باحث موريتاني : فرنسا تحاول ابتزاز الجزائر لجرّها إلى الحرب بعد اعتداء عين أمناس
نواكشوط – الشروق – قدّم الباحث في الحركات الإسلامية، وأستاذ تاريخ الأديان بقطر محمد بن المختار الشنقيطي، الأجندة الخفية للعملية العسكرية الفرنسية في مالي، و”مغانم” باريس فيها، وبالمقابل الانعكاسات الخطيرة من خطوة فرنسا. وبخصوص “الهالة” التي صاحبت إعلان فرنسا، حصولها على ترخيص من الجزائر بفتح مجالها الجوي أمامها، فيؤكد أن فرنسا أرادت أن تظهر أنها تحظى بالتأييد.
بدأت العملية العسكرية في مالي.. ماذا تريد فرنسا من العملية؟
يبدو أن ما تسعى إليه فرنسا من حربها في مالي هو غايات عدة: منها تأمين شركاتها التي تستغل اليورانيوم في النيجر، والتي تعتمد عليها فرنسا في إنتاج الطاقة من مفاعلاتها النووية. ومنها الاستفراد باستغلال ثروات منطقة “أزواد” التي لم تُستغل بعدُ. ومنها شدّ القبضة العسكرية والأمنية على دول غرب إفريقيا الناطقة بالفرنسية، بعد أن بدأ الربيع العربي يفك قبضتها عن دول المغرب العربي. ومنها توسيع الهوة الثقافية والقومية بين العرب والأفارقة أخذاً بالمبدأ الاستعماري القديم (فرِّق تسد)، لأن كل توثُّق للعلاقات بين العرب والأفارقة ينقص من النفوذ الفرنسي الموروث عن حقبة الاستعمار.
لكن الحرب ليست حلا للمشكلة في مالي.. إنما يكون الحل باحترام الوحدة الوطنية لدولة مالي بالتراضي بين سكان جنوبها وشمالها، من خلال تبني نظام ديمقراطي فيدرالي يضمن لسكان أزواد من العرب والطوارق الحكم الذاتي والتميز اللغوي والثقافي، ثم التحييد السلمي للجماعات الجهادية المتعددة الجنسيات في أزواد، من خلال عفو عام يضمن لعناصرها العودة إلى بلدانهم بأمان، والاندماج في النظام السياسي فيها بالطرق السلمية.
هل هنالك أجندة زمنية لمدة الحرب؟
لا أعتقد أن هذه الحرب ستنتهي بسهولة ولا في مدة وجيزة، بل ستكون -فيما يبدو لي- حربا مؤلمة وطويلة الأجل وفاشلة بكل المقاييس، ففرنسا البخيلة بدماء جنودها لن تتجاوز القصف الجوي والإسناد البري، أما القتال على الأرض فستتركه للجيش المالي والجيوش الإفريقية الأخرى، والجيش المالي قليل العدد (10000 جندي تقريبا) وضعيف العدة، أما الجيوش الإفريقية الوافدة إلى مالي فهي لا تملك التجربة القتالية ولا الخبرة في معارك الصحراء(ربما باستثناء التشاديين)، ومن السهل جدا على مقاتلي الجماعات الأزوادية وحلفائهم من عناصر تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” أن يستنزفوا الجيوش الإفريقية، بحكم تمرسهم بالأرض وخبرتهم بالسكان.. كما أن الصراع قد تمخض عن صراع عرْقي -للأسف- بين جيوش إفريقية متحالفة مع فرنسا، وجماعات أزوادية عربية وطوارقية، وهذا ما قد يجعل الأزواديين يستميتون في المقاومة.
سمحت الجزائر بعبور الطائرات الفرنسية على أجوائها، ماذا تقرأ في تحول الموقف الجزائري؟
السماح باستعمال الأجواء مسألة رمزية، وليست فرنسا بحاجة ماسة إلى أجواء الجزائر، مع وجود قواعدها العسكرية في العديد من دول غرب إفريقيا.. لكن فرنسا تسعى للتضخيم الإعلامي حول هذا الموضوع سعيا لإضفاء الشرعية على حربها في مالي، من خلال إظهار كل دول الإقليم مظاهِرةً لها في الحرب. ومع ذلك فأتمنى أن لا تكون الجزائر جزءا من هذه الحرب، ولو بمساهمة رمزية.
قلتَ في وقت سابق إن على الجزائر أن لا تُستدرج للحرب في مالي، هل استُدرجت الآن؟
حتى الآن لم تنجح فرنسا في استدراج الجزائر إلى الحرب بشكل عملي، لكنها لا تزال تحاول، خصوصا بعد أزمة الرهائن، وبعض الأوساط في الإعلام الفرنسي تتخذ الآن من مقتل بعض الرهائن الغربيين وسيلة ابتزاز للجزائر، وتدعوها إلى المشاركة في الحرب تعويضا عما حدث في عين أمناس، لكن الجزائر هي مركز الثقل الاستراتيجي في المنطقة، وهي الوحيدة التي تستطيع تقييد يد فرنسا في شمال إفريقيا، وكل استسلام للأهواء الفرنسية لن يخدم الجزائر أو المنطقة.
اجتمع الرئيس هولاند مع نظيره الموريتاني، هل يمكن أن توافق موريتانيا على المشاركة في العملية بعد اللقاء، أم أن الطلب الفرنسي سيرفض بعد فتوى 39 عالما موريتانيا بحرمة التعاون مع فرنسا؟
يدين الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، بإنقاذ حياته لفرنسا بعد محاولة اغتياله الأخيرة، وبإنقاذ سلطته أيضا، حيث أدارت فرنسا الأمور في غيابه، لدرجة إرسال ضباطها إلى أركان الجيش الموريتاني في مرحلة غيابه تحت ذرائع شتى، ضمانا لعدم الإطاحة به وهو جريح في باريس. والرئيس الموريتاني متحمسٌ للقتال في مالي نيابة عن الفرنسيين، وتحاول فرنسا إغواءه بالدخول في الحرب البرية بعد نهاية مرحلة القصف الجوي الأولي.
لكن الأمور لن تكون سلسة إذا قرر الرئيس الموريتاني ذلك، فالرأي العام الموريتاني شديد المعارضة للحرب، وقد ينقلب الجيش الموريتاني على رئيسه إذا ورَّطه في صحراء مالي، كما فعل من قبل، فقلْب الرئيس الموريتاني مع فرنسا، وهو يدعمها لوجستيكيا ومعلوماتيا دون إعلان ذلك، لكن المشاركة المكشوفة في حربها قد لا يكون في وسعه هذه المرة، نظرا لبعض التوازنات الداخلية التي لا يستطيع تجاهلها دون المخاطرة بفقدان سلطته، وربما حياته أيضا..
طلبت فرنسا دعما خليجيا لتمويل العملية، كيف يمكن أن توافق دول الخليج على هكذا طلب؟
لا تريد فرنسا أن تدفع ثمن حربها في مالي، لذلك لجأت إلى دول الخليج أملا في تمويل الحرب. لكني لا أفهم كيف لدول الخليج أن تتحمّل ثمن حرب فرنسية لا ناقة لها فيها ولا جمل.