الصينتل كالوزارة أسوء مما تتخيل (3/3)
في هذا الجزء الثالث و الأخير سأتحدث عن أحداث درامية حصلت بعد أن نشرتُ الجزأين الأول و الثاني من هذه قصة (الصينتل كالوزارة أسوء مما تتخيل)، حيث اتصلت بي إحدى السيدات والتي تعمل كما يبدو في شركة منافسة لتشجعني على كتاباتي ولتؤكد استعدادها لدعمي ماديا وعن طريق الوثائق التي تثبت فساد شركة الصينتل (أو كما قالت)، لكي أواصل الكتابة حول تلك المؤسسة…، أسلوب تعاملها ذكرني بإسرائيل التي تطعم كلابها لتطلقها على من تريد افتراسه و القضاء عليه…
قلت لها لقد تخلصت من رقم هاتفي التابع لتلك الشركة بعد شعوري بالإهانة والظلم الذي تعرضت له… ولو لم أتعرض للظلم و أغلق باب مكتب المدير في وجهي عندما أردت رفع شكواي إليه لما اضطررت إلى الكتابة، لأنها برأيي ليست الوحيدة في السوء بل هناك قواسم مشتركة بينها و بين نظيراتها من شركات الاتصال ألا و هي الانتهازية والتهرب الضريبي…
بعدها بساعة تقريبا، رن هاتفي و إذا به اتصال من شركة الصينتل… و إذا به صوت نسائي:
المدير يريد لقائك قالت المتصلة
المدير يريدني؟! تساءلت
قالت: نعم
قلت: أخبريه أن مشكلتي حلت و انتهى الأمر
قالت: طيب شكرا… ثم انتهى الاتصال
بعد ذلك بساعة اتصل علي المدير التجاري للشركة يريد لقائي.
قلت: لا مانع لدي
ثم توجهت إلي الشركة من جديد، لكن التعامل اختلف حيث ابتسم في وجهي صاحب الاستقبال وعندما دخلنا في المصعد سألني:
هل كتبت في قصتك بأنني لا أتحدث بالعربية؟
قلت له: نعم
فابتسم وهز رأسه… ثم وصلنا إلى مكتب المدير التجاري بالشركة…
كان شابا طيب الوجه، استقبلي بكل ترحيب ثم قال: الإخوة السودانيين قرأوا ما كتبت و تأثروا تأثرا شديدا…
قلت له: كذلك الإخوة الموريتانيين قرأوه و تأثروا من معاملاتكم مع الزبناء تأثرا كبيرا… فابتسم ثم عرفني على نفسه و قال: هل حلت مشكلتك؟
قلت له: نعم لقد حُلت مشكلتي لكنها حُلت بأبغض الطرق (الوساطة).
فابتسم مرة أخرى و قال: نحن في خدمتكم و انتهى اللقاء.
* * *
صراحة خرجت من عنده و أنا مرتاح … ثم دارت الأيام وتوجهت إلى الشركة من جديد كي أشحن مفتاح الإنترنت وكان ذلك بعد نشر الجزء الثاني من قصة “الصينتل كالوزارة أسوء مما تتخيل”.
عندما دخلت في غرفة الاستقبال في فرع المؤسسة الرئيسي، وجدت هناك وجها مألوفا في مجال الرياضة الوطنية كان يستنجد بسكينة السودانية والتي رفضت أن تحل له مشكلته – هو الآخر- بدعوى أنها من اختصاص رجل آخر كان غائبا.
وبما أنها مشغولة فقد جلست أمام مكتب زميلتها والتي فيما يبدو من لهجتها أنها كانت غاضبة مني…
المهم تقدم إلي زميل لهم وهو شاب مألوف الوجه حتى لا أقول بأنه خريج جامعة أنواكشوط (كلية الآداب) وهي تهمة أغضبت زميله محمد الذي استاء من نعتي له بخريج قسم الفلسفة…
سألني الشاب ماذا تريد؟
قلت له: لقد جئت لأشحن الإنترنت
قال: وهل تريد فاتورة؟….
ثم انهمر وأصدقاءه بالضحك وهي إشارة إلى أن الجميع تعرف علي.
قلت له: لا تقلق فسوف لن أغادركم بدونها ولن آخذ تلك الأوصال الملونة… و بينما نحن منشغلون بإعداد الفاتورة، إذ وقفت خلفي سكينة، ثم قالت: هذا هو؟
التفت خلفي لأجدها وقد جلبت معها شابا أسمر ابتسم في وجهي ثم قال: تفضل معي إلى الإدارة
قلت له: طبعا سأذهب معك…
كنت مسرورا في داخلي لأني أريد نهاية مسلية لقصتي هذه لذلك كان علي أن لا أضيع مثل تلك الفرصة… و ما إن وقفت حتى قفز إلي ذلك الوجه الرياضي المعروف في عالم الهزائم الرياضية والذي يتميز عن باقي المفسدين في وزارة الشباب والرياضة بشنبه الضخم. ثم صاح: لا تذهب فعندك القضاء… لا تذهب معه فأنت في وطنك… لا تذهب، لا تخف…
و بدأ يقترب مني و يهدد بأصبعه…
كنت بين أمرين: إما أن أدافع عن نفسي لأثبت له ولغيره بأني غير خائف… ومن ناحية أخرى لا أريد أن أضيع فرصة نهاية قصتي.
ذهبت مع الشاب الأسمر وبعد أن صعدنا إلى مكتبه أغلقه بإحكام علينا، ثم بدأ يفتش أوراقه وأخرج تلك الورقة التي كتبتها لأطلب لقاء مدير شركة “الصينتل”، ثم نظر في الورقة وقرأ إسمي قراءة غير صحيحة ثم قال: أنا عارف عنك كل شيئ… ذكرني سؤاله باستجواب أقسام الشرطة الذين يوهمون رؤسائهم بأن الشرطي مثل الله (بكل شيئ محيط). ثم أردف قائلا: أنا ممكن أن آتي بك متى أريد… فأنت كتبت عن المرأة السودانية بأنها تعمل في الفلاحة وبأنها كانت خادمة…
في الحقيقة شعرت في البداية بأن علي أن أتوقف عن متابعة الحديث مع ذلك الشاب لسبب بسيط وهو أن الرجل حاول في البداية تخويفي، ثم حاول بعد ذلك احتوائي عندما كرر لي بأنه أكبر مني سنا وتجربة، ثم دخلنا في التاريخ المشترك بين السودان والشناقطة وقد أفادني بمعلومة وهي: أن سمارة الجسد السوداني هي نتيجة لحرقة الشهامة (وهي صفة أتفق معه فيها). كان يرفض أن يعطيني فرصة كي أدافع عن قصتي وأشرح له ما كتبته لمجرد أني ذكرت بعض الأمور التاريخية وقلت بأن المرأة السودانية تشترك مع المرأة الموريتانية فيها.
والسبب الثاني هو أن ظلم المرأة السودانية موضوع كفانيه أهله (الاتحاد النسائي السوداني والمحامي علي محمود حسنين رئيس الجبهة الوطنية العريضة) و أريده أن يظل شأن داخلي.
بعد ربع ساعة تحول الحديث من التهديد إلى لقاء أخوي مليء بالأحاديث الشيقة، فالرجل تأثر من معاملة امرأة ضيفته بكبش لها بين مدينة كيفة وكنكوصة، وأنا تأثرت بمعاملة طيبة لشقيق سوداني كان زميلا لي أثناء دراستي في إسبانيا.
و في الختام قال لي: الأخت سكينة تأثرت جدا من كلامك وكانت ستقدمك إلى النيابة…
قلت له: يا ليت، فساعتها ستكون مجبرة على أن تقدم للقضاء دليلا على أني أتحدث عنها أو عن شركتها. ثم لتجعل نفسك مكاني: حيث تدفع نقودك ثم يرفضون إعطائك فاتورة و تغلق في وجهك أبواب الإدارة فماذا ستفعل؟
بعد ذلك عرض علي -مشكورا- بعض الأشربة ثم طلب مني الاعتذار لسكينة السودانية لكني رفضت ذلك، لأنها لو كانت أعطتني فاتورة لما احتجت إلى الكتابة عن معاملتها الغير لائقة فهي برأيي سفير المرأة السودانية هنا ومن خلال معاملتها نحكم على غيرها من نساء السودان.
وأشير في ختام هذه القصة إلى أن الدستور السوداني في فصله الثالث (واجبات المواطن- د-) يقول: يجب على الموطن أن يجتنب الفساد والتخريب ويحول دون حدوثهما.
كما أن دستور موريتانيا في مادته الثانية يقول: الشعب هو مصدر كل سلطة. السيادة الوطنية ملك للشعب الذي يمارسها عن طريق ممثليه المنتخبين وبواسطة الاستفتاء، ولا يحق لبعض الشعب ولا لفرد من أفراده، أن يستأثر بممارستها.
بقلم : الدد ولد الشيخ إبراهيم
الصينتل كالوزارة أسوء مما تتخيل (2)
الصيــــنتل كالوزارة أسوء مما تتخيل (1) … قصة من الواقع
المصدر : التواصل