لحراطين بين خطيئة الاسترقاق وديمقراطية العصر

لحراطين أو الحراثين بتعبير مختلف وتسميات كثيرا ما تحمل معنى الدونية مقارنة بالعنصر الأبيض, مما جعل البعض يسميهم السودان نسبة إلى اللون الأسود تميزا وليس إلى بلاد السودان والسودانيين باللهجة الحسانية, هم مجموعة عانت في أغلبها الاضطهاد والاستعباد فترات طويلة من تاريخ البلاد الموريتانية التي لم تعرف وحدها هذه الظاهرة البشعة في استخدام الإنسان لأخيه. وفي ظروف كثيرا ما يحكمها الطابع الاقتصادي حتى في مقاصدها الحربية والسياسية, وهو ما يبرره اختلاف وتغير نمط التعامل مع مجموعة من هذه الفئة كلما غيرت من مستوى وضعها الاقتصادي هذا نحو الأحسن ما يمنحها ألقابا وأسماء ك( خذري, أو ألا حد من الناس..) تخفف نوعا ما من زخم دونية التسمية القديمة التي يربطها بعض البيظان بالتحرر بعد الاستعباد قائلين الحراطين من( حر الوطن), وهو معنى بعيد جدا عن طبيعة التسمية الصحيحة من تحول كلمة واحدة إلى أخرى مركبة. خاصة أن أسلاف لحراطين لم يخضعوا كلهم لهذه الظاهرة. والكلمة أقرب إلى العمل الذي عرفوا بمزاولته: الحرث أو الزراعة, ومنطقي جدا انحراف حرف الثاء ليصبح طاء, لضرورة النطق والتداول.

وببدو أن المفهوم شائع في العنصر البيضاني ولم يسلم منه المتعلم فقد سمعت مرة داعية يبين قبل حضور الإمام يوم الجمعة يربط الصحابي (سلمان الفارسي) بلحراطين, قائلا في رواية ما معناه أنه لم يمنع من مزية أمام الصحابة لأنه حرطاني. وهو ربط غير منطقي وليس مقبولا, فالعبودية عرفتها مختلف أجناس البشرية أبيضها وأسودها وخليسها, ولم تكن يوما عائقا في تأمر الرجال وتشيدهم القصور, بل بنائهم المدن والدول عبر التاريخ, وهو ما دعمه ودعا إليه الإسلام الذي جاء ليحرر البشرية. وعليه فمن الخطأ أن تنسب العبودية في مجملها إلى فئة لحراطين, لأن الأسس التي تقوم عليها الظاهرة أسس هشة وظرفية تزول بزوالها, وبحكم القاعدة الكونية المتجسدة في بيت الشابي :

خلقت طليقا كطيف النسيم & وحرا كنور الضحى في سماه.

فوراء كل استعباد قصة حتى أن هناك من رهن نفسه وباعها مقابل توفير العيشة الكريمة لعائلته وأبنائه.

ومن هذا المنطلق كثيرا ما يقع بعض الموريتانيين في مغالط بربط الفقر والمرض والجهل عادة بلحراطين الشيء الذي يدفعهم أحيانا إلى إحالة بعض الأعمال الدونية إليهم كذلك, وهو ما استشفه بعض الدراسيين لأوضاع البلد في ربط عمل بيرام ولد الداه ولد أعبيدي و إقدامه على حرق بعض الكتب الفقهية من المذهب المالكي بلحراطين ووصفه بعمل حرطاني, وهم أول من استنكر ذالك العمل, وتكفيهم شهادة العلامة: (محمد ولد سيدي يحي) ووصفهم بأكثر عناصر المجتمع الموريتاني نصرة للإسلام وغيرة عليه. وأعزاء هذا الفعل إليهم كما يعزى العمل الدنيء إلى البربر, – فيقال عمل بربري بالمفهوم الفرنسي – هو ما يفقدنا الفهم الصحيح للديمقراطية وأسسها, وقد يذهب بنا إلى أبعد من ذلك في نشب الفتن والخلافات التي نحن في غنى عنها, وعلى الآخر الاستنكار دون تصفية حسابات.

وبما أن المثل يقول: (كل شاة تعلق بساقها), فيجب أن نفتح جيد الأعين ونحاول تجاوز بعض المفاهيم التي لا تخدم وحدتنا الوطنية, بل كثيرا ما يستخدمها البعض لتفرقتنا, والنيل من تماسكنا. وعلى لحراطين أن يكونوا أكثر حضورا وغيرة على وحدة البلد وذاك بزرع المزيد من الثقة بالنفس و المساهمة بطريقة إيجابية في دفع عجلة النمو إلى الأمام في التعامل مع الآخر – أيا كان – الند بالند انسجاما مع مفهوم الديمقراطية, وهو ما لن يتسنى دون دعم الجهات المعنية وعلى رأسها الحكومة جميع عناصر هذا المجتمع ومساعدتها فيما يخدم المساواة في الحقوق والواجبات.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى