الزخمُ في شوارعنا ……. رفاهيةٌ سياسية أم أزمةُ نُخَب ؟
في هذه القراءة الشخصية للوضعية العامة للبلد، الاقتصادية والاجتماعية و حتى ‘ السياسية ‘ منها ، سأحاول ( أحاول )جرد بعض المعطيات الرقمية والإحصائيات العامة لعلي أبني بذلك صرحاً أطلّع به إلي عقلية من يدافعون عن القرارات العامة واستشراقهم لمستقبل الشأن العام، ومن ردَّ و أحتجَّ و أرجفَّ في المدينة.
و لعلي قد سبقني جِبلةٌ من الأولين الذين رأوْ(رأوا) أن الواقع يأفِكُ ما يقولون ، والمستقبلُ باطلٌ ما فيه يعملون.
وأدرك أن القارئ العجول رأى في تقديمي طابَعاً سياسيا و نقدا ذو ميول توَجهِيْ، ولكني ولستُ بِدعا من المعبِرين أرسم لوحة كلَ مواطن من هذا العالم كتب الله عليه أن يسافر بجواز موريتانِيْ.
عندما نحاول أن نفهم هذه الحماسة لمن أستحل الغبار الدَكِن لشوارعنا ، والريح الناخِرة للبدن و العازفةَ للروح لشبابنا و وكهولنا و كأن حدائق بابلَ زُرعت لهم في أزقة فينيسيا.
عندما نحاول أن نحسَ هذا الشغف لديهم دون دراسة اقتصادية واجتماعية، لأن كما قال ( فرانسوا كسناي 1758 ) أن الاقتصاد هو طب المجتمع ، بذلك نجتنب الْخَبطَ العمياء والتحليل السطحي .
فحين نغوص في أرقام و إحصائيات البطالة وحدها ـ التي هي في تزايد مستمرـ
فخلال التسعينيات كانت البِطالة تتراوح نسبها في المجتمع بين 22 إلي 23 % و انخفضت في بداية الألفية حسب المصادر الرسمية إلي 20 و 18%، وهي مغالطات عرفت حينها من قبل المتتبعين بمصطلح نفخ التقارير ، والتي عوقب عليها الاقتصاد الموريتاني بفُقدان المصداقية و تشديد الخناق علي القروض المتوسطة و شُبه الحيلولة دون القروض والاستثمارات ذات الأمد البعيد والنفع الثلاثي ( المستثمر و الدولة، والمواطن ) التي هي واحدة من أهم عجلات النمو الاقتصادي في الدول التي تصنف نامية أو في طور النمو (استفادة منها مجمل الدول المغرب العربي الغير منتجة لطاقة).
وخلال العام الماضي تشير الإحصائيات إلى أن النسبة وصلت 33% فيما تؤكد بعض المصادر الغير حكومية إلى أن النسبة 36% بينهم علي الأقل 15% من ذوي الكفآت العِلمية العليا.
وإذا أردنا ترجمة النسبةِ إلى تعداد السكاني نجد 500.000 تبلغ نسبة الشباب بينهم 70% بينما يعمل 96% من قوة العمل البشري في القطاع الخاص الذي مازال غير قادر علي المنافسة نظرا لمركزية السوق و الدور الأُحادي للدولة .
سأكتفي بهذا المؤشر لأنه عِماد أي صحةٍ اقتصادية و أمنية و اجتماعية.
ولعل التبرير الرسمي لهذه الظاهرة التي جعلت موريتانيا في قاطرةِ الركبِ العربي لكي لا أقول ‘الدولي’ مع الصومال وجيبوتي الغير مستقرتين أمنيا ( حسب تقرير منظمة العمل العربي 2012) هو سوء التوجيه التعليمي الممنهج مع حاجيات سوق العمل الموريتاني ……!
ولكن ما الحلُ لنصف مليون من وقودِ هذا الشعب …..؟ هنا سكت الجواب… !و كأن أهل الأدبِ واللغة والقانون كُتب عليهم أن ينضموا إلي ركب القواعدِ من الشعب الذين لا يرجون عُلوا في الأرض ولا نفعا ( المستهلكون و هي الغالبية ) ; وكأنه داءٌ عجز عنه دكاترتنا ومفكرونا وطاقمهم …….! أما الحل فهو تمهين الجيل القادم …!و الحالي إلى الشوارع ، ودولة لا توفر إلا الضربة إن لزم الأمرَ ، والمعارضة الشعارات و تطبيل و المرآتُ في الصلاةِ في الساحات…! أوليس لكل داءٍ في الأرض دواء ؟ هذا الداء فأين الدواء ؟ في دولةٍ إذا وُجهَ 40% من القطاع الضريبي ( الجمارك 2012 ) 118.80 ( مليار نموذجا ) قد يكفي لإدماج 230.000 عاطل في مشاريع صغيرة ومتوسطة ( pMp ) وبدورهم يُدحرجون عجلت الإنماء ( لكي لا أقول إنقاذ ) لتمر على فئات تحت خط التهميش ، وتنفض الغبار عن عقول شباب إن يزرعوا تفكيرهم و تأطيرهم ، قد ينتجوا ما تكتفي به الدولة اكتفاءً ذاتيا … هذا ما أظهرته الدراسات الإستراتجية في موريتانيا.
و إن كثر اللغَطُ ، والنقد ، والكلام ، والتنبيه واللمزُ والرمزُ، فلأن الجمهور وجد لكلامه آذاناً ، وحِساً قد يوصف بالإرادة.
فما دام يُنظر لأيام تفكيرية للتعليم وهيكلته ، فلما لا تعد ورشات تشاورية للحد الأدني للبطالة ( وهو غير مستحيل عندنا النموذج التركي ) والفقر للخروج بفكرة وخطة عمل واضحة جليةِ المعالمِ تعلن للعموم يشترك فيها الصغير والكبير ….؟
عندما فاز رجب طيب أردوغان ( والحِكمة ضالةُ المؤمن ) في بلدية إسطنبول كانت حينها ديونها مليارين دولار ، وأزمة السكن في ابشع صورها حيث كان مليون مواطن في العراء ، فلو كان له طاقمُ كمستشارينا لألمحوا له أن لا حل إلا إذا حاصرنا نسبة الولادة والخصوبة لكي لا تزيد المليون الي مليونان …..!
بينما قطعت رئاسة بلدية إسطنبول (ناتج القومي الخام 174 مليار من الدولار) العهد مع السلبية وأعلنت حالة الطوارئ و الاستنفار العملي ، إلي عمل تطوير البني التحتية ،و انتشاء السدود ، ومعامل تحلية المياه . وكذلك تطوير مواصلات المدينة من خلال أنشطة شبكة مواصلات قومية وقام بتنظيف الخليج الذهبي الذي كان مكبا للنفايات ليصبح معلما سياحيا كبيرا في البلاد ، هذه الأفكار كلها لم تعتمد علي مبدأ الإمكانيات بل اعتمدت علي أن لا يغيرَ الله ما بي قومٍ حتي يغيروا مابي أنفسهم .
فمادام أهلُ مكبرات الصوت فينا هدفهم هو إظهار الخيانة وتفشيل من يصل منهم إلي القرار ، بدل التكميل بالنقض البناء وإظهارِ بدائِل الحلول ومكامن النقص.
فأي مشروع دولة لا يكتب له النجاح إلا إذا كانت له معارضةٌ وطنية تضع القرارات علي ميزان العدل والنجاعة والفاعلية ، بدل نزاعات والضغائن الشخصية.
عندما ندرس مكونات النُخبة وبنائها لدى ( حماني أقفلي ) ونسقطها علي الواقع نهرب إلي الحكومة بعيوبها ، بدل المعارضة الشخصية والفقاعات النقدية الجوفاء.
فإصلاح الفاسِدِ مرتبةٌ دونها مرتبة ، وإفساد الفاسدِ مرتبة مادونها مرتبة ، وتلك الأمثال نضربها لناس وما يعقِلها إلا العالمون.
بعضُ المتوَجِعينَ للحالة العامة قد يَقعُ في أحضان من لاحُجةَ لنقضهم وبديلا إلى النقضَ لينقلب مرادهم كأنها محاكمةُ سمرقند التي هي من أعجب المحاكمات و أسرعها حكما في التاريخ; بين جيوش المسلمين والسمرقنديون .
قال كاهن السمرقنديون لقد اجتاحنا قتيبة ( قائد المسلمين ) بجيشه ولم يدعنا إلى الإسلام ولم يمهِلنا أما حجة قتيبة
أن الحرب خدعة وأن هذا البلد ذو أهمية إستراتجية.
فسئل القاضي او دعوتهم إلى لإسلام قال ما فعلت إلا ما قلتُ آنفا ، فقال القاضي أراك اقررت ، والإقرار حينها سيِدُ الأدلة ، ثم قال قضينا بإخراج جميع المسلمين نساءً ورجالا ، وتترك الدكاكين و الدورُ ولا يبقي في سمرقند أحد علي أن ينذرهم المسلمون بعد ذلك .
فما أن غرُبت الشمس حتى وصوت البكاء يسمع في كل بيت علي خروج تلك الأمة العادلة ولم يتمالك أهل سمرقند أنفسهم حتى خرجوا إلي معسكر المسلمين يرددون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله .
وهذا هو حالُ المدعي أي من عارَض عندنا علي من والى وكان الحكمُ للمثقف أما ردتُ فعل السمرقنديون كان هو شعبنا ، وتلك أيضا الامثال نضربها للقارئ ولا يعقلها إلي الذين يريدون أن يروْا هذا البلد آمنا مستقرا تهوي عليه أفئدة الناس ، و حيثُ لا يضطرُ طلابه عِلمه للغُربة ، ولا مرضاهُ للكُربة ، ولا عقوله إلي السُرْبة