الركوب على الأحصنة الخاسر
في السابق حين كنت أرى فارس البرلمان الموريتاني النائب المحترم ( القاسم ولد بلال ) وهو يمتطي أحد ” الجياد ” من إسطبلات (PRDS ) أو (UPR ) ثم يغير على “أعداء” ولي النعمة تارة وتارة تصيب سهامه ورماحه الأصدقاء ( خطأ طبعا ) ، حينها كنت ازداد إعجابا بهذا ” الفارس ” الذي ” يقاتل ” بتلك الشراسة والبراعة بالرغم من امتطائه لجواد خاسر ، وكم كنت أحس بالرغبة في التصفيق والزغردة حين كان سلاحه ( عفوا … لسانه ) يطيح بقطع الشطرنج المتناثرة في القاعدة ، لكن ولأنه لكل جواد كبوة ، ولأن الرجل يجيد ” القتال ” المتلاحم ، فقد جاءت كبوته مدوية ، جعلتني أبتلع لساني وهو يزغرد للبرلماني ” المغوار ” .
في مداخلة له خلال استجواب البرلمان لوزير الخارجية ، اختلطت الأشياء على النائب المحترم القاسم ولد بلال ، مثلما كانت تختلط عليه الجياد الخاسرة بدأ من PKM ، PPM ، AMD ، MND ، PRDS ، CD ، ADIL ،UPR،ELWIAM وانتهاء ب F. P ، وهنا
مربض الفرس ، فقد بدا ولد بلالي في دفاعه عن البوليساريو وكأنه يفتتح حملته الانتخابية من “الرابوني ” ، وذلك أمر مفهوم وله ما يبرره من ” إفلاس ” سياسي وقرب للانتخابات البرلمانية ، وقد سبق للرجل – حسب بعض المصادر الإعلامية – أن استنجد بقيادة البوليساريو لحث الصحراويين المقيمين في مدينة انواذيبوا على التصويت له ، غير أنه في هذه المرة تجاهل بعض الحقائق الأساسية التي إن غيبها سيجد نفسه في النهاية مضطرا لركوب الحمير لا ” الجياد ” ، ومن أهم تلك الحقائق أن أغلب الصحراويين لم تعد أعينهم مغمضة عن المتاجرة بهم وعرفوا أن ” القيادة ” التي يستنجد بها في مواسم الانتخابات لم تعد رشيدة ، ولم يعودوا ينتظرون عطسها للتشميت . ولعل النائب المحترم لم يقرأ نتائج مؤتمر البوليساريو الأخير وردود الأفعال عليه القراءة الصحيحة كي يعرف أن فاقد الشيء لا يعطيه ويبحث عن جواد غير خاسر يركبه في مسيرة الترحاب السياسي الطويلة التي بدأها منذ أيام رفاق الكدح ، ففي الوقت الذي كان يدشن “حملته” تحت قبة برلمان كنا نظنه – إلى عهد قريب – موريتانيا ، كان الشبان الصحراويون في المخيمات يستقبلون العائدين من ” اتفاريتي ” بعد جلسات العبث بشعارات ذات دلالة لم يسبقهم إليها أحد ، فحين كانوا يكتبون على الشوارع بخط عريض ” ارحل ” فكأنما كانوا يقولون لرفاق القاسم : ” لم يعد لكم الحق حتى في السير على الأرض فلتحلقوا في السماء أو لتتبخروا في الجو”. وفي نفس الوقت أيضا كانت عدة أطياف من المعارضة الصحراوية ( بما في ذلك معارضة المخيمات ) تنظم أياما تشاورية هي الأولى من نوعها في انواكشوط من أجل توحيد جهودها للعمل على إيجاد آلية لإزاحة قيادة البوليساريو التي ترى هذه المعارضة بأنها لم تجلب للصحراويين سوى المآسي .
حين كان النائب المحترم ( ولد بلالي ) يرد على زميله النائب المصطفى ولد عبد العزيز -الذي لا نشكره على إثارته لقضيتنا نحن ضحايا البوليساريو من المتطوعين الموريتانيين في صفوفها ، لأن ما قام به نعتبره جزء من واجباته اتجاه كل ضحية موريتاني – كنت أتمنى عليه أن يصحح مفهومه عن الضحايا الذين تحدث عنهم زميله ، أما وقد ذهب إلى ما ذهب إليه من المقارنة بيننا وبين من ماتوا في الحرب ، فإنه يكون قد حز في غير مفصل وتسبب في ألم أكثر وكأنه يدعو الأحياء منا لنسيان إخوتنا الذين ذبحهم رفاقه بدم بارد ، خاصة أن دافعه – كما يقول – هو الخوف على موريتانيا والموريتانيين ، وما دامت المسألة مسألة مقارنات فإننا ندعو النائب المحترم إلى التمعن في بعض المقارنات ، ليرى كيف أخطأ العنوان حين طعن ولو بصورة غير مباشرة في مطالبنا ، ويدرك أن عليه إغلاق باب المزايدة على من كان جزء من القضية التي لا نعتقد أنها بالنسبة له سوى ” جواد ” من الجياد الخاسرة التي تعود ركوبها .
عندما يلبي رفاق دربك المقربين ( يا سيادة النائب ) نداء البوليساريو وتتخلف أنت عنهم ليموت محمد محمود ولد ابدادي في معتقل الرشيد تحت سياط الجلادين ، ويقضي في المعارك كل من النني ولد مولاي الزين وسهله ولد الداف ، بينما لا يزال بوبه ولد الطيب يحمل نياشين معتقل الرشيد على ظهره وفي يديه ، فهل هذا – على بشاعته – مسوغ كي نبعد عنا روح محمد موسى ولد المختار ومحمدن ولد أحمد يامر وعالي ولد آشليشل وأحمد فال ولد أبهاه ، وغيرهم كثيرون ؟ وهل هو مبرر للعزوف عن تهجي الحروف اللاتينية على جسد محمد ولد خطري وأعمر ولد السيد .
حين يركب أحدهم الريح حاملا روحه في كفه ليفدي بها إخوة له ، أيكون أجدر بالمصداقية أم ذاك الذي تخلف منشغلا بترويض الجياد الخاسرة وركوب أية موجة ثم يميل معها حيث تسوقها الرياح ، وإن كنت لا أعتقد أن الإجابة ستكون سهلة على من لم يجرب حمل الروح في الأكف وترويض الريح ؟.
لك الحق يا سيدي أن تهش لتحفز حصانك الخاسر وأن تتسر وراء مصلحة موريتانيا لتقنع نفسك وحدك بأن الجلادين والقتلة ملائكة مكرمون . لكن الذي أعتقد أنه ليس من حقك هو التنكر لمعاناة ضحية يأسف عليها حتى جلادوه ، لأن هذا الضحية بمنتهى البساطة لم يوقع لك صكا على بياض يعفيك من الدفاع عنه كموريتاني أحرى أن تلغي حقه ، إلا إذا كنت برلمانيا موريتانيا مع وقف التنفيذ .
أما عن تصنيفك لنا أو لبعضنا بأنهم عملاء للمغرب فتلك قصة أخرى تحتاج لتأصيل قانوني بعيدا عن المزايدات الخرقاء وفي أسواق السياسة الوسخة ، ولغة الأخشاب والصور النمطية ، ومع ذلك فإنك يا سيدي تكون واهما لو تخيلت يوما أن لغتك المتيبسة كقرون الوعول وأفكارك المتحجرة كالماموث ستنسينا ما لو لم تتخلف عن الرفاق وتعرضت له لجلدت بلسانك كل حرف في كلمة البوليساريو . فأرفق بنفسك – سيدي – وحاول الإقلاع عن ركوب الأحصنة الخاسرة .
محمد فال ولد القاضي
الأمين العام لجمعية ذاكرة وعدالة
memoireetjustice@yahoo.fr