الإتحاد من أجل “الفنادق”!!

الحزب بصورة عامة، هو تجمع سياسي لفئة متحدة في الأهداف السياسية والاجتماعية وتحمل مشروعا موحدا، أما الحزب الحاكم فهو الحزب السياسي الذي يحكم بلدا ما من خلال سيطرته على أغلب المقاعد البرلمانية، ومن خلال تسييره المحكم لمصالح البلاد والعباد…

لكن هل هذه المسلمات تنطبق على الأحزاب السياسية في بلادنا موريتانيا؟ وهل فعلا لدينا حزب حتى يحكم؟ واذا كان موجودا فهل يحكم بالفعل أم أن هناك شخصا واحدا هو الذي يحكم، والحزب مجرد آلية لتنفيذ رغبات ذلك الحاكم؟

هذه الأسئلة وغيرها تحتاج إلى أجوبة حقيقية سوف أحاول سردها في هذا المقال المقتضب.

إن المتتبع للحياة السياسية في موريتانيا، ولمسار الأحزاب التى حكمتها، أوالأحزاب التى تحيط بالشخص الذي يملك زمام الأمور، يجد أنها أحزاب متشابهة كثيرا من حيث النشأة والأهداف.

فهي أحزاب أسست أصلا بصورة ارتجالية، قصد حماية مصالح الحاكم والمحيطين به، فلم تؤسس على مبادئ ثابتة، وليس لديها مشروع تحمله، ولا تسعى إلى تنفيذ استراتجية واضحة المعالم، وإنما هي طغمة من السياسيين دأبوا على التملق للحاكم، والركوع له لضمان مصالحهم الذاتية ليس حبا فيه، ولا اقتناعا بمساره، والدليل على ذلك أن غالبية هؤلاء هم أنفسهم من كانوا يطبلون للأنظمة السابقة، وهم الذين ينخرطون اليوم في (الحزب الحاكم)، وهم أول من سيتنكر للنظام في حالة فقدانه للسلطة.

لقد سئل أحدهم ذات مرة عن الدوافع وراء دعمه لرئيس انقلب على النظام الذي كان المعني جزء منه، فقال لهم بكل جرءة: “أنا كنت أصفق للنظام السابق بيدي الاثنتين، أما هذا النظام فسوف أصفق له بيدي ورجلي معا…”.

وكأن الأخلاق غابت عن الممارسة السياسية، وأصبح بائعو المبادئ، وأصحاب المصالح الضيقة هم وقود وركائز الأحزاب الحاكمة في بلادنا.

ومن ناحية أخرى فإن هؤلاء نقلوا رؤاهم، وكيفية تسييرهم لأحزابهم السابقة: “حزب الشعب”، “الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي”، إلى حزبهم الجديد “حزب الاتحاد من أجل الجمهورية”، فقد كتبوا شعاره بنفس اللون، واختاوروا له نفس الهيكلة السياسية: (الاتحادية، القسم، الفرع، الوحدة القاعدية)، ونقلوا له الغناء والزغاريد والمديح والتغني بالأمجاد الواهية، ورسخوا في منتسبيه فنون التملق والنفاق، وأحاطوه بمبادرات الفساد والافتراء…

وهاهم اليوم يعيدون له المسار نفسه في بعثاتهم الكرنفالية، التي تبدد فيها الكثير من الأموال، وتضيع فيها أوقات المواطنين، والمسؤولين عن الشأن العام..

فكيف يعقل أن تكون بلادنا تعيش كارثة جفاف خطرة، قضت على الأخضر واليابس، كارثة اعترف بها الجميع، حتى الحكومة ذاتها، فكيف يعقل أن نكون في وضع كهذا، ومع ذلك تتنقل بعثات الحزب الحاكم بين الفنادق الفاخرة، وتبدد الأموال الطائلة في مهمة أقل ما يمكن ان يقال عنها أنها الآن ليست أولوية بالنسبة للشعب، وهي مهمة لن تساهم في انقاذ المواشي التى تموت بالآلاف كل يوم في مختلف مناطق الوطن؟.

إن هذه الأمور هي التى جعلتني أطلق على (الحزب الحاكم) اسم “حزب الاتحاد من أجل الفنادق”، لأن هدف بعثاته الآن هو الدوران بين الفنادق المتواجدة على امتداد التراب الوطني، والحضور لحفلات راقية، ومهرجانات يتم فيها افساد عشرات الملايين من الأوقية، ثم عقد اجتماعات للتطبيل الأعمى للنظام الحاكم، والتغني بانجازات لا أثر لها على أرض الواقع، وانما هي في خيال من يتغنون بها.

إن “حزب الاتحاد من أجل الفنادق” يريد أن يعيد موريتانيا إلى المربع الأول، ويرسخ من جديد ظاهرة النعرات القبلية، والعرقية، والجهوية، يريد أن يخدع المواطنين البسطاء بانجازات واهية…

يريد باختصار أن يعيد تجارب الأحزاب الفاسدة التى حكمت البلاد طيلة العقود الماضية.

فمجتمعنا اليوم بات يغص بعدد كبير من الأحزاب التى تنادي بولائها للحاكم، وكلها تتاجر بمشاكل المجتمع مثل: (الرق، والبطالة و التعليم و الصحة والأمية و الفقر …الخ) و يدعون أنهم يملكون عصى سحرية لحلها، وهم في الحقيقة مجرد مجموعة من الأشخاص تجمعهم المصالح ، ويتحالفون للوقوف في وجه أي إصلاح حقيقي ينقذ البلاد من الواقع المزري الذي تعيش فيه اليوم، ولايستحون من توظيف كل الطرق من رشوة وشراء أصوات، وكذب على المواطنين، قصد الوصول الى الكرسي.

ولكن صمت القيادة الوطنية، والحكومة عن ممارسات هذه الأحزاب، بل ومشاركة عناصر منها في اللعبة السياسية، يوحي بأن إعلان النظام محاربة الفساد و الوقوف في وجه انتشاره، هو فقط محاولة منها للظهور بمظهر الأيادي البيضاء النزيهة.

فإن حالات الفساد المستشرية في البلاد، يفسرها المسئولون الحكوميون والحزبيون على أنها حالات موروثة من الأنظمة السابقة، متناسين أنهم جزء من هذه الأنظمة التى تتالت على حكم البلاد، مما يعني أن الأمر بالنسبة لهم يدخل إطار البحث عن ذرائع وحجج لإنصاف الأحزاب الداعمة للنظام، والحكومة المنبثقة عنه، في عدم قدرتها على تنفيذ التزاماتها وتعهداتها بتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين مثل: الغذاء، والماء، والكهرباء، والدواء…الخ

وخلاصة القول إن القائمين على الحزب الداعم لولد عبد العزيز لايفهمون أن عهد تأجير الفنادق الفاخرة، وتبديد الأموال العامة والخاصة لم يعد ممكنا في زمن الثورات العربية، ولا في فترة تذمر فيها الشعب الموريتاني على حاكمه بسبب الجفاف والجوع، وتراجع الخدمات العامة، بل وانعدامها في بعض المناطق.

لقد حان الوقت أن يفهم هؤلاء في “حزب الاتحاد من أجل الفنادق” أن إعادة تجارب الأحزاب الفاسدة لم تعد مقبولة في زماننا هذا.

بقلم: عزيز ولد الصوفي

كاتب صحفي

هاتف: 22297964

البريد الالكتروني:

azizouldsouvi@yahoo.fr

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى