الدولة الباهية

كان ذلك في الأشهر الأخيرة من العام 2010 عندما استقبل الجنرال زين العابدين بن على في قصر قرطاج بتونس نظيره الموريتاني الجنرال محمد ولد عبدالعزيز، كان اللقاء وديا وحميميا فالجنرال الواصل للسلطة حديثا عن طريق انقلاب عسكري على رئيس مدني منتخب معجب حد الانبهار بتجربة الجنرال الذى وصل للسلطة قبل عشرين سنة عن طريق انقلاب عسكري على ولي نعمته رئيس تونس الأول لحبيب بورقيبه.

احتفى الطرف الموريتاني بالزيارة ودونت صورتها على يومية رسمية وزعت على مكاتب الإدارات الموريتانية، وعندما عاد الجنرال عزيز إلى نواكشوط كان معه قرار باستنساخ تجربة قدوته الجنرال بن على فقرر أن تكون البداية من الشكل الوزاري وبالذات من التعليم، لم يحتج جنرالنا لنثر كنانته – فهي ليست بذاك الاتساع أصلا – فوقع اختياره على الجنرال باهية ليكون أول وزير دولة في موريتانيا أو دعونا نقول ليكون باكورة الاستنان بسنة الجنرال بن على.

هناك الكثير من أوجه الشبه بين جنرالنا والجنرال التونسي فكلاهما ترعرع في كنف نظام وانقلب عليه بعد أن كان مثالا للتفاني في خدمته، وكلاهما بدأ مشواره برفع شعارات محاربة الفساد والاهتمام بالفقراء، والوعد بإطلاق الحريات والإصلاح ، وانتهى بتكديس الدولة – سلطة وثروة – في يدي عائلات طرابلسية ولهاهية وبهاهية.

وبينما كان الجنرال باهية يجمع أركان مملكته كان الشعب التونسي يكتب أولى فصول ملحمته التاريخية التى تحولت فيما بعد إلى ملحمة إنسانية عنوانها الشعب يريد، حينها سحبت اليومية المزينة بصورة اللقاء التاريخي بين الجنرالين ولد عبدالعزيز وبن على وتم توقيف مشروع استنساخ النموذج التونسي في بعده المتعلق بالتسميات لكنه استمر في أبعاده الأخرى الخاصة بتكريس حكم الفرد والتمكين للعائلات الطرابلسية والتحقير من شأن العلم وأهله والإعلاء من ” القيم الميكانيكية”.

تربع الجنرال باهية على أشلاء المنظومة التعليمية، وحولها إلى إقطاع خاص يتصرف فيه بنفس الطريقة التي يتصرف بها الجنرال في البلد المغصوب، ثبت من حو اليه مجموعة من ” المتمجدين” بتعبير الكواكبي وهم مجموعة من المتجمعين حول المستبد ين يأخذون مجدهم ومكانتهم وموقعهم من تملقهم له.

في الدولة الباهية الناس قسمان متملقون يحفهم الجنرال الباهوي بنعمائه، وأصحاب أخلاق ومرؤة وقيم تحل عليهم نقمة الجنرال فتشتتهم شذر مذر، وتقطع عنهم الأرزاق وربما الماء والكهرباء، وعندما يرفض هؤلاء الظلم ويمارسون حقهم في مقاومة الضيم والإهانة يكون مصيرهم ما نتابع حاليا من إهانة يومية لعشرات الأساتذة المعتقلين منذ أيام في مفوضيات الشرطة بانواكشوط وسط صمت مخجل من أغلب النخب السياسية والإعلامية والحقوقية.

يستمر باهية في طغيانه واستخفافه بالأساتذة وهو يدرك أنه محمي بالكامل من الجنرال عزيز فقد كانت النسخة المضافة من لقاء الشعب بعد الطلق الناري الغامض فرصة أعلن فيها ولد عبدالعزيز مساندته الكاملة لما يتعرض له الأساتذة من عقاب جماعي على يد عصابة باهية التي أرادت أن تعاقبهم على ممارسة حق الاضراب خلال العام المنصرم، ليتأكد أن الجنرال باهية ليس شيئا آخر سوى ظل الجنرال عزيز في وزارة الدولة للت………….

إن المعركة التي يخوضها الأساتذة اليوم ضد الدولة الباهية هي معركة كل الحقوق في واقع الأمر؛ فهي معركة الحق في التعبير والحق في الإضراب والحق في الكرامة والحق في الإقامة ومن غير المقبول أن يظل الرأي العام يتعاطي معها بهذه البرودة وكأنها مجرد قضية جزئية، إنها قضيتنا جميعا وسندرك أننا أكلنا جميعا إن سمحنا للدولة الباهية أن تفرض طغيانها وعجرفتها على هذه الكوكبة الوطنية المؤمنة التي تضم أساتذة من خيرة أساتذة البلد بشهادة العشرات من خريجي المدارس التي درسوا فيها بل وبشهادات وتقارير وزارات التعليم خلال السنوات الطويلة التي أمضاها هؤلاء في خدمة العلم والإنسان الموريتاني

في الدولة الباهية المحكومة عزيزيا والمدار ديوانها يزيديا كل شيئ مباح للانتقام ممن يتم تصنيفهم ” معارضين اعداء “؛ يجوز أن تحرق الجامعة والبلد، وأن تنتهك الأعراض، وتنتحل جميع الصفات، وتفبرك الصور والأصوات وتمارس كل أشكال التجسس والنميمة، ويتم توشيح الآفاكين وتعيينهم في المراتب التي كانت في السابق سامية ليتم إيصال رسالة للجميع مفادها أن طريق الحظوة يمر من هنا حيث القطيعة مع القيم والانقلاب على الأخلاق والفطرة السليمة.

يظن الباهويون أنهم الان في لحظة انتصار وهم يستعرضون عجرفتهم ومستوى أخلاقهم أمام الأساتذة بله أمام الشعب كله، وذلك ظنهم الذى أردى أسلافهم القريبين قبل البعيدين فقد ظنها باهويون قبلهم فكانت نهايتهم الخزي والعار والهروب رغم ما كان يحيط بهم من هيلمان ومن كان يتمجد في أفلاكهم من متمجدين كانوا أول من تخلى عنهم وتسابق لكشف فضائحهم وكأني بالباهويين غدا يتسابقون لتدبيج الخطب والمقالات في سب “العهد البائد” الذى وصلت الأمور فيه حد إهانة المعلمين والتنكيل بهم وهم من يستحقون الوقوف والتبجيل..
.

إن ذلك اليوم قريب.. ولكن الباهويين لايعلمون.. فهل يحتاجون تمرينا منزليا عن نهاية ولد الطائع وبن على من أجل ” فهم ” حقيقة الغي الذى هم فيه سادرون.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى