع، و هناك مواطنون شرفاء مستعدون و أكثر اطلاعا مني، فهل أنت مستعد للتفكير في معاناتنا؟
يا رئيس الفقراء
هل جمدتك ثلاجة الحكم، فلم تعد تشعر بوهج الشمس فوق باعة المياه على الحمير، ولا حرها فوق رؤوس بائعات ” Begné “، هل تبردت حتى صرت ما تشعر بقشعريرة المريض في قاعة الحالات المستعجلة حيث عشرات الجزارين و مصاصي الدماء يلبسون زي الأطباء و الممرضين؟
يا رئيس الفقراء
هل توقف نبضك الحار حتى ما عدت تفكر في همومنا و مشاغلنا، أللحكم مشاغل غيرنا؟
ألم تأت للحكم بواسطتنا فنحن اخترناك، فهل ستدير ظهرك لنا؟
أم أنك لم تعد تشعر بما حولك، فقط أنت و الثلاجة؟!!!!
سيد ولد محمد الامين
نواكشوط، 23. 09. 2011