كذب برلماني بالوكالة !

-* السيد النائب سيد محمد ولد محم .. يكفي !

قبل أيام من الآن سمعنا عن طائرة موريتانية محملة بالأدوية والمواد الغذائية أرسلها الجنرال عزيز إلى الكونغو الديمقراطية لمساعدة الحكومة والشعب الكونغوليين في التخفيف من وطأة الحادث الذي تعرضت له هذه الدولة.. قلت في نفسي: “ما في المدينة أحوج منا يا رسول الله”، أو لم يقل رسول الله صلى الله عليه و سلم “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ..”؟.. تذكرت حين كنت صغيرا أسكن في عين السلامة (شمال أبيتلميت) في حي استعبادي إقطاعي جاهلي… بائس، وكانت الصدقات ترسل إلى أحياء مجاورة له حيث يوجد الفقراء من البيظان. أما الفقراء من العبيد في حينا والأحياء المجاورة فلا تعطى لهم هذه الصدقات ولا حتى الزكاوات (إنه الفقه الإستعبادي الذي تعودنا على تمجيده من لدن المسلطين على رقابنا منذ الأزل، و الذي يطلب منا اليوم احترام أئمته !).

يبدو أن قضية الطائرة قد أثيرت في نقاش علني في البرلمان الموريتاني. ويبدو أن صوت الحق قد وصل إلى داخل قبة البرلمان عن طريق النائب صالح ولد حننا. فقال ما قاله الكثيرون ممن لا منبر لهم مثلي . قال النائب إن “ما تحمله هذه الطائرة كان أولى به أن يرسل إلى سكان آدوابه الذين يموتون جوعا و مرضا ” ويحرمهم البوق محمد الأمين ولد الشيخ (نائب اركيز) من حقهم في الحصول على نائب ثالث في البرلمان “حفاظا على التوازنات” (أية نكتة هذه!). أولئك الذين يموتون جوعا ويصل قرص التسجيل محمد ولد ببانه على حسابهم إلى البرلمان ويرحل من المعارضة إلى الموالاة مقابل منصب قنصل لأخيه في السعودية، أولئك الذين يموتون جوعا و يبيعهم سيد أحمد ولد أحمد قبل أن ينقلب مطربا من الطراز القديم يسب و يمدح بحثا عن منصب يكرس به “اتكنتيه”، أولئك الذين يموتون جوعا ويبيعهم “الانتقالي” كابه ولد اعليوَه في صفقات لا تتجاوز عائداتها عائلته …

وفي رده على مداخلة النائب صالح ولد حننا، قال النائب (الاسلامي الهارب أواخر الثمانينات) سيد محمد ولد محم (رئيس الكتيبة البرلمانية التي ساعدت بازب في انقلاب 2008) إن “مساعدة الكونغو لها ما يبررها، وهو أن في هذه الدولة الكثير من رجال الأعمال الموريتانيين الذين يعيلون الكثير من آدوابه!”. لم تكن تلك كذبته الأولى طبعا، ولا أخالها الأخيرة أبدا.

غير أن النائب مريم بنت بلال، بإيجازها المعهود وبكلامها القليل في شكله الكثير في معناه، ردت عليه بما يشفي الغليل. لكن بقي ما يقال حول محاولة رئيس الكتيبة البرلمانية تبرير تصرفات لا يقبلها عقل المعتل ، لذلك سوف أقدم مجموعة من الملاحظات لأشرح، على طريقتي لمن لم يتابع هذا النقاش، بعضا مما جاء في مداخلة ابنة آدوابه.

ـ إنني أتفهم جيدا التناقضات التي تقعون فيها أيها السادة النواب الموالون للنظام؛ فأنتم تحاولون في كل مرة إعطاء معنى لما لا معنى له من تصرفات الجنرال وزبانيته. ونحن وأنتم والآخرون نعلم وتعلمون ويعلمون أن الجنرال لا يستشيركم في ما يقوم به ولا يشعركم به إلا كما يشعر به غيركم. ومهمتكم تتمثل فقط في تبرير تلك الأفعال، وهي مهمة صعبة خاصة أن الأحداث تتوالى وكلها أخطاء وزلات وهفوات، ويظل دوركم أنتم مقتصرا على التبرير وتبرير التبرير، لذلك تكون حججكم في الغالب واهية ومضحكة ومخجلة، كمحاولة الذنـَـب والذنـْـب (من الأذناب والذنوب)، المدعو ولد محم، تبرير الحرب بالوكالة التي يقوم بها النظام الموريتاني في حين تتهرب منها القوى العظمى.

ـ إن قول النائب ولد محم بأن “رجال الأعمال في الكونغو يقدمون لقمة العيش لأهل آدوابه” عار من الصحة. والدليل على ذلك هو أن هذه الدولة(الكوغو) يوجد فيها تجار من قبيلة واحدة معروفة، وكلهم من البيظان، و لم يعرف عنهم إشراك أبناء آدوابه في تلك التجارة، وإلا لما كان هناك ما يسمى بمثلث الفقر! فأين هم رجال الأعمال الذين تتكلم عنهم يا قائد الكتيبة؟ وما هي المدرسة التي شيدها هؤلاء لصالحهم؟ وما هي الحنفية التي وضعوا لسكان لعويسي أو الغبره أو كلير؟ ما هي الفيلا الوحيدة الكبيرة التي يملكها حرطاني واحد في كرو يعمل في الكونغو أو لا يعمل بها، علما أن تجار القبيلة يحتكرون التجارة في هذه الدولة لمصلحة أبناء العمومة .. لكن ليس فيهم حرطاني واحد، رغم أن التجار هناك جلبوا للمنطقة كل “شيء”.

ـ لو سلمنا جدلا بصدقية ما قاله نائب أطار، المنحدر من مدينة بتلميت التي تخلى عنها بشكل مشين بعد وصول ابن عمه للسلطة، فلنا أن نتساءل: لماذا يحتاج مواطنون في دولة غنية بالذهب والنحاس والسمك والزراعة والبترول إلى رحمة تاجر موريتاني في الكونغو؟ أين الدولة الموريتانية؟ ثم ألا تمثل هذه شهادة من رئيس المحكمة العليا على استمرار الإستعباد والتبعية! بحيث تتعامل الدولة الموريتانية مع الأسياد الإستعباديين مقابل إشرافهم هم على آدوابه.. “خذ خيرهم ولا تجعلهم وطنا” أو بالأحرى “خذ مصيرهم واركب مآسيهم ولا تجعلهم مواطنين أبدا”.

ـ إن الفقراء في موريتانيا يزدادون يوما بعد يوم، وهم أحوج للمساعدات الغذائية والأدوية من أي شعب آخر، خاصة أن ما تعانيه آدوابه دائم بدوام الحيف، مستمر باستمرار أساطين الإقطاعية.

ـ إن الفقير اليوم لا يجد فرصة للعلاج في مستشفيات الجنرال على الرغم من تزايد عددها وتنوع اختصاصاتها، لكن لا مكان فيها لمن لا يملك نقودا أو لمن يـُـملكون كالنقود (أي الحراطين).. لقد أصبحت كل المستشفيات تجارية بامتياز ! قد يقول لي مستهتر إن سعرها مخفض ! نعم، هذا صحيح، لكن ما ذا عن المعدم الذي لا يملك عشرين أوقية والذي يستيقظ في جوف الليل وطفله مريض، وليس في جيبه إلا بقايا من غبار دعايات ولد عبد العزيز؟ هذا في العاصمة انواكشوط، فما بالك بآدوابه التي يقول النائب ان مصدر رزقهم رجال أعمال الكونغو الذين كانوا قد استعبدوهم وحرموهم الدراسة ومنعوهم من تعلم أحكام دينهم، واليوم يقدمهم ولد محم (بالوكالة كعادته) على أنهم يسهرون على شؤونهم ! فلعل هذه رسالة مشفرة تطلب العون للنائب محمد ولد ببانه من تجار الكونغو لمساعدته على الحصول على أصوات آدوابه بمنطقة باركيول ليحصل من خلالها على منصب أهم لأخيه القنصل أو على دريهمات تذكي فيه هو نار الهجاء.

ـ من الواضح أن هذه الطائرة بحمولتها هي مكافأة من الجنرال الارعن للنائب ولد ببانة على كلامه الساقط ووقوفه وتهديده للنائب السالك ولد سيد محمود على شاشة التلفزيون ! ترسل هدية للكنغو مغازلة لتجار القبيلة ، تساعدهم على التهرب من الضرائب او الحصول على صفقات تجارية من حكومة الكونغو، أما سكان آدوابة فالتجار كفيلون بهم لأنهم يعيلونهم كما قال الصديق نيابة عن صديقه ! هذه موريتانيا الجديدة !

أيها الإخوة النواب الموالون للجنرال، كفاكم انتهاكا لحرمات الله ! كفاكم شربا لدماء لحراطين ! إنكم تأكلون وتشربون عرق جبين لحراطين ! كما يفعل محمد ولد شيخنا في مناء الصداقة! فكيف تفسرون بياض البرلمان و المكاتب و قيادات الجيش، وسواد الشوارع وآدوابه ! ؟ إنها عنصرية الدولة التي تجعلنا – معشر لحراطين- لا نؤمن بوطن … ترسل المساعدات للفلسطينيين والأزواديين والكنوغوليين ولا ترسل لآدوابه البائسة لأن “للبيت رب يحميه”.. أ يكفي آدوابه أن أسيادهم القدماء رجال أعمال هنا أو في الكونغو أو في الصين؟.. فعن أي دين تتكلمون يا موريتانيين؟؟؟

1-42.jpg
ابراهيم ولد بلال ولد اعبيد

نائب رئيس إيرا ـ موريتاني

Brahimabeid@yahoo.com


قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى