من نفحات يوم الجمعة

لما له من عظمة وعظات، وهبات ونفحات، أنتج مصنع يوم الجمعة عدة كتابات، تتحدث عن ذلك اليوم وأهميته عند المسلمين وكنت أزمع الكتابة في هذا الموضوع منذ زمان تتميما للفائدة وتسجيلا لما كنت أقف عليه و لم أر من تعرض له ــ وقد كانت الهموم والمشاغل دون ذلك ــ وهاهو فضل الله يسعد بكتابة ما حضر منها .وإذا كررت بعض ما جمع قبلي، مما كنت عثرت عليه فإنما هو جمع للنظائر، كما يقول أهل المحاظر. ذلك أن يوم الجمعة هو اليوم الذي هدينا إليه معاشر أمة محمد صلى الله عليه وسلم وضلت عنه الأمم من قبلنا هو يوم مؤتمر أسبوعي للمسلمين، يمثل وجها بارزا من اوجه حضارة ورقي الإسلام فيه يتواصل المسلمون، ويبحثون شؤونهم.

وتمثل خطبة الجمعة منبرا تعليميا ولونا وعظيا وشكلا إرشاديا من ألوان وأشكال ذلك التلاحم والتناغم الجمعوي الذي يريد لنا القرآن أن تتحد فيه عقائدنا وروافدنا وإن اختلفت الأعراق والأعراف كما يرشد إليه القرآن العظيم في قول الحق سبحانه وتعالى ” يأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلواة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله، وذروا البيع ذلكم خير لكم و إن كنتم تعلمون .”

ويوم الجمعة هو خير يوم طلعت فيه الشمس فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها وفيه تيب عليه، وفيه تقوم الساعة كما صح بعض ذلك في صحيح مسلم وجميعه في سنن أبي داود والترمذي والنسائي والمستدرك للحاكم وغيرها .

وإليه أخرت جماعة العدل والإحسان الصلاة على قائدها الشيخ عبد السلام ياسين ــ رحمه الله تعالى ــ وتشييع جنازته كما تناقلت ذلك وسائل إعلام يوم الجمعة 1 صفر 1434 هــ .

ومن هذا اليوم اختارت أغلب الثورات العربية انطلاقة مهرجانات ربيعها الحاسمة، فهو من الأربعة الآساد التي نظمها الشاعر الكبير التقي ولد الشيخ في شعر له “حساني “وللمجاهدين قصص مع يوم الجمعة تظهر فيه قيمة ذلك اليوم عندهم و كنت وقفت على بعضها في كتب العلامة “أبي الحسن الندوي “و منها :

ما نقله عن المهدي السنوسي المجاهد الليبي ” المعروف ” من تخصيصه يوم الجمعة للتدريب على الرماية والطراد وغيرهما من التمرينات الحربية راجع ربانية لارهبانية ص: 125 وتبرز هذه القصة ميل المهدي السنوسي وأصحابه إلى ما ذهب إليه فقهاء الما لكية من كراهة ترك العمل في يوم الجمعة إن قصد بذلك تعظيم ذلك اليوم، وعليه نص خليل بن إسحاق في مختصره حين قال ” وكره ترك طهر فيهما والعمل يومها .”فقد كانت ليبيا ولا تزال ـــ ولله الحمد ـــ معقلا من معاقل المذهب المالكي . ولعل ذلك من أيادي هذا المذهب البيضاء على المتمسكين به، ومن تجليات ومظاهر مراعاته للمقاصد والمصالح التي ليس هذا محل بسطها .

ومن قصص المجاهدين مع يوم الجمعة أنه كان ظرفا للبيعة في الهند أيام الشهيد أحمد عرفان الذي كان مقاوما للاحتلال الإنكليزي والذي يعود إليه الفضل بعد الله فيما وصل إليه الإسلام اليوم في تلك البلاد راجع كتابه إذا هبت رياح الإيمان .ص: 26 وص: 110.

وقد كان يوم الجمعة عطلة للعلامة أبي الحسن الندوي الهندي أيام دراسته على شيخه خليل بن محمد اليماني في الهند كما سجل ذالك حين قال عن شيخه هذا إنه “كان لا يعفينا من الدرس ما عدى يوم الجمعة، ولا أدري كيف رضي بعطلة يوم الجمعة، ولا أتذكر عطلة غير يوم الجمعة. راجع كتابه شخصيات وكتب عشت فيها ص: 84.” ولتساؤل الشيخ أبي الحسن الندوي مغزى يفهمه أهل محاظر شنقيط التي أتذكر أيضا أن يوم الجمعة كان عطلة فيها لكن بزيادة يوم هو يوم الخميس وأربع ساعات تقريبا من يوم الأربعاء .

ومن الطريف الذي يطيب به الختام أنه كانت لأهل مدينة رسول الله عليه وسلم عادات منها إعداد طعام خاص يوم الجمعة وكان فيهم من يفرح بقدوم يوم الجمعة كما جاء عن سهل بن سعد في هذه القصة ــــــ و لولا ذكرها وتكرر معناها في صحيح البخاري لما تعرضت لها هنا.ـــــ فقد روى البخاري عن أبي حازم عن سهل بن سعد ــــ رضي الله عنه ـــــ أنه قال:”كانت فينا امرأة تجعل على أربعاء في مزرعة لها سلقا، فكانت إذ اكان يوم جمعة تنزع أصول السلق فتجعله في قدر ثم تجعل عليه قبضة من شعير تطحنها فتكون أصول السلق عرقه وكنا ننصرف من صلاة الجمعة فنسلم عليها فتقرب ذلك الطعام إلينا فنلعقه وكنا نتمنى يوم الجمعة لطعامها ذلك .”

قال الحافظ ابن حجر “السلق:نوع من البقل …..وفي هذا الحديث جواز السلام على النسوة الأجانب واستحباب التقرب بالخير ولو بالشيء الحقير وبيان ما كان الصحابة عليه من القناعة وشدة العيش والمبادرة إلى الطاعة رضي الله عنهم .”

وهذه العادة المشار إليها في هذه الحديث لا تزال في مناطق المغرب الأقصى التي زرتها.

وإلى جمعة قادم .

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى