الانتخابات التشريعية الجزائرية : تزكية لموقف تواصل

قرأت بتمعن وفي ما راء السطور مقال الأخ يعقوب ولد أحمد ولد حمين وهو مقال جيد من الناحية المنهجية, ولكن صاحبه أخطأ التأسيس الفكري وأرضية التحليل واستبطن تهجما وتحاملا على حزب تواصل أفقده الموضوعية فتجاهل الأساس الفكري لتواصل وتعامله مع الأحداث الوطنية والإقليمية والدولية لا يخلو من نزوة ذاتية.


أ ختلف مع الأخ في نقطة البدء والتأسيس وأختلف معه في تحليل الأبعاد الجيو- استراتيجية وتنزيلها على واقعنا, فالحكم بأن الانتخابات التشريعية الجزائرية أبانت عن نكسة للإسلاميين وأنها فاجأت أهل تواصل غير مسلم به , فالنتيجة كانت عادية وطبيعية ومتوقعة

– لأن المرجعية الفكرية للإسلاميين تجعلهم يعتبرون الفوز والنصر ابتلاءات فتنتابهم الدهشة ويتملكهم الوجل من نصر لم يأخذوه بحقه ويصرفوه لله وفي طاعته أو فشل لم يتذكروا ويبصروا بسببه

– لأن الوضع السياسي الجزائري مختلف تماما عن الأوضاع السياسية في دول الربيع المبارك التي تفككت فيها مافيا الفساد السياسي والمالي ولعبت فيها الإدارة والمؤسسة العسكرية دورهما الطبيعي وموقفهما الحيادي تجاه كل الفرقاء فاختار الشعب الأقرب لفطرته ووجدانه والحامل لهمومه وأوجاعه, بينما ظلت الجزائرترزح تحت هيمنة حزبين للدولة أحدهما برئاسة رئيس الجمهورية والآخر برئاسة رئيس الوزراء كما ظلت المافيا العسكرية والمالية تلعب ذات الدور القذر من ترهيب وابتزاز وفرض للتصويت لصالح جهة محددة داخل الثكنات – وهو نفس الدور الذي كانت تلعبه قبل الثورة في مصر وتونس والمغرب واختفى- وبقيت الإدارة خادمة لطرف سياسي ومسخرة لتنفيذ أجندته, فظلت الفرص غير متكافئة ومؤشرات الشفافية مفقودة , مما انعكس على سلامة الاقتراع من التزوير بدليل استغراب اللجنة المستقلة لانتخابات لإعلان النتائج من طرف الداخلية والفرز لا يزال جاريا في ولايتي الجزائر ووهران ….. وتقديم أكثر من ستين طعنا في اليوم الأول, هذا المناخ السياسي الفاسد في الجزائر هو نفسه المناخ السياسي في موريتانيا حيث جنرال متمرد يغتصب السلطة ويحكم بمافيا عسكرية ومالية وحزب للدولة يتشكل كالجان مع أي حاكم , وإدارة فاسدة مسخرة لتنفيذ أجندة طرف سياسي ينهب مقدرات البلد ويبددها لتحقيق نزواته , هذا الواقع هو الذي جعل أهل تواصل يرفضون الترقيع والالتفاف على التغيير وتزوير إرادة الناخب في أي انتخابات قد تنظم مما يزكي موقفهم ويجعلهم على حق عندما يطالبون بإصلاحات عميقة تتيح الفرصة للجميع وتجعل الإدارة والجيش على نفس المسافة منه.

– لأن في الساحة الإسلامية الجزائرية مكونا مهما وأساسيا لا يزال محروما من حقه في التنظيم وممارسة العمل السياسي هو الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي ظلمت وحرمت حقها في الفوز 1992 ورغم هذا حصل الإسلاميون على المرتبة الثالثة وهي طبعا المرتبة الأولى لو كانت الظروف مواتية والفرص متكافئة .

ومع هذا فإنني أقدر للأخ نصيحته التي يقدم لتواصل وأهله من يخدمون الإسلام ولا يستغلونه فالذي يستغل الإسلام هم الأدعياء الذين لا يتمسكون به لا شكلا ولا مضمونا ولا يتذكرونه إلا عند الحاجة وحين يتذكرونه يكون ذلك بطريقة عاطفية فجة بغرض الحصول على تعاطف مفقود, أو من يتخذ مواقفه ويحدد خياراته ثم يدعو العلماء والمشاييخ للتبرير والتأصيل- هذا هو استغلال الإسلام –

نعم سنستخلص العبر وسنؤسس على ذات الأبعاد الجيو- استراتيجية ولكن لن نؤسس على نفس الخلفية ولن ننطلق من ذات الأرضية, لأنني أرى في ذاك التحليل غرابة وهوى جامحا وقفزا على الأحداث فإقحام العشرية السوداء والجبهة الإسلامية للإنقاذ واعتباره سببا للتصويت العقابي للإسلاميين كما تزعم لا يخلو من تعسف : لأن الانتخابات الماضية أقرب إلى الأحداث التي وإن اعتبرناها محددا في التصويت كما تدعي لما حصلت “حمس” وحدها على عدد من المقاعد أكثر مما حصل عليه تحالف “الجزائر خضراء”اليوم , ولأن الشعب الجزائري مقتنع بأن العشرية السوداء هي صناعة استخباراتية بعد ظلم الجبهة وحرمانها من حقها الانتخابي, ولو افترضنا أن المتطرفين الإسلاميين ضالعين فيها فذلك بسبب الظلم والحرمان, وهنا أسجل استغرابي من تجاهلك لمصادرة النصر الانتخابي للجبهة وعدم الحديث عن مخالفة ذلك لأبجديات قواعد اللعبة الديمقراطية, وأستغرب كذلك حديثك عن عزوف الناخبين عن اختيار الإسلاميين والتوجه لفضاءات أخرى هل جبهة التحرير وحزب أويحي فضاءات أخرى أو فاعلون جدد؟ هذا تدليس …..

أما إسقاطاتك الموريتانية ومؤشراتك على أن تواصل واقع في ذات الخطر ففيه تحامل و افتراء وتناقض, فوصفك لخطابه بالراديكالي غير منطبق لأن الراديكالية شحنة فكرية تتأسس على مرجعية مختلفة عن مرجعية تواصل, بينما الواقع أن تواصل زاد من جرعة المعارضة الناصعة في خطابه ملتزما بضوابط السلمية والفاعلية والصرامة مع استغلال الحق القانوني في التظاهر وجميع أشكال التعبير المتاحة قانونا كاملة غير منقوصة , بعد أن وصل وضع البلاد لدرجة لا تطاق من نهب للثروات واستشراء للفساد والزبونية والتضييق على الحريات وعدم المسؤولية في سياسات محاربة الغلاء والتخفيف من آثار الجفاف والفشل في سياسات التعليم والصحة والعلاقات الخارجية والترتيبات الأمنية, وتعطيل المؤسسات والفشل في إجراء الانتخابات, فليس هناك من داع لمراجعة الخطاب في هذه المرحلة الفاصلة من تاريخ البلد إلا إذا كنت تعتقد أن السكوت عن الفساد والاستبداد والنهب والظلم أولى من تحمل المسؤولية في مواجهته ويبدو التناقض جليا في استطرادك أن تواصل في خطر – يعني الفشل الانتخابي- لتشابه خطابه بخطاب الجبهة الإسلامية للانقاذ ومعروف أن خطابها هو ما بوأها الصدارة في تلك الانتخابات فأين مكن الخطر ؟ و أنت تعرف أن تواصل لا ينتمي لنفس المدرسة الفكرية للجبهة وهو ما يعني أن الخطر في المستقبل من تبني خطابها ليس واردا, أما انحدارك نحو دركات الافتراء فتجلى في نكرانك لموقف تواصل الذي انفرد به من بين جميع الأحزاب الوطنية فأصدر بيانا من اللجنة الدائمة وبيانا عن رئيس المجلس الوطني و وخصص للرئيس مقطعا من محاضرة للتنديد بهذه الفعلة المشينة , ونظم الحزب مهرجانا خاصا بالتنديد بحرق الكتب الفقهية وتجمعات في العديد من أقسامه في الداخل, ثم إن أهل تواصل لا يزايد عليهم في حماية الثوابت فأولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه, لكننا لم نستغل الحدث سياسيا لنخفف به الاحتقان ونغير به اهتمام الساحة لأننا لسنا في حاجة لذلك,ولن يسعى لإثارة الفتن في مجتمع فئوي يحرص على تجميعه كما فعل ولد عبد العزيز في الجامعة وكما يجتمع بالزنوج وحدهم وأئمة لحراطين وحدهم في تكريس للفئوية والطائفية , أما قولك أننا حلفاء بيرام و”إبرا ” فليس لك من دليل إلا مقاطع تبثها إذاعة ولد عبد العزيز مجمعة ومنتزعة من سياقاتها بطريقة تفتقد الأمانة والمهنية والصدق, ثم كيف تسمح لنفسك ويصوغ لك أن تبعدنا عن الهبة الشعبية ضد المحرقة ألسنا جزء من الشعب ؟ هل هذه المسيرات العفوية كانت منظمة من طرف حزب أو جهة معروفة ؟ كنا ضمن هذا الحراك العفوي بل كنا قادته ومحركوه لكن بطريقة شعبية وهذا أفضل بالنظر لوضع البلد وتركيبة المجتمع, وكتزكية لموقف أهل تواصل وحصافتهم في التعاطي مع الحدث لك أن تقرأ المعطف الخطير للأحداث مسيرات عرقية ودعوات عنصرية ومناداة بإسقاط دولة البيظان وشعور بالانتقائية في تطبيق القانون والشريعة جراء الاستغلال الشعبوي والسياسي للحدث من طرف النظام , ولتسمح لي في هذه فلست في وارد تقديم النصح لأهل تواصل من تعرفهم منابر المساجد ورحلات الدعوة وحلقات الذكر في ليال القر وأيام الحر ولتسأل سكان آدوابه وكل بؤر الجهل والأمية وغير الناطقين باللغة العربية .

أما على الصعيد الإقليمي فمفردات التحليل غير ناهضة بدليل أنه لم يكن في الجزائر تصويت مضاد كما تزعم , ثم إن الإسلاميين كجزء من المشهد السياسي الانتخابي لم يوصفوا يوما بالعنف ولا بالدعوة له والمجتمع العربي في تونس ومصر واليمن وموريتانيا يعرف ذلك فهذه مغالطة وتدليس, وتلبيس كذلك ومجانفة للحق قولك إن الحركات الإسلامية هي البادية بالطعن في مؤسسات الدولة , والواقع أن الحركة الإسلامية ظلمت وسجنت وسلبت كرمتها وحرمت حقها في التنظيم والتجمع فترات طويلة من طرف أنظمة قمعية عسكرية أحادية في مصر وتونس وليبيا واليمن وموريتانيا ……إلخ , ومع ذلك صبرت واحتسبت وظلت حريصة على السلمية والحضارية , وبالتالي فإن القول بأن تصويت الجزائريين يشكل ملجأ ضد الإرهاب والتطرف وعصابات الجريمة المنظمة فيه احتقار لعقول القراء, ويشكل توصيف الخطاب التواصلي بالمتطرف والداعي للثورة وتهييج الشارع محض افتراء وفي هذا السياق يقول الأخ جميل “إن الثورة فعل شعب وليست شأن أحزاب إن قررها لا يستطيع حزب ولا نظام أن يمنعها ” ومع ذلك فإنني أعتقد أن الربيع العربي أنقذ شعوبا وحطم طواغيت وأن التعثرات الحاصلة هي بفعل تجذر الفساد وفلول المفسدين , وأن بلدنا ينبغي أن يتأثر بالتطورات الحاصلة في الدول الشقيقة على نحو يكون فيه الإصلاح أعمق والعبرة أكبر, ولم يكن موقف تواصل غامضا في شأن محاربة الإرهاب والتطرف بقدر ما كان واضحا من حيث اعتبار محاربة الإرهاب واجب الجميع في إطار رؤية استراتيجية يشكل البعد الأمني أحد محاورها, ومن حيث ضرورة حماية الحدود والحوزة الترابية, ومن حيث مؤازرة القوات المسلحة وقوات الأمن في ساحة الوغى وفي خضم المعارك ( بياناتنا شاهدة على ذلك), لكنه يتحفظ – وهو محق في ذلك-على القرار السياسي الذي يزج بقواتنا المسلحة خارج الحدود على أرضية ميدان لم تخبرها من غير تنسيق إقليمي استرضاء لقوى أجنبية وتنفيذا لأجندتها ومحاولة لتخليص أسراها, فموقفه أن موريتانيا ينبغي أن تتحرك ضمن تحالف إقليمي حتى لا تتحمل وحدها تبعات الإنفراد بمواجهة عصابات في صحاري شاسعة دون جدوى, ومما يزكي موقفنا أننا لسنا وحدنا في هذا الموقف فكل القوى السياسية الوطنية لها نفس الموقف ( بيجل , مسعود , ولد الوقف ……), واستغرب ذكرنا وحدنا في هذا السياق.

أما على المستوى الدولي فإنني أتحفظ على تحليك حول توجس الشركاء في التنمية خيفة على تسيير الإسلاميين في ظرف اقتصادي عصيب وهم أصحاب كفاءة وأهل أمانة لكني سأحتفظ به لمحاججة بني مدرستك المناهضين للتغيير والثورة القائلين بمؤامرة الغرب مع الإسلاميين في إحداث الربيع المبارك, أما في موريتانيا فقد كنت نشازا في توصيفك لمهزلة أمل 2012 بالخطة الاقتصادية التي تمت من أجلها تعبئة الموارد وعالجت الاختلالات الناجمة عن الجفاف, فأنت تبدو في كوكب آخر أولم تسمع عن نفوق المواشي بسبب الإعياء والتسمم والمرض لأن الأعلاف منتهية الصلاحية وأن صفقتها منحت لمقرب من ولد عبد العزيز, أدعوك لزيارة المناطق الرعوية ( الحوضين, لعصابة , لبراكنة و كوركل , كيدماغا..) لتعرف كيف كانت هذه الخطة هزيلة محتقرة للمواطن بل مؤامرة عليه وعلى مواشيه حيث ظل حبيس الأماني حتى أدرك حيواناته الهزال فنفقت, هل تريد من تواصل أن ينخرط في تأييد مؤامرة وكذب وديماغوجية .

وأخيرا فلتسمح لي لأقول لك أن هذا التحليل كان ملئا بالمغالطات والتناقضات والتدليس ( الخلط المقصود ) كان الأولى بك أن تسقطه على واقع مخالف لما هو في الجزائر وموريتانيا و أن تبحث عن بالونة اختبار ليس حزب تواصل فلم توفق في الاختيار وكنت من الخاطئين.
والله من وراء القصد

سيداب ولد سيد عبد الله

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى