هذا أقل الواجب…
يبدو أن رصاصة الثالث عشر من الشهر الراحل شكلت منعطفا جديدا في الذهنية السياسية للبلد ولقادة البلد ولمن قدر لهم أن يبسطوا أيديهم وأرجلهم على ثرواته وخيراته بكل ما أوتوا من قوة وعتاد.
وإذا كانت الرصاصة الصديقة شكلت نموذخا يتيما من نوعها في تاريخ من تعاقبوا على هرم السلطة فإن ثمة أمورا أخرى فريدة من نوعها بدأت تطفو على السطح فضلا عن استعراضات بأفعال وألسنة خشبية تنفر منها الآذان السليمة والعقول الشريفة .
ليس مفاجئا أن يهبط مستوى الكرامة والوطنية عند البعض لدرجة التجمد –ولا أحاشي من الأقوام من أحد ولو سليمان – ويتبارى الكل في هيستيريا من النفاق السياسي المكرور و الممجوج و أن ينزل مستوى الحديث عند النخبة السياسية والفكرية والعلمية والثقافية إلى القاع لدرجة الغثيان ..
وليس مفاجئا أن يستقيل الإعلام الرسمي من أداء مهامه وينحرف لدرجة الانقلاب على القفا ويتبارى الإعلاميون في وصف “اللحظات التاريخية” والإنجازات العملاقة ” وصانع الأمجاد ” وملهم الثورة” والابن البار ” والحسد الدفين ” والغيرة القاتلة” إلى آخر السنفونيات التي صمت الآذان الساعات الراحلة .
وليس مفاجئا أن يصمت بعض المسؤولين والشخصيات البارزة والعلمية على الإهانات والاحتقار وعزاؤهم في ذلك مذهب “إن الأذى من من تحب سرور” ..فعليهم بذل الجهد في إظهار الولاء والعشق لدرجة الحلول و”الاتحاد ” لكن في مسيرة الوجد لا وزن ولا قيمة للعراقيل والنكبات ..أما الأذى فأمره هين .
لكن المفاجئ حقا والتطور المنذر بعواقب غير حميدة هو تأسيس نواد للبلطجية وفرق من الشبيحة ربما استلهاما من دروس فاشلة من الأنظمة ذات البعد الديكتاتوري والشعبية المزيفة التي تستجد بهؤلاء عندما تحس بالغرق الثوري واهتزاز العروش وتمايل الكراسي فتعشو إلى هؤلاء حيث لا كرامة ولا شرف ولا إنسانية فهم كالأنعام بل هم أضل سبيلا..وهذا ليس غريبا لو عدنا إلى موروثنا الثقافي سنجد أن الطيور على أشكالها تقع… وأن شكل الشيء منجذب إليه .
إن محاصرة منزل نائب برلماني ورئيس حزبي سياسي جهارا والتباري في التقاط عبارات الهمز واللمز والشتم والسب من من لا يكلفهم ذلك بحثا مضنيا أمر يطرح أكثر من سؤال حول الجهة التي تقف خلف هؤلاء حيث لم تحرك السلطات المعنية والجهات المختصة أي ساكن ولم تسكن أي” متحركة”. .وهي التي من المفترض أن تكون من قمة مسؤولياتها حماية الناس وأموالهم وأعراضهم …وحتى الجهات الموالية التي ربما لها ضلع أو “عمود فقري” في الحادث لم تكترث للموضوع ولم تبد ما يلزمها من التعاطف الأخلاقي و السياسي والوطني والإنساني أيا كانت الاختلافات في المناهل والمشارب والموارد والمصادر
صحيح أن ثمة قصورا بينا في حماية الناس وفي ردع اللصوص والمجرمين خاصة في العاصمة حيث قل أن يجد المستغيث مغيثا في الوقت المناسب …لكن ذلك لا يمكن أن ينسحب على واقعة استخدمت فيها السيارات المتعددة ومكبرات الصوت دون خجل أو وجل وصدق الصادق المصدوق إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت.
ولم تكد ترحل ساعات قليلة حتى جاء الدور على الإعلاميين وعلى من يحمل “سراجا وهاجا ” في ظلم وظلمات بعضها فوق بعض تجعل العاقل الفهيم حيران كأنه طفل محدود الذكاء قليل التعلم أمام معادلة رياضية صعبة في زمن محدود وفي جو صاخب …
لكن تجربة “جميل” أكسبتهم خبرة في التمويه والتضليل-وهم جذيل ذلك المحكك وعذقيه المرجب- فكانت السيارة خالية من الأرقام التي أزعجتهم وربما أحرجت من كلفهم أو أمرهم أو أثارهم أو أو أو .
والفرق واضح في التدرج من الكلام البذيء إلى الفعل البذيء…ومن حق الجميع أن يستفسر عن “الهدف “القادم وعن أدوات وطبيعة الجريمة…اللهم سلم !!
إن الساسة والمفكرين المثقفين والأدباء والإعلاميين من لم يسبق عليهم الكتاب والتزلف وخيانة الأمانة الشريفة مطالبون برص الصفوف و الوقوف في وجه مثل هذه التصرفات وإدانتها والعمل بالطرق القانونية كبحا لجماحها قبل أن تنتشر أو أن تتطور ..وحينها لن يكون السلوك السياسي “جميلا” ولن تكون ردات الفعل “وديعة”
أحمد ابو المعالي
كاتب وشاعر مقيم بالإمارات