يحسبه الظمآن ماء – مستشفى الأمومة والطفولة

- لقي القرار الذي اتخذه رئيس الجمهورية بعد تسلمه للسلطة بتحويل مقر إقامة رئيس الوزراء إلى مستشفى للام والطفل ترحيبا واسعا لدى عامة الشعب الموريتاني.
اعتبر القرار “هاما” و “سياديا” وقيل آنذاك إنه أعاد للدولة هيبتها، وأعطى إشارة قوية على أولويات وتوجهات “العهد الجديد”، إلا أن نظرة في العمق إلى هذا المستشفى – بعيدا عن مظهره الأخاذ – كفيلة بجعل المواطن يعيد التفكير في الصورة التي رسمت في ذهنه حول مستشفى الأم والطفل، رمز التغيير “الجوهري”، على مستوى قطاع الصحة، سيء السمعة والصيت.
يدخل المواطن إلى هذا المستشفى الذي مضى على انطلاق العمل فيه ثلاثة أعوام، وفي مخيلته تلك الصورة التي قدمت له في الإعلام حول الإمكانات التي يتوفر عليها المستشفى من حيث الأجهزة، والقدرة الاستيعابية، والطاقم الطبي المتميز، ووفرة الأدوية.
تتعزز تلك الصورة أكثر لدى من تترآى له عن بعد تلك التوسعة التي عانقت في طولها المبنى الأصلي أو تكاد.
الحالات المستعجلة بمستشفي الأم والطفل هي الصدمة الأولي
للمواطن والصحفي على حد سواء، حيث تبدأ الصورة الوردية للمستشفى بالتلاشي. فبعد أن يطلب الطبيب إجراء الفحوصات للمريض سرعان ما يكتشف أن مختبر المستشفى لا يتوفر عليها،
وقد اظهر التحقيق الذي قام به موفد “صحفي” أن المريض ينقل في معظم الحالات إلى خارج المستشفى لإجراء الفحوصات لدى المختبرات الخاصة.
تفيد شهادات الأشخاص المرافقين للمرضى أن معظم الأطباء والممرضين يوصون بعدم إجراء الفحوصات لدى مختبر المستشفى لانعدام الجودة المطلوبة.
وما يثير سخط وامتعاض ذوي المرضى هو الفارق الزهيد في الثمن بين أسعار مختبر المستشفى وبعض المختبرات الخاصة، حيث لا يتعدى الفارق في أحيان كثيرة 500 أوقية.
وفي الداخل، حيث يحجز المرضى، تتزايد المعانات،
إذ تعتمد إدارة المستشفى سياسة ظاهرها الصرامة، يمنع بموجبها ذوو المرضى من استجلاب أي غذاء إلى الغرفة أو بقاء أكثر من شخص واحد مع المريض، وتشكل في باطنها حيفا للمرضى وذويهم، إذ لا يقدم المستشفى أي غذاء ولا رعاية. وبالنظر إلى أن المريض غالبا ما يكون طفلا فإن الأم تجد صعوبة في قضاء حاجاتها، ناهيك عن الخروج لاستجلاب الأدوية والمستلزمات الضرورية.
لم نشاهد خلال ثلاثة أيام متوالية في الجناح الخاص بحجز الأطفال سوى خمس ممرضات للقيام بجميع المهام، وهذا لا يكفي.
يتعاون ذوو المرضى فيما بينهم بحكم الضرورة لتغطية حاجاتهم بما فيها الإسعافات، ويحصل هذا في الحالات التي يختفي فيها طاقم التمريض بشكل كامل بسبب الإرهاق أو ضعف الرقابة أو عدم المسؤولية أو الكل معا.
-
أما على مستوى الأطباء فتتعذر مشاهدتهم في قسم الحجز إلا خلال جولتي الصباح والمساء، ويشكوا ذوو المرضى من أن الأطباء لا يتحدثون إليهم بل ويظهرون غلظة وجفاء، وتعكس هذه الصور مستوى الإهمال وحالة اليأس التي تخيم على المرضى وذويهم.
-
هذه المرأة، قالت إن حفيدتها ذات الخمسة عشر يوما دخلت المستشفى قبل أسبوع،
ووقعت ضحية الإهمال وعدم المتابعة، وأن النتيجة كانت إجراء العديد من الفحوصات وإعادتها بأمر من الطبيب المناوب دائما.
- وتضيف المرأة أن حفيدتها فاقدة للوعي منذ أربعة أيام بعد أن حقنت بمخدر، وهي قلقة لأن الأطباء لا يقدمون تحليلا منطقيا لهذه الحالة.
لا تشكل صيدلة المستشفى استثناء من الحالة العامة في المستشفي حيث لا تتوفر الصيدلية إلا علي الضمادات والقفازات وزجاجات الأكلكوز، وبعض المعدات المشابهة.
يقول ذوو المرضى أن أي دواء يتجاوز سعره 1000أوقية غير متوفر في الصيدلية مهما بلغت أهميته وشاع استخدامه مثل “كيني ماكس”، ولا يتبقى أمام المواطن سوى الذهاب إلى الصيدليات المحيطة بالمستشفى والتي تبيع بأسعار مرتفعة ناهيك عن الشائعات حول الأدوية المزورة بشهادة الأطباء.
- وفيما يتعلق بإعمال الصيانة يتضح من خلال هذه الصور أن المستشفى يسير على خطى المنشئات التي سبقته،
حيث تنعدم الصيانة التي تأتي في المرتبة الأولى بعد عملية التشييد.
- ولعل من سخرية القدر أن يبلغنا بعض ذوي المرضى منذ الساعة الأولى لوصولنا أن عمال التنظيف جاؤوا إلى بعض الغرف وبدؤوا عملية تنظيف واسعة،
كما فوجئوا بعملية استنفار واسعة وسط الطاقم الطبي، وقد ابلغوهم أن وزير الصحة سيزور المستشفى بشكل مفاجئ، وبالفعل فإن الزيارة تمت بشكل غير مفاجئ للإدارة والعاملين على الأقل. وحيث لم نلحظ أي تغير في طبيعة عمل المستشفى على مدى الأيام التي تلت الزيارة في أي من نواحي عملها فإننا نطرح التساؤلات.
- هل اعتقد وزير الصحة أنه زار المستشفى بشكل مفاجئ و أن ما شاهده من استنفار ونشاط هو الحالة العادية ؟
- هل علم الوزير أنه في الوقت الذي كان يزور المستشفى فإن المختبر كان يوجه عشرات المرضى – ومنذ عدة أيام – لإجراء فحوصات حيوية من أبرزها فحص حمى الملاريا، وحمى الأمعاء، التي انتشرت بشكل واسع في العاصمة في تلك الأيام، وأن الوضع لم يتغير؟
- هل علم الوزير أن هناك طبيب واحد يداوم في الحالات المستعجلة ؟
- كيف نجح اللوبي الذي يحكم قطاع الصحة في إبقاء هذا القطاع رمزا للفساد ؟
- أسلة لا تبحث عن إجابات بقدر ما تبحث لها عن آذان صاغية، تتخذ إجراءات فعالة، تعيد الأمور إلى نصابها بحيث تصون للمواطن كرامته، وتستعيد الثقة المفقود بين المواطن وقطاع الصحة عموما.
- الشيخ سعد بوه ولد محمدو – وكالة صحفي للأنباء
- تنويه : تقارير وصور وكالة صحفي للأنباء مرخصة بالكامل لكافة الصحف والوكالات.