كينروس موريتانيا : تسميم العمال .. نهب الثروة

لم يكن موضوع التسمم بالرصاص الذي أثير مؤخرا إلا محاولة ماكرة لتغطية تسمم آخر أكثر خطورة بمادة “لوسيانور” القاتلة التي تفرغ كل صباح في موقع Piment pond التابع لشركة Kinros في ثلاث ترع مائية تذاب مادة “لوسيانور” القاتلة في أولاها وتسرب للثانية ثم الثالثة ثم تضخ عبر مجاري خاصة إلى مواقع الانتاج لمعالجة الصخور المنجمية.

وفي موقع الموت هذا لا يتواجد الأجانب، وإن تواجدوا فبكل الاحتياطات الواقية، أما الحرس الموريتانيون المساكين فهم من يحرس موقع الموت دون معدات منذ أربع سنوات.

وحسب خبير، فضل عدم ذكر اسمه، فإن أجهزة قياس معدلات التسمم بالموقع غير دقيقة وقد لا تعطي المستوى الحقيقي للتسمم، ويتهكم هذا الخبير لسذاجة الموريتانيين ويقول إن موضوع التسمم بالرصاص مهم ولكن الأخطر هو التسممات ب”لوسيانور” لأنه يستخدم بكميات هائلة ولأنه قاتل ومدمر للبيئة ولأنه كلما زادت الشركة في إنتاجها كلما تضاعفت معدلات قتل الناس وتدمير البيئة لفترات طويلة ولأجيال متلاحقة، ويطالب الخبير بتفتيش مستقل لموقع Piment pond وبفحص الحراس وعمال النظافة الموريتانيين المتواجدين هناك على جناح السرعة، ويعتبر صمت مراقبي البيئة الذين ينظمون زيارات دورية هناك مثيرا للريبة لأنهم يتجاهلون أشياء لا يمكن السكوت عنها ويلتمس لهم العذر لعدم توفرهم على تجهيزات علمية كافية ولأن الشركة تضللهم وتحولهم بالتدريج إلى متعاونين صامتين.

إقصاء الموريتانيين ونهب الثروات

يعمل حاليا في تازيازت 100 أجنبي يحتلون كل المواقع الحساسة والمهمة وهنالك عدد ضئيل من الموريتانيين في مواقع القرار، أما أكثرية الموريتانيين فهم عمال عاديون تستقدمهم شركات وساطة وخدمات تتعاقد مع كينروس، وتقوم هذه الشركات الوسيطة باستغلال العمال بشكل فظيع بحيث تدفع لهم 60% من أجورهم وتحتفظ هي بـ40% الباقية كأتاوات تشغيل.

وتحرص إدارة كينروس على تهميش الموريتانيين وتستقدم أجانب لشغل وظائف تتوفر خبرات وطنية جيدة لشغلها… تصوروا أنهم استقدموا مسؤول الصحة وسلامة البيئة من الولايات المتحدة وهو شخص لا يتوفر على أية مؤهلات تناسب عمله ولأن مساعده موريتاني على الورق يتمتع بكفاءة فقد أرسل الموريتاني في تدريب دائم لكي لا يباشر ميدانيا موضوع سلامة البيئة الحساس.

إن كل الوظائف القيادية الفنية أسندت لمهندسين وجيولوجيين أجانب… وتحرص إدارة الموارد البشرية على إقصاء الموريتانيين وتضع شروطا تعجيزية عند إعلانها عن الفرص الشاغرة وتضع كل العراقيل، فالهدف هو التقيد ظاهريا باحترام نصوص التشغيل المتعاقد عليها ولكن الإرادة والممارسة الراسخة هي إقصاء الموريتانيين واستقدام الأجانب وإقصاء الموريتانيين هذا يصل ذروته في مواقع الإنتاج والتحكم، فهنالك دوائر محظورة لا يتواجد بها إلا الأجانب حتى أمن الشركة الداخلي 90% منهم أجانب منهم كنديون وغانيون وليبيريون من أصحاب السوابق في بلادهم، وتوفر لهم الشركة أسلحة ومعدات متطورة.

تجاهل الشركات الوطنية

لم تبحث كينروس تازيازت عن شركات محلية لإنجاز أعمال ميدانية مهمة بل تعاقدت مع شركة HATCH الكندية لبناء الورشات والمصانع، وتعاقدت مع شركة CCC اللبنانية لاستيراد المعدات وتوفير مكائن الطحن والفرز والمعالجة المستوردة من دبي وألمانيا والبرازيل، أما الشركات الموريتانية فلم يسند لها إلا أشياء ثانوية.

لا أثر غير مباشر لعمالة كينروس على الاقتصاد الوطني

حاليا توظف الشركة 2000 عامل معظمهم أجانب وهؤلاء الأجانب حرصت الشركة على أن تكون معسكرات إقامتهم في لا س ابلماس، فمردوديتهم الاقتصادية المتعقلة باستهلاكهم وبعلاجهم وبإقامتهم موجهة نحو الأسبان هنالك يقيمون وهنالك يشترون حاجياتهم حتى هواتفهم النقالة إسبانية، وتنقلهم الشركة عبر جسر جوي يومي يربط لاس ابلماس بتازيازت حتى المياه المعدنية يستجلبونها معهم من هناك، وكأن كينروس تحرص أن لا يسهم عمالها في إنعاش اقتصاد بلد قررت أن تنهبه بشراسة وبكل الوسائل التيكنولوجية المتوفرة.

ذهب تازيازت يذكر ولا يرى

لا أحد يعرف على وجه التحديد كمية إنتاج الذهب فهناك حلقة إنتاجية مهمة حرصت الشركة على أن تكون خارج موريتانيا، وهذه الحلقة هي الجهة التي تقوم بالمعالجة الأخيرة وتصدر تقريرا أحاديا بالإنتاج المعلن. وعلى العموم هنالك طائرة شحن تشحن كل جمعة 4 أطنان من عجينة الذهب نحو الحلقة الأخيرة التي هي مصنع معالجة بأوروبا، وبالإضافة إلى الأربعة أطنان أسبوعيا هنالك طن يشحن إلى لاسابلماس عبر الجسر الجوي القائم على شكل عينات، لكن هذه العينات تحولت في الحقيقة إلى حلقة تصدير موازية، وهذا يعني أن كينروس تصدر أسبوعيا 5 أطنان من عجينة الذهب وهو ما يمثل 20 طنا في الشهر و240 طنا في السنة تعمل الشركة على زيادتها في المدى المتوسط والبعيد، وانطلاقا من أسعار الذهب المرتفعة الحالية تكون عائدات الشركة تقدر بحوالي 38 مليون دولار شهريا مقابل 5 أطنان من الذهب، وتقدر كلفة الإنتاج في المتوسط شهريا حسب بعض الخبراء ب15 مليون دولار فقط والباقي أرباح صافية للشركة، ولا يدفع للموريتانيين إلا 3% المشؤومة، أما ضريبة الأرباح فتقلصها الشركة من خلال تضخيم زيادة تكاليف الإنتاج من جانب واحد ودون رقابة.

حب للذهب واحتقار للموريتانيين

رغم كل هذا النهب وكل هذه التجاوزات وكل هذه الأرباح المتراكمة يجمع المتعاملون مع الشركة على أنها لا تحترم الموريتانيين وتنظر إليهم نظرة دونية وتحاول إقصاءهم من مواقع الإنتاج وتسهب في ما تجود به من فتات مساعدات تتبجح الشركة بأنها تمنحها لهؤلاء “البداة المغفلين”… لقد بنت الشركة على ما يبدو نظرتها الخاطئة للموريتانيين على ممارسات منحرفة اكتنفت ظروف منح الرخصة وتوقيع العقد، فدولاراتها غيرت النصوص وفتحت الأبواب الموصدة على كافة المستويات وباتت الشركة تنظر إلى الموريتانيين على أنهم طالبي رشاوي وجامعي إكراميات (مال بوي يصدك اعلي) لذلك أغرت من تعتقد أنهم أصحاب النفوذ ووظفتهم في حلقة وسيطة لكي يجادلوا نيابة عنها بالحجج الواهية، في حين تتفرغ هي وأخواتها لسبر أغوار الأرض المعطاء في تازيازت واستخلاص الذهب وترحيله لأنه غريب في هذه البيئة وبين قوم لا يقدرون قيمته الساحرة…

إنهم في نهاية المطاف سيرحلون بالذهب ويتركون خلفهم حفرة هائلة كافية لدفن ملايين البشر… سيحبلون الأرض باسيانور وغيره من المواد السامة التي لا تبقي ولا تذر والتي تقضي على البشر والحجر ويتركوننا على حين غفلة نكابد مأسينا وأوجاعنا المتراكمة… ولكي نغير هذه الحتمية الماحقة على الشعب الموريتاني ونخبه أن يبادروا إلى خلق خيار آخر لاستغلال ثرواتنا المنجمية بما ينفع الناس ويمكث في الأرض الطيبة ويحفظها كما كانت دائما إطارا لحياة كريمة، وعلى الحكومة إن كانت شبعت رشاوي أن تعود إلى رشدها وتجري تحقيقا سريعا حول مجريات استغلال الذهب وتراجع العقود وتحقق بسرعة في موضوع المواد السامة المتسربة من تازيازت قبل فوات الأوان فليس هناك دخان من دون نار… وعليها أن تضع كل الخيارات على الطاولة بما فيها خيار التأميم فالوضع لا يمكن أن يستمر على هو عليه الآن.

سيدي محمد

أقلام حرة

نقلا عن : الرأي المستنير

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى