حول تغير النشيد الوطني
قرأت بعين فاحصة ما كتبه الاستاذ الفاضل عبد الرحمن ودادي “حول تغيير النشيد الوطني” ، وكعادته اخذني في جولة في جميع ابعاد موريتانيا باسلوبه الادبي المتميز، وعلى غير العادة هذه المرة، دلف بي الي امكان اعرفها اكثر من غيري ، معرفة الخبير لخبرتي بها منذ نشاءتها الى ان صارت نبرسا يتهدي به شباب موريتانيا، ..والي غاية الان ، وقد كان اسلوب الكتابة في هذا المقال ساخرا الى درجة الاستهزاء بجيل من ابناء الوطن التحموا في قالب واحد ، كل همهم المشاركة في بناء وطنهم ، وتشيده على اسس متينة ، وبناء لحمة وطنية ولاءها للوطن وليس للمجتمع (القبيلة والعشيرة والجهوية)، وهم في سبيل ذالك يدعون الى كل ما من شانه تعزيز الوطنية في النفوس لاسيما الاطفال والاجيال القادمة وترسيخها لديهم وربطها في اذهانهم بكل ما يمت الي الوطن بصلة.
وفي جولته الادبية قال السيد ودادي “مقالا” لا اجده صحيحا البتت من جوانب عديدة ، منها التاريخ في ما ذكره من اشياء ذات صلة بتاريخ البلد ثم من باب الحضارة التي اورد خلطا بينها وبين القيم الدينية وكذالك القيم الاجتماعية وبعيدا عنها انعكس ضوء المواطنة في ما اراده شباب الفكر الجديد …. من هنا وددت من باب “حق الرد” اطلاع الراي العام على حقيقة ما عليه الواقع بالفعل ويعرفها كل من له ادني ذرة صلة بالواقع المعاش في بلدنا اليوم ، ولا اعني بالطبع من يعيشون في “احلام يقظة سياسية او اجتماعية ” او من لديهم “انفصامات في شخصياتهم الوطنية “…!!
لمست في المقال الكثير من الدعوة الى التفرقة الاجتماعية عندما ذكر الكاتب “أعلام” من المقاومة الوطنية محرفا بعض من التاريخ الاجتماعي لجزء كبير من المقاومة الوطنية، ومستغلا ثغرة الشائعات في تغذية الثار والنزاع وغيره من القيم التي يجب على مثقف بوزنه ان لا يلمح اليها ذكرا …احري ان يوثقها وكانها حقائق تاريخية!!..، وفي هذا السياق لن اقدم درسا في التاريخ لكنني ساكتفي بالاشارة الي ان المقاومة الشعبية الموريتانية كانت جزء لا يتجزي من تاريخ هذه الامة و كانت مباردات شخصية او جماعية في اطارها الخاص ذات بعد ديني واجتماعي… وهي في احداثها المتلاحقة لا تمت بصلة الي ما نتحدث عنه اليوم وهو نشيد وطني يجدر به ان يمجد تلك المباردات ويخلدها في الذاكرة الجمعوية ، … وفي نظري لم يوفق الكاتب في الربط بين المسالتين من حيث نظرته الساخرة الى ما سار عليه المقاومون وبين نشيد وطني عبارة عن ” نصح رجزي” ، كان يجب ان يذكرهم و يمجد افعالهم وهو ما يدعو اليه “تيار فكر جديد”… بين ربط افعال هؤلاء الرجال وما دفعواحياتهم ثمن له وهذا الوطن الذي اقتلعوه لنا من براثن المستعمر.
بعد ذالك عكف على ذكر “أعلام” من رجال الدين والقداسة الروحية في تاريخ “المجتمعات الشنقيطية “(ما قبل موريتانيا الدولة على الاقل من حيث التأريخ) ولم يوفق مرة اخري في ربط الصلة بين ذكر اولئك الرجال والنشيد الوطني لدولة اراد لها المستعمر اسما لالهة قديمة لروما ، واختار لها جيل “الرعيل الاول” نشيدا وطنيا لايمت بصلة الى الوطنية وقيم المواطنة التي كرسها اوليك الرجال ، فلقد كانت جلسات الذكر تجميع اطياف المجتمع باسوده وابيضه وكانت حلقات العلم في مناطق عديدة تجمع اليها جميع الاعمار والفئات مكرسة بذالك التساوي والتاخي بين جميع اطياف المجتمع ومحاربة في عمقها الديني التشرذم والتنابز، وبالتالي فان تجسيد تلك الافعال في نشيد وطني هو مايدعو اليه الفكر الجديد وليس مجرد “نصح ديني”
ولعل الاخ الفاضل ودادي اختلطت عليه اوالتبس عنده مفهوم “الوطنية ” لدولة ولدت في النصف الثاني من القرن الماضي و مفهوم “المجتمع” في بعده الديني لمجتمعات الشناقطة كما يذكرها كتب التاريخ والرحالة ، وهو امر وارد الحدوث فكثير ما يختلط على الكثير من “المتثقفين ” قيم المواطنة في بعدها الاجتماعي وبين والقيم الاجتماعية في بعدها الوطني ، وكما يخلط الكثيرمن الكتاب والباحثين بين القيم الحضارية في بعدها الديني والقيم الدينية في بعدها الحضاري !! فما علاقة هذه بتلك ؟؟ لن اقدم هنا درسا في المفاهيم لعلمي بدراسة الكاتب المعقمة في دمشق لكل تلك الاشياء ومعايشته لها في عبق التاريخ هناك ، لكن ساكتفي بالاشارة الى اننا في فكر جديد ندعوا الى تعزيز قيم المواطنة والهوية الوطنية واننا لا نخلط في طرحنا بين ما هو خيارات سياسية و ما هو تاريخي من ثقافة وقيم وتقاليد وبين وطـــــــــــنيــــــة الولاء للبلد.
بصراحة لم اجد اي ربط بين مكونات المقال والمعالجة التي يطرحها الكاتب لمشاكل بلد انهكه تخلي المثقفين وحتي “المتثقفين” عن لعب دور في التغير الي الافضل والتقدم ، والاكتفاء بالدفاع عن افكار عاشت في “زمن غابر” ، و الهجوم على كل وجهة نظر مخالفة ، وهو بذالك (المثقف) لا يلغي حق الغير في المشاركة ، بل ينصب نفسه على الغير كمفكر بالنيابة وكان الفكر حكرا على فئة معينة من الناس ، وفي هذا الصدد اود ان ادعو اخي الفاضل ودادي وغيره من الاخوة الافاضل في موريتانيا الي تقبل الآخر… اي كان… ومهما اختلفت وجهات النظر… كما ادعوه الى تقبل ان تيار فكر جديد هو نظرة شمولية لما عليه موريتانيا يدعو الى التغير الى الافضل في جميع الجزئيات والمكونات، وكوننا نختلف في ترتيب الاولويات ليس مدعات الي التحامل و الاندفاع في سخرية لا تليق بمستويات عامة احري بمن هو في مستوي المثقف الواعي.
محمد فال ولد يحي