إلى الشيخ الكريم د. محمد الأمين ولد مزيد

السلام عليكم ورحمة الله و بركاته وبعد /

فأحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو وأصلى وأسلم على الحبيب المصطفى وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين ثم أدعو الله أن يحفظكم ويجزيكم خيرا على هذه النصيحة الطيبة التي جاءت في وقتها، وكنت قد طلبتها منكم مباشرة، فاخترتم نشرها لتعم الفائدة ويتسع نطاقها، ولأن الموضوع أصبح حقا للقارئ فقد رأيت من المناسب أن أسجل هنا وقفتين مع ما كتبه الشيخ الفاضل:

الأولى: إننا في التجمع الوطني للإصلاح و التنمية “تواصل” نستعد إن شاء الله لعقد مؤتمرنا الوطني الثاني، وهي بدون شك مناسبة للمراجعة والتقويم والحاجة قائمة للنصح والتسديد، خصوصا إذا أتى من مظانه، وفي مقالة الشيخ كثير من النقاط التي أحسبها واردة، والاستفادة منها مطلوبة، و لعل من أبرزها الاهتمام بموضوع الأخلاق وإيلائه ما يستحق، وقد فصل في ذلك تفصيلا جميلا، و تهيئة البدائل المؤسسة على المرجعية الإسلامية “وإن استعمل الشيخ وصف الاسلامية مباشرة”، والوقوف في وجه الاختلاط في المدارس، وضرورة العدل والصدق والانصاف في الخطاب والعلاقات وأمور أخرى…

الثانية: إنني أسجل بعض الملاحظات – لا تلزم غيري – على بعض مما أورده الشيخ ورأيت فيه تسرعا في غير محله واستصحابا لمعلومة لم تجد حظها من التدقيق:

1 – أكثر الشيخ من مطالبة تواصل بكشف هويته الشرعية وإعلان صفته الإسلامية، وزاد فحثه على المجاهرة بالإيمان! ونزع قناع التقية!، والقارئ لهذا الكلام سيجد صعوبة في تفهمه على ضوء المشهور والمعروف عن حزب تواصل، فوثائق الحزب وخطب قادته ومواقفه وحملاته صريحة في التأكيد على مرجعيته الإسلامية، ومواقف حكام البلد الرافضة للترخيص له أو المتحاملة عليه بعد وجوده تقوم على هذه الحقيقة وتصرح بها، والمتوقف عند الرؤية الفكرية الصادرة عن مؤتمر الحزب والتي كانت مادة للدورات التكوينية العديدة لن يتردد في استغراب ما قاله الشيخ، أما موضوع الشريعة الاسلامية فنحن لا نحبذ استيراد المعارك وما من خلاف معلن على الأقل حول اعتماد الشريعة في هذه البلاد، وهو ما نص عليه الدستور معتبرا أحكام الدين الاسلامي المصدر الوحيد للقانون – وإن كان موقع الفقرة وصياغتها يحتاجان للمراجعة – وفي كثير من البلدان يطالب أنصار الشريعة أن تكون مصدرا رئيسيا للتشريع لا وحيدا وما علمنا على ما ورد في الدستور من نكير، والرؤية الفكرية لتواصل حاسمة “الإيمان بالإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة، الالتزام بتعاليمه أمرا ونهيا وتجسيده قولا و ممارسة”، وبرنامج تواصل صريح في منطلقاته “المرجعية الإسلامية حيث ننطلق من الأصول الاسلامية الملزمة كتابا منزلا وسنة هادية لا نحيد عنهما ونلتزم بأحكامهما ثم نؤسس على تراث الأمة وعلمائها ونسترشد به، و نؤمن أن الاجتهاد المؤسس على الوحي المستوعب للواقع القاصد للمصلحة هو آلية التجديد في الدين، ومسايرته لكل زمان و مكان”، وصريح في أول نقاطه وأهدافه “مراجعة المدونة القانونية على نحو يجعلها منسجمة مع المرجعية الإسلامية…”، وواضح أن مشكل تطبيق الإسلام ومقتضياته ليس مشكلا نظريا يعالج بالمواقف والمطالب بل هو شأن تنفيذي يتطلب وجود المقتنعين والفاهمين لمقاصد الشرع قبل تفاصيله، وأصوله قبل فروعه، وتجربة إتاحة شعار تطبيق الشريعة للمستبدين الباحثين عن أسباب الشعبية وعوامل الشرعية ناطقة لا تستحق التكرار. ثم إن مصطلح الشريعة الاسلامية يحتاج إلى ضبط وتدقيق، خصوصا بعد شيوع مفهوم جزئي قاصر له يقدم العقوبة على توفير العدل، ويعلي من شأن المظاهر على حساب المضامين، ويدير المعارك بسبب الأشكال غير منتبه للمقاصد والغايات، لقد أحسن الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة حين أكد “أن مسألة تطبيق الشريعة من أهم – إن لم تكن هي أهم – المسائل التي تحتاج إلى فقه متمكن لا يجافي القواعد الشرعية والنصوص القطعية ولكنه لا يتنكر للوقائع المشهودة والمصالح الظاهرة”. كتاب أسئلة الثورة.

إن الشريعة الاسلامية معنى عام لا ينبغي قصره على دلالات جزئية (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك، وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) (لكل جعلنا منكم شرعة و منهاجا) ومن أهم مقتضيات الشرع العدل ورفع الظلم وحماية حريات الناس ومصالحهم “فإن الله أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط وهو العدل الذي قامت به السموات و الأرض، فإذا ظهرت أمارات الحق وقامت أدلة العدل وأسفر صبحه بأي طريق كان، فثم شرع الله ودينه ورضاه” كما يقول ابن القيم رحمه الله، ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية حين يقول: “جماع الحسنات العدل، وجماع السيئات الظلم، وهذا أصل عظيم” أما حرية الرأي، وحرية التعبير، وحرية الفكر التي قصدت أن تذكر بأن فاءها إن تأخرت عن كافها أصبحت كفرا! فلا تستحق كل هذا الاستهزاء فما عانى المسلمون من شيء مثل ما عانوا من الاستبداد ومضايقة الفكر والرأي والتعبير، ولقد صدق الشيخ محمد الغزالي رحمه الله حين تعجب من هؤلاء المسلمين الذين يطحنهم الاستبداد فيتفننون في شتم الديمقراطية.

إن المصطلحات التي طالبتنا باستحضارها واستعمالها تستحق ذلك، ونحن نفعل ذلك، وسنزيد إن شاء الله، يتعلق الأمر بالإيمان والاستقامة والعدل والشورى والأمانة والأخوة، مع أن بعضها كحكم الله تعرض لبعض التسمم الدلالي من أيام الخوارج إلى دعاة الغلو المعاصرين مما يقتضي التوضيح والتمييز، أما المفردات الحديثة فلغة زمانها وإذا عرفت المقاصد وتجنبت المحاذير فالأولى استعمالها، والخطأ عينه هو إدارة المعارك بسببها.

أما موضوع الشعبية وما يجلبها فأمر ليس من الوارد ذكره فلا خير في تدين لتحصيل أصوات الناس، ولا قيمة لالتزام هدفه الجذب والحشد، لا يعني ذلك أن الالتزام بالإسلام لا يضمن حب المسلمين وتأييدهم، ولكن تلك نتيجة لاحقة وليست منشئة، أما مقارنتكم بين عناصر تواصل معروفي الانتماء للحركة الاسلامية وغيرهم ممن يوجد في أحزاب أخرى ممن وصفته بأنه أقدم سابقة وأشهر انتماء – وأنا بالمناسبة أحترمهم – ففي غير محلها، ولعلها لا ترضي من تشير إليهم، والتاريخ كما تعلم حلقات بين أوله وحاضره محطات وتطورات وأحوال، وعلى كل حال فشعبية تواصل تعرفه وأغلبها لا يرى هذا التعارض بين الاسلام ومرجعيته والالتزام به وبين الحريات والديمقراطية والتداول على السلطة…

2 – آلمني حديث الشيخ عن اللغة العربية مع أنه سليم إذا حرر من سياقه ووقعه والمسلمة التي حملها، ولهذا الشعور بالألم سببان: أما الأول فهو سماع هذه الملاحظة من جهات وأشخاص ليس من شهرتها التثبت فيما يتعلق بتواصل ولا الدفاع عن اللغة العربية بنفس إسلامي ومرجعية دينية بعيدا عن العصبية والاستعلاء، وأما الثاني فهو تجاهل الموقف الرسمي والمعلن لحزب تواصل في هذه القضية الذي بلغ مداه حين يشير الشيخ إلى أننا في تواصل ربما نريد الفرنسية لغة للتعليم يقول الشيخ “فإذا تهاون الحزب في الدفاع عن اللغة العربية، ووافق على أن تكون لغة التعليم أجنبية فإنه بذلك يساهم في تحقيق مقصد من مقاصد الكفار، ويشارك في بناء حواجز تحجب النور عن الناشئة “لقد نصت الرؤية الفكرية للحزب على أن المكون الثاني للهوية في هذا البلد – بعد الاسلام طبعا وأظنكم توافقون – هو اللغة العربية التي تتعرض حسب الرؤية دائما لهجمة مشبوهة تستهدف اقتلاعها من الجذور ومحوها، وفي برنامج تواصل في أول نقاط محور التعليم والثقافة “مراجعة واقع وبرامج التعليم في اتجاه يحقق ما يلي:
– المحافظة على الهوية والثوابت الإسلامية.
– ترسيخ مكانة اللغة العربية باعتبارها اللغة الرسمية، وتكريسها لغة للعمل والادارة مع تعزيز مكانة اللغات الوطنية الأخرى وتطويرها، وتشجيع المبادرات الأهلية لتعلمها.
– الانفتاح على اللغات العالمية وتعزيز مكانة العلوم والتقنيات الحديثة… “وسبق أن أوضح الحزب رأيه في هذه المسألة مرارا فلم يعد مقبولا في من يفترض فيه معرفة ذلك أن يقول ما قاله، صحيح أننا نتحدث مع هذه القضية عن قضايا أخرى، وصحيح أننا ندرك أن في موريتانيا مجموعات قومية تتكلم لغات أخرى، وأن هذه اللغات لغات إسلامية وحملت الثقافة الإسلامية، وحقها علينا من باب الأخوة والمواطنة والمصلحة والعدل أن تطور وتدرس وترسم، وصحيح كذلك أننا نفضل تقديم اللغة العربية بطريقة إسلامية أصيلة لا وجه فيها لهيمنة قوم أو إلغاء لغات أقوام آخرين.

3 – أورد الشيخ جملة من النصائح كلها بصيغة “لا تتركوا الناس يتحدثون…”، منها ما يتعلق بمعالجة التخلف الاداري والفساد المالي والولاء للأشخاص وضعف المؤسسية، وهي توجيهات طيبة والتحسين والتجويد في هذه المجالات مطلوب دائما، ولكننا في تواصل نحمد الله على غياب هذه الأمور بالشكل الذي يفهم من ظلال وسياق الحديث وإن وقع شيء منها فمحدود ومحصور.

4– لقد استغربت والشيخ ينصحنا من منطلق شرعي، و في هذه اللحظة من تاريخ البلد أن لا يأتي على ذكر القضايا العرقية والفئوية، وكأن الإسلام الذي يدعونا الشيخ للمصالحة معه لا يهتم بوحدة مجتمع مسلم يعاني من الدعايات والممارسات العنصرية والعصبية، وعانى منها في تاريخه القريب والمتوسط ولا يقيم وزنا للقضاء على الاسترقاق الذي ترك وضعا مختلا تتضرر منه قطاعات واسعة من مجتمعنا، إننا في تواصل نرى في اهتمامنا بهذه القضايا ومن مرجعية إسلامية لا لبس فيها شهادة جدية وأصيلة على هويتنا الفكرية التي لم يستطع دعاة العصبية وأسارى التقليد اختطافها وأسرها في مقاربة قومية ضيقة أو فقه لم يدرك أصحابه أن الإسلام الذي حارب الرق وعمل على محاصرته لم يكن ليفعل ذلك لجزء منه ومقتضى من مقتضياته.

وفي الأخير بارك الله في الشيخ ونصائحه، وإنا على الاستفادة منها لعازمون.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى