من المسؤول عن هجوم عدل بكرو..؟ (قراءة تحليلية)
شهدت مدينة عدل بكرو مساء أمس الثلاثاء عملية غير مسبوقة، حيث هاجم مسلحون بزي عسكري مقر فرقة الدرك الوطني بالمدينة واختطفوا أحد عناصرها واستولوا على بعض قطع السلاح، قبل ان يلوذوا بالفرارا مكبرين ومرددين شعارات تمجد القاعدة والمجاهدين.
وقد توجهت أصابع الاتهام فورا إلى عناصر تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي باعتبار الحرب المفتوحة بينهم وبين موريتانيا في تلك المنقطة.
وحتى ساعة كتابة هذه السطور لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الحادث، الأمر الذي يفتح المجال أمام الشائعات والتكهنات، والتحليلات.
وهنا تمكن قراءة الحدث ومحاولة استنتاج الجهة التي تقف وراءه عبر معطيات مختلفة ومتباينة، تباين أوضاع منطقة شمال مالي في الوقت الراهن.
فإذا ما نقاشنا الفرضية الأكثر تداولا الآن وهي مسؤولية عناصر تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي عن العملية، سنجد أنفسنا أمام معطيات تعزز تلك الفرضية وأخرى تستبعدها.
فلم يسبق للتنظيم أن قام بعمليات اختطاف تستهدف جنودا أو ضباطا موريتانيين، وإنما تعود تصفية من يقع في قبضته منهم، باعتبارهم يصنفون حسب فقه التنظيم “كفارا مرتدين” لا جزاء لهم إلا القتل، وانطلاقا من هذا المنطق تمت تصفية بعض أسرى الجيش الموريتاني على يد التنظيم في تورين والغلاوية، بينما أحجم التنظيم عن تصفية بعض الجنود في لمغطي، كمحاولة منه لإرسال رسالة للجيش الموريتاني ساعتها، وعملية الأمس في عدل بكرو كان واضحا أنها استهدفت اختطاف عناصر من الدرك وليس التصفية الجسدية كما تعود التنظيم سابقا، هذا فضلا عن أن التنظيم يلجأ إلى عمليات الاختطاف بحثا عن فدية مالية باعتبارها مصدرا أساسيا من مصادر التمويل، وليس في عناصر جيوش وقوات أمن المنطقة مظنة للفدية او دفع مبالغ مالية، خصوصا ونحن على بعد أيام من دعوة موريتانيا عبر وزير دفاعها إلى الامتناع عن دفع الأموال للتنظيم كفدية لتحرير الرهائن المحتجزين لديه، ضف إلى ذالك أن الدرك الموريتاني لم يكن يوما من الأيام على قائمة أولويات أعداء التنظيم، خلافا لقوات الجيش والشرطة.
وهنا تبرز فرضية استثنائية تعزز سابقتها، وهي أن الأمر قد يتعلق بعناصر من التنظيم كانوا في مهمة لم يكشف النقاب عنها حتى الآن، وتعذر عليهم تنفيذها، فقاموا بما اعتبروه أضعف الايمان وهو مهاجمة مقر الفرقة واختطاف أحد عناصرها، وهنا إن صح التوقع الأخير فإن العملية لا تعدوا كونها عبارة عن مبادرة فردية من قائد تلك المجموعة، ولم تأت من التنظيم بشكل مباشر، هذا إن لم يكن الأمر متعلقا بتطور في استراتجية التنظيم في التعاطي مع موريتانيا، وهو أمر إن حصل فإنه يعني تفاقم الأخطار وتصاعد وتيرة المواجهة، لكن يبقى ألأمر تحليليا مستبعدا نظرا للأوضاع الحالية في شمال مالي والتي تتطلب من عناص التنظيم التركيز على الوضع الداخلي، والوضع في شمال مالي حيث تغلي الأمور وتبدوا في الأفق القريب ملامح مخاض عسير لفترة قد تشغل التنظيم ردحا من الزمن، ولا توفر له من متسعا مكانيا وزمانيا لتوسيع نشاطاته وتغيير استراتجياته في التعاطي مع أعدائه البعيدين.
ومما يعزز فرضية اتهام القاعدة بالمسؤولية عن الحادث، ما نقل عن شهود عيان ان المسلحين كانوا يرتدون زي الجيش الموريتاني، وهو ما يتوفر لدى عناصر التنظيم الذين استولوا على بعض الأزياء العسكرية والسيارات والأسلحة من الجيش الموريتاني خلال السنوات الماضية، في لمغيطي وتورين والغلاوية وحاسي سيدي، إلا أن العارفين بالمنطقة يقولون إنه في شمال مالي كل شيء متوفر للبيع بما في ذلك ملابس جيوش دول المنطقة وعدتها وعتادها.
المعطى الثاني الذي يعزز فرضية اتهام قاعدة المغرب الاسلامي بالمسؤولية عن الحادث، هو ما نقل ايضا عن شهود العيان، من ان منفذي الهجوم كانوا يرددون شعرات تمجد القاعدة والمجاهدين.
وإذا ما سلمنا بأن تنظيم القاعدة هو المسؤول عن عملية عدل بكرو، فإن أصابع الاتهام ستتوجه مباشر إلى “كتيبة الفرقان” بقيادة التي يقودها الجزائري يحيى أبو الهمام، خصوصا فصيل “خالد أبو ذاكر الشنقيطي” واسمه الحقيقي “الميمون ولد امينهو” الذي ينشط في تلك المنطقة، وهو الذي قاد مواجهات “وغادو الأخيرة” مع الجيش الموريتاني.
لكن الأمر يبقى مجرد افتراضات تتعايش فيها نبسة الخطأ والصواب، ما لم يعلن التنظيم رسميا عن تبنيه للعملية، أو تتوفر مؤشرات أكثر جدية تؤكد على ذلك.
الاحتمال الثاني أن الهجوم كان من تنفيذ جماعة “الجهاد والتوحيد في غرب إفريقيا”، التي انشقت مؤخرا عن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي بقيادة سلطان ولد بادي وحماد ولد محمد الخير، وهنا تسعفنا مؤشرات جديدة بتعزيز هذا الاتهام، منها إعلان هذه الجماعة قبل أيام عزمها توسيع نشاطاتها إلى كل غرب إفريقيا، فضلا عن أن الأمر يتعلق بتنظيم جديد ربما يسعى للبحث عن لفت الانتباه إليه عبر عمليات يكون هدفها الأساسي الضجة الاعلامية أكثر من أي هدف آخر، بل ربما أيضا يرى عناصر التنظيم أن في إحجام زملائهم السابقين في القاعدة عن عمليات خطف العسكريين من جيوش المنطقة خطأ تكتيكيا، أو تأويلا شرعيا غير سليم، وانه لا فرق بين “كافر أصلي وكافر مرتد” حسب قاموس تلك الجماعات، فكلاهما يمكن اختطافه، وربما افتداءه أو قتله، وهنا يمكن القول عن اعتماد جماعة التوحيد والجهاد على مقاتلين ينتمي معظمهم لإحدى القبائل العربية في شمال مالي، الأمر الذي يمكنهم من التحرك بحرية وكسب تعاون محلي اجتماعي يساعدهم في سلاسة تنفيذ عملياتهم، غير أن هذه الفرضية تطرح أسئلة قد تساعد الإجابة عليها في إقصاء الفرضية أو تعزيزها، ومن هذه الأسئلة، ما الهدف من اختطاف عسكري برتبة متواضعة، وهل تستحق ضجة إعلامية مطلوبة مغامرة من هذا القبيل، وماهي نهاية العملية التي يخطط لها الخاطفون، هل هي الفدية أو التصفية، أو التسريح والمن بعد الوساطة، وهل ستكون الفدية المطلوبة لتحرير رهائن تيندوف من الغربيين المحتجزين لدى التنظيم مساوية لفدية فك اسر الجندي الموريتاني، وهل ستزيد تصفيته إن حصلت ـ لا قدر الله ـ من متاعب التنظيم الوليد في المنطقة عبر تعقيدات التدخلات الاجتماعية للقبائل التي ينتمي إليها الجندي في المنطقة، وتلك التي ينتمي إليها الخاطفون، مما يعني استعداء التنظيم الخارج من رحم البعد القبلي في معظمه، للقبائل الأخرى ذات الصلة الاجتماعية بالجندي المختطف، والتي تمتلك توغلا وتشابكا اجتماعيا مع قبائل المنطقة الأخرى.
هذا إن لم يتعلق الأمر بمجموعة ثالثة يبقى احتمالها واردا رغم ضعف المؤشرات على ذلك.
م.م. أبو المعالي
المصدر: وكالة نواكشوط للأنباء