جمعة المغاربة ليست مثل الـ “جمعات العربية”
مشاركة الناخبين تؤكد الاختيار الديمقراطي السلمي
توجه الناخبون المغاربة، أمس الجمعة، في مختلف أنحاء المملكة لاختيار أعضاء مجلس النواب الجديد في أول انتخابات تشريعية، بعد التعديل الدستوري، الذي جرى في فاتح يوليوز الماضي، في أعقاب الإصلاحات السياسية الكبرى، التي أعلنها جلالة الملك محمد السادس في خطاب 9 مارس الماضي، وتشكيل لجنة خاصة بمراجعة الدستور عهد لكافة القوى السياسة والاجتماعية والاقتصادية المشاركة في تقديم مقترحتها من أجل صياغة دستور جديد يستجيب لتطلعات الشعب بكل فئاته ومكوناته، في ظل فصل تام للسلط وتشديد المراقبة وإقرار المحاسبة.
ويرى المراقبون أن أول ما يثير الانتباه بشأن الانتخابات التشريعية لـ 25 نونبر، هو نسبة المشاركة، التي تجاوزت سابقتها، خلال الانتخابات التشريعية لعام 2007، مسجلة ارتفعا قارب 10 في المائة، مقارنة بسابقتها، وهو مؤشر يترجم حسب المحللين السياسيين تجاوب الكتلة الناخبة المغربية مع الإصلاحات السياسية، التي عرفتها البلاد في ظل الحراك السياسي الجاري على المستويين الوطني والإقليمي.
وحققت مشاركة الناخبين في الاقتراع التشريعي الأخير، تحديا كبيرا، بالنظر إلى دعوات المقاطعة الصادرة عن بعض الأحزاب السياسية الصغيرة والتنظيمات غير المهيكلة. إذ كانت بعض الجهات، التي دعت المواطنين للعزوف عن المشاركة في الانتخابات التشريعية تتوقع أن تكون نسبة المشاركة دون مستوى الانتخابات التشريعية لعام 2007، والتي لم تتجاوز 37 في المائة، خاصة أن الدعوة إلى المقاطعة جاءت في ظل موجة السخط الشعبي العارم، الذي يجتاح البلدان العربية من المحيط إلى الخليج، لكن المواطنين المغاربة أكدوا في جمعة 25 نونبر أن جمعتهم ليست مثل “جمعات” الشعوب العربية الأخرى، وأن التغيير يحصل اليوم في المغرب بواسطة صناديق الاقتراع، في إطار تعديل دستوري يولي السلطتين التشريعية والتنفيذية كامل صلاحياتهما مع فصل تام للسلطة القضائية، التي أصبحت تتمتع باستقلالية كاملة في ظل ما بات يعرف في الدستور الجديد بـ “المجلس الأعلى للسلطة القضائية”.
من جهة أخرى، يعلل المراقبون السياسيون فشل الجهات الداعية لمقاطعة الانتخابات إلى كون الكتلة الناخبة المغربية استجابت للمشاركة من باب يقينها بأن الحكومة المقبلة سوف تكون محاطة بسياج قوي من المراقبة، وأن المعارضة طبق الدستور الجديد سوف تتمتع بسلطة حقيقية داخل البرلمان، إضافة إلى أن نسبة كبيرة من الذين لم يذهبوا إلى التصويت، يوم أمس الجمعة، لم يفعلوا ذلك تلبية لنداء المقاطعة وإنما فعلوا ذلك من باب لا مبالاتهم بالحياة الحزبية والشأن الانتخابي، والدليل على ذلك أن أصواتهم كانت حاضرة يوم الاستفتاء على الدستور في فاتح يوليوز الماضي.
على صعيد آخر، أكد المراقبون المحليون والدوليون، الذين واكبوا العملية الانتخابية أن الأجواء، التي سادت أماكن الاقتراع تميزت بالانضباط وبالمسؤولية وأن عمليات التصويت جرت في ظروف جيدة، كما أن الحملة الانتخابية مرت في ظروف يطبعها الاستقرار والأمن وأن الملاحظات المسجلة خلاف ذلك تتعلق بحالات محدودة وأن الجهات المعنية ستنظر فيها.
من جهتهم عبر زعماء الأحزاب السياسية، التي تبارت على مقاعد مجلس النواب، عن رضاهم بشكل عام حول الأجواء، التي جرت فيها، سواء الحملة الانتخابية، أو عملية التصويت، وأدلى بعضهم إلى وسائل الإعلام الوطنية والأجنبية بملاحظات تتعلق بحالات محدودة جرت في بعض الدوائر الانتخابية.
أما على الصعيد الدولي، أكدت حكومات ومنظمات أوروبية وأميركية دعمها للمغرب، الذي يعرف انتقالا ديمقراطيا نوعيا قياسا بالدول العربية الأخرى، سواء تلك التي شهدت ثورات أطاحت بأنظمة ديكتاتورية، أو تلك التي ما زال مواطنوها يواجهون رصاص الجيش في الشوارع والساحات.