حادث سير مروع آخر..محمد سالم ولد الصوفي
تدمع العين ويحزن القلب وتقبض الروح ولا نقول إلا ما يرضي الرب، حادث سير مروع آخر يقض مضجعي، كبدي التي احترقت يوم حادث ذي الخلال والخصال، توأم روحي، حبيبي وقرة عيني، يحترق هشيمها اليوم في حادث فتى الفتيان، نوارة الزمان، المفرد بين الأقران، المتمثل أشعار الفرسان، الشاعر العالم الصرعة الطيب الأصل والعف اللسان، الكريم الجواد السيد ابن السادة من عدنان، محمد سالم ولد الصوفي الماجد الجميل المتواضع المهاب الفائز بالسبق عند الإحسان، صاحب العز التليد والشان.
في أول لقاء بيننا ضمن مجموعة من الشعراء والمثقفين تعرفت عليه قبل أن اعرف من هو، وجهه البهي والجميل، بشاشته الغير متكلفة، حديثه الجزل، شعره العذب، كرمه الزائد، اعتداده بنفسه وعشيرته، روايته الدقيقة للسير والأنساب، علمه المفيد، أدبه الظريف والطريف، لباسه وهيأته، اذا تكلم انصت الناس، واذا جلس رمقته العيون والقلوب، أمره مطاع، كثير الابتسام، لا يقول إلا طيبا، ولا يأكل إلا نزرا، ولا يختال ولا يجهل ولا يغلظ، عليه من الوقار رداء، وفوق جبينه من العز لواء.
حدثني الشيخ ولد حمود عن العلامة الشيخ محمد ولد أحمد مسكه أطال الله عمره ذخرا لأهل السنة وسيفا مسلولا على أهل البدعة، آمين، أنه حضر مع جد الفقيد (أباي) علما، عند “أفريك لعمام” في تيرس، وكان (أباي) يملي إنشاء على ثلاثة عشر رجلا، على كل واحد منهم مطلع قصيدة، ويدور عليهم المرة بعد الأخرى ولم ينته المجلس حتى اكتملت 13 قصيدة عصماء، ولا نعلم أحدا غير (أباي) قادر على ذلك.
ووالد الفقيد الصوفي ولد امخيتير هو صاحب القصيدة الشرفية في انساب بني يعقوب، وقد اطلعت على تحقيق تحت عنوان المباحث الفقهية في القصيدة الشرفية مقدم في رسالة تخرج بجامعة نواكشوط. وانصح بمطالعته لتمام الفائدة.
وقد رثى الشيخ محمد المامي ابن عمه وجد الفقيد المامون ابن محمذن الصوفي المتبحر في علوم القرآن والحديث واللغة والفقه
ريع تقاصر دونه لبنان
يا ريع لو نبت الحديث ببلدة
جادت عليك من الرحيم تحية
ويهون دون ترابه المرجان
نبت الحديث عليك والقرآن
ينهل منها الروح والريحان
وقد أشار الشيخ محمد المامي كذلك إلى جد الفقيد عبد الله المجاور العالم التقي النقي الولي، الذي حج على عصا واشترى قبرا بمكة وأقام فيها، أشار إليه في قصيدته الشهيرة “على من ساد” بقوله :
“من البيت الحرام لهم ملاذ بأستار بها متعلقينا”
ومن طرائف الفقيد رحمه الله واسكنه فسيح جناته، انه كان ذات مرة في جمع من أهله – بارك الله فيهم- فقال لهم ان له جدة من اديقب تدعى مريم بنت أحمد بزيد وانها عرفت واشتهرت وماتت قبل ان يكون لأخيها باركل شأن يذكر، فضحك القوم وتعجبوا من دقة معلوماته.
جدته كذلك من أبيه مريم (العمة) بنت البخاري شقيقة الشيخ محمد المامي رضي الله عنه ورحمهم جميعا ورحمنا إذا صرنا مثلهم.
عرفت الفقيد جوادا كريما لا يبخل بما يملك، ولا يرائي بما يبذل، رحيم بالضعفاء، شديد على الظلمة، شأنه في ذلك شأن آبائه الصالحين الأولياء والمتقين.
فهو محمد سالم بن محمد عبد العزيز بن محمد بن الصوفي بن محمد مختار بن محمذن بن المختار (امخيتير) بن محمذن الصوفي بن عبد الله المجاور. وامخيتير شقيق المامون والمصطفى أبناء محمذن الصوفي، وكان أضغرهم فصغر اسمه.
وأم الفقيد رحمه الله من ذات الدوحة، مريم بنت محمد بن المختار بن محمد بن البخاري بن المصطفى بن محمذن الصوفي، نفعنا الله ببركتهم جميعا وببركة أسمائهم آمين.
أم أمه رحمه الله من القبيلة العربية الكريمة والعريقة (الكرع) المعروفة “خمسايتهم” بالشجاعة والنكاية بالعدو، وإنما ذكرتهم لفرط حبه رحمه الله لهم واعجابه بهم.
ومن شعر جده رحمهم الله جميعا محمد ولد الصوفي الذي كان المرحوم يتمثله:
إذا لم يقدمني سوى المال فأعلموا بأني مذموم لدي التقدم
ولكن علم الدين والدين أقتفي وعندي من علم الكلام تكلم
وآداب عـــــــذاب ومنطق لباب وما فاء البخاري ومسلم
وإن بني يعقوب قومي وأسرتي وهم فوق أشراف البرية أنجم
وله أيضا:
أنا محمد الصوفي ابن من عرفت له الفتوة تحكى عن فل وفل
ومن شعر عمه وأستاذه وشيخه وقدوته المتأثر به:
وجهت طه إلى مولاي رحمانا من أرسل المصطفى بالذكر برهانا
أن لا يهين شباتي لا يشذبها ولا يزيل لنا عزا وسلطانا
ولا يغادرنا نكبو على يدنا كما كبا الفارس المخسي أوهانا
وعل شأني مقاما صالحا حسنا كما قد علت برسول الله عدنانا
إنا وجدنا كرام الناس تمدحنا مدحا بتقواك والإيمان احسانا
فهم يقولون عنا هؤلاء همو أهل الولاية عند الله مولانا
بالحمد والشكر نهوي ساجدين على أذقاننا منة لله سبحانا
ومن اعجب العجائب وأغربها أن المرحوم محمد سالم ولد الصوفي توفي عن 43 سنة وفي صحة جيدة يوم الجمعة الموافق 28 سبتمبر 2012 ظهرا، جراء حادث سير فظيع على طريق نواكشوط – روصو، لكنه قبل فترة وجيزة ترك قصيدة شعبية طويلة يوصي فيها ابنه البالغ أربع سنوات فقط.
يبلغها إن مت أهل زمانه فاللشعر عمر بعد قائله طبعا
ومن آخر ما قرض من الشعر الفصيح قصيدة عصماء في مدح المصطفى صل الله عليه وسلم بعد عرض الفيلم المسيء للنبي صل الله عليه وسلم.
وقد تناول شعره أغراضا مختلفة ومتلونة، وكان كثير الشعر، لم يكن يمدح بشعره أهل المال والجاه والسلطان، وإنما احتكر غرض المدح في شعره لأهل الفضل ومن ذلك قصيدته عند لقائه بالشيخ ولد حمدي ولد الشيخ محمد المامي التي مطلعها:
حمدت المستحق الحمد حمدي على لقياي للشيخ ابن حمدي
وكان من فرط أريحيته وفضله رحمه الله يرقص الأطفال الصغار “أتماري” بشعره وهي عادة أصيلة ماتت في هذا العصر، من ذلك ما قال لإبن صديقه عند ميلاده، إلياس ولد الشيخ محمد المامي ومطلعه:
وقار إلياس معروف وإلياس آباؤه أهل صدق ما بهم باس
وبعد البيت:
وأمه من ذوات الخدر طيبة ثوبا من المجد لم تعلقه أدناس
وفي هذه القطعة الجميلة فائدة يلفت رحمه الله انتباهنا إليها، وهي أن نبي الله إلياس عليه السلام معروف بالوقار كما أيوب عليه السلام معروف بالصبر ولقمان بالحكمة.
وكان شعره كذلك غزير في رثاء أهل الفضل ومن ذلك مرثيته للشيخ محمد سالم ولد عدود ، والشريفة فاطمة بنت أحمد ولد البخاري.
إن فقد ابنة الشريف البخاري وابنة البرناوي العزيز الذمار
لم يبق من غرض نبيل سام من أغراض الشعر الفصيح واللهجي إلا طرقه بل ألقى فيه عصيه “وإلقاء العصا في الحاضرينا”، وكان يواسي معارفه إذا ألمت بهم ملمة من أي نوع ومن ذلك توسله بالشعر طلبا للشفاء للوالد محمد ولد حمود ولد الشيخ محمد المامي والتي يقول فيها:
أن تشف أعظمنا قدرا وأطيبنا نفسا وأيقننا بالله والقدر
لا نملك إلا أن نقول “إنا لله وإنا إليه راجعون” ونضرع إلى الله العلي القدير أن يدخله برحمته في عباده الصالحين إنه ولي ذلك والقادر عليه. آمين
Batta122000@yahoo.fr