حديث معاد بقلم ابراهيم ولد محمد

حديث معاد بلا مفاد إعود إتم ألاَّ حديث معاد…

هكذا وصف رئيس حزب تكتل القوى الديمقراطية حديثه، في المهرجان “الحاشد” الذي نظمه الحزب، والسيد رئيس الحزب أدرى بما يقول. كان مهرجان الحزب واسطة عقد تحرك المعارضة بعد فترة خمول تلت هبَّة الإرجاف والافك، وأيمان الغموس، وأحلام اليقظة، واستجداء الانقلابات، والسعي إلى السفارات، والسعاية عندها… فجأة انهار كل شيء وساد صمت المقابر كل الساحات، رحل الأحزاب من الشارع، ليستعيد الناس حياتهم الطبيعية. وأقبل بعضهم على بعض يتلاومون…

شعر قادة الأحزاب بأنهم فقدوا الكثير من صدقيتهم أمام جماهيرهم، فطالبوا بتجديد الثقة فيهم، فانكفؤوا إلى قواعدهم الضيقة، واستنجدوا بصلاتهم الخارجية، فكان تنظيم المؤتمرات تغطية على فشل المهرجانات، والمظاهرات… استقبل مطار نواكشوط سيد قطب، وتروتسكي، وجلس الاثنان جنبا إلى جنب، في قصر المؤتمرات! كان قطب يؤمم الدين لصالحه على لسان رئيس تواصل، في نسخته قبل الحادي عشر من سبتمبر حين قال: “نحن حزب الله، والأحزاب الأخرى علمانية”! كما قالت اليهود (نحن أبناء الله وأحباؤه)، فوضعوا، بعد التقريع، في مكانهم الصحيح (بل أنتم بشر ممن خلق). وكان تروتسكي، في نسخته الجديدة يناضل من أجل حقوق العمال والفلاحين، ويثري من سرقة المال العام,

حصل القادة على مبتغاهم بتجديد الثقة فيهم لأن تراخيص الأحزاب بأسمائهم. فعادت حليمة إلى خلافاتها القديمة، فسقطت كل الشعارات، وعاد القوم إلى الدروب التي ألفوها في رحلة الشتاء و الصيف، بين أقصى المعارضة، وأدنى الموالاة… انتهت المؤتمرات فكان لا بد من البحث عن مناسبة لإسماع الصوت الذي بدا مبحوحا. قرر الأحزاب العودة إلى نفس الساحات، بنفس الشعارات، لكن المعني بها، هذه المرة هم الاخوة المنافسون على قارعة الطريق. فأي الأحزاب أقدر على تعطيل المرور، وحرمان المواطنين من التنقل بسلاسة عن طريق كراء الحافلات، وسيارات التاكسي. كان اللقاء الديمقراطي السباق إلى حشد مناصريه، لأن ذلك لن يأخذ منه وقتا طويلا. تم اللقاء بين شلة معارف شكا بعضهم لبعض همومه، ورضوا من الغنيمة بالإياب. مر المهرجان كما تمر مباراة ودية بين فرق من الدرجة الثالثة.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

ثم تكتل التكتل في اليوم التالي، ولم تكن الكتلة التي حشدها تفوق كثيرا ثلة اللقاء. صحيح أن جماهير التكتل “العريضة” فاقت عصبة اللقاء القليلة. لكن ذلك لا يعود إلى كثرة المتكتلين، وإنما يعود إلى قلة الملتقين. تماما كما تقول إن واحدا أكثر من صفر، لا لأن واحدا كثير، وإنما لأن الصفر يهمل… اعترف رئيس التكتل بأن خطاب المعارضة حديث معاد، وهو ما يعني انعدام الرؤية، والتشبث بطرح جامد ينافح عن مصالح خاصة، ولا يقدم مشروعا وطنيا. ولم يبق في أذهان الناس من المهرجان سوى الشكوى من عصابات روعت المتكتلين، وعاثت في نسائهم فسادا رغم “كثرة” الرجال!

شمت التواصليون في المتكتلين مرتين؛ في قلة عددهم وعدتهم، وعدوا مصائب قوم عند قوم فوائد… سيحشدون أكثر مما حشد التكتل، وسيظهرون قدرتهم التنظيمية، وقوة شبيبتهم مقارنة بشيوخ التكتل. وبذلك بدأ الفيش بين العيش والعيش، كما قال أحد المراقبين لحراك المعارضة، ولسان حالهم يردد مع الشاعر السوداني..

كان.. وكنتم،

كنتم، كنا..

أقوى منكم، أضعف منا..

فينا.. فيكم..

فيكم.. فينا.

ونسينا.. ونسينا..

أن الكذبة أضحت دينا…

يظهر الفيش بشكل واضح في تغطية السراج لمهرجان تواصل حيث لحت على أنه “النشاط الأكثر تنظيما، والأكثر من حيث الحضور، حيث وصلت التقديرات إلى الآلاف، من بين سلسلة نشاطات منسقية المعارضة…” المهرجان في حقيقته حلقة في الصراع الداخلي لمنسقية المعارضة، حيث يدعي تواصل أحقيته بقيادة المعارضة، ومن ثم أحقية زعيمه في قيادتها إلى المجهول، كما فعل خلال أوهام الربيع.

أما تغطية الأخبار فقد ركزت على خطاب رئيس الحزب الذي لا يخرج عن خانة “حديث معاد بلا مفاد إعود إتم ألا حديث معاد”. رسم لوحته الانطباعية عن أحوال البلد، كما يتمناها، وأعاد قصة ينسبها تواصل، شيوخا وقادة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، مع إغفالهم السند، إن وجد! تقول الحكاية، التي لا يعرف أصلها، مثل الكثير من حكايات تواصل، إن أمير المؤمنين قرر “عدم إبقاء حاكم في منصبه أكثر من أربعة أعوام.” إذا افترضنا أن الرواية صحيحة في معناها، وهو ما لا دليل عليه، فإن في مبناها تدليسا. فلم تكن تسمية “الحاكم” من الخطط المعروفة أيام عمر، وإنما كانوا يستخدمون لفظ العامل، والأمير! ولم يذكر التواصليون، شيوخا أو قادة، أن عمر عزل فلانا بعينه لأنه أتم أربع سنوات في الخدمة. وإذا كانت هذه سنة عمرية، يريد التواصليون إحياءها، فينبغي أن تكون البداية بتطبيقها على “حاكمهم” الذي غير نصوصهم ليبقى في حاكميته أربع سنوات أخر.. “فإن كان عادلا فقد مل الناس عدله، وإن كان جائرا فكفى الناس من جوره.” وهذا هو التعليل الذي ينسبه التواصليون إلى ابن الخطاب، مع ما فيه من ركاكة الأسلوب!

هذا الاستدعاء المشبوه لسنة لم تثبت عن عمر، ولم يشغل التواصليون أنفسهم بإثباتها، لا يعود إلى تشبثهم بالسنة عموما، فالموقف الجديد للإخوان من السنة معروف، يعود إلى تنافسهم السياسي مع السلفية. وقد رفض أحد شيوخهم سنة عمر في وقوع الطلاق بالثلاث في لفظ واحد، وإن كانت الأمة تكاد تجمع عليها…

بعد حديث الرئيس، جاء دور نائبه “الغلام المكلف بالبذاءة”، فأتقن الدور الذي طال ما لعبه، حتى كأنه لم يخلق إلا له، وكلكم ميسر لما خلق له.

من معالم المهرجان التي خلدتها السراج، بالكلمة والصورة، قولها..” كما تميز المهرجان أيضا بقيام أحد الحاضرين بعد سماعه لنشيد لفرقة الحزب بالقيام برقصة شعبية، حيث لم يستطع الشيخ تمالك نفسه وقام بأداء رقصة شعبية على ألحان نشيد وسط تفاعل كبير من الحاضرين بما فيهم قيادات الحزب.” لعلها أصدق صورة تنقلها السراج، وقد يصدق…

سئل مالك بن أنس رحمه الله، عن الرقص، حلال أم حرام؟ فسأل عن الرقص ما هو؟ فمثله له السائل، فتعجب الشيخ قائلا: ” أيفعل هذا عاقل!” لكن شيوخ تواصل يفعلونه، حين يشعرون أن الوطن في خطر…

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى