” حرمة القانون”
فضلا عن ما يشاهد أمام الأعين وعلى مرأى ومسمع من الكل ، يتم بين الحين والآخر وصول خبر عن وقوع أحد المواطنين ضحية عمل إجرامي ، بقتله أو سلبه أو اغتصابه … من طرف مجرمين لا يحترمون القانون ولا يراعون حرمة النفس ولا المال أو العرض ، في الوقت ذاته لا نجد من تدابير للوقوف في وجه هذا الأمر سوى تسلي الشرطة ببعض المواطنين تقتادهم دون ذنب وبغير وجه شرعي إلى مفوضياتها وهي لا تعلم أنها بذلك ومن يأمرها يقعون فيما وقع فيه الصنف الأول ،بانتهاكهم لحرمة المواطن وتقييد حريته … وكأنهم يتقاسمون الأدوار مع أصحاب الأفعال السابقة اتجاه المواطن ، فأين يقف القانون من كل هذا ؟
منذ زمن والجريمة تنتشر في المجتمع الموريتاني انتشار النار في الهشيم ، وإن كانت اختلفت أساليبها مع مختلف مراحلها الزمنية ، أساليب أصبحت اليوم تتميز بالعلنية والعينة ، موضحة الوتيرة المتسارعة في معدل الجريمة نتيجة الفراغ القيمي والديني لدى أصحابها من جهة وتجاهل يصل حد المباركة من السلطة أحيانا من جهة أخرى ، ففي الوقت الذي بلغ فيه سيل الجريمة الزبى وأصبح الكل يشكيها يجد المواطن الحصيلة عقابا من نوع آخر يتمثل في إجراءات تنال من حريته وتدوس كرامته ، فهي لا تختلف عن سابقاتها إلا في المصدر . مما يجعل السلطة في ورطة قانونية ثنائية الأبعاد ، أحد أبعادها دولي بينما الآخر محلي .
تمتلك موريتانيا دستورا أوردت في ديباجته الإعلان عن تمسكها بمبادئ الديمقراطية الوارد تحديدها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من كانون الأول – ديسمبر 1948 بباريس ، مما يعني أن موريتانيا أصبحت ملزمة بما في هذا الإعلان ، الذي تضمنت مواده رؤية المنظمة لحقوق الإنسان المكفولة لكافة البشر ، المتمثلة في ضرورة عمل كافة الحكومات الموقعة عليه على اتخاذ كافة التدابير اللازمة والتي من شأنها أن تحول دون تعرض الإنسان “مواطنا أو أجنبيا ” لأي عمل بدني أو معنوي يمس من جسمه أو كرامته ، وهي بالتخصيص على سبيل المثال العمل بكافة الوسائل واتخاذ مجمل التدابير للحيلولة دون تعرضه للخطر من أي شيء ، أي الحفاظ على نفسه وماله وحريته ، فقد نصت المادة 11 من هذا الإعلان على أنه “لا يدان أي شخص من جراء أداء عمل أو الامتناع عن أداء عمل إلا إذا كان ذلك يعتبر جرما وفقا للقانون الوطني أو الدولي وقت الارتكاب ” .
كما ورد في نفس الدستور وفي ديباجته أيضا وبالتخصيص في نفس الفقرة التي تضمنت ما يتعلق بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان التمسك بالميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب الصادر بتاريخ 28 يونيو 1981 الذي تمت إجازته من قبل الرؤساء الأفارقة بدورته العادية رقم 18 في نيروبي (كينيا) يونيو 1981 ، الذي تنص مادته السادسة على أنه ” لكل فرد الحق في الحرية والأمن الشخصي و لا يجوز حرمان أي شخص من حريته إلا في الحالات التي يحددها القانون سلفا ، ولا يجوز بصفة خاصة القبض على أي شخص أو احتجازه تعسفيا ” .
وبالرجوع إلى ما جاء في الدستور نفسه وخصوصا فيما يتعلق بهذا المجال نجد المادة 10 منه قد نصت على أنه ” تضمن الدولة لكافة المواطنين الحريات العمومية والفردية وعلى وجه الخصوص :
– حرية التنقل …
…………
– لا تقيد الحرية إلا بالقانون “.
كما عززت ذلك المادة 13 من نفس الدستور التي نصت على أنه ” … لا يتابع أحد ، أو يوقف ،أو يعتقل ، أو يعاقب ، إلا في الحالات التي ينص عليها القانون ” .
وبين ثنائية دستورية دولية تملي من جهة العمل على ضرورة تأمين كل البشر في الحوزة الترابية للجمهورية الإسلامية الموريتانية ، ومن جهة أخرى حرمة المس من حرية أي منهم دون فعل مجرم بنص قانوني سابق على الفعل ، يخرج المواطن الموريتاني محروما من الاثنين ، فلا هو محمي من العصابات والمجرمين الذين أصبحوا يسرقون بل وينتزعون منه مختلف ممتلكاته من هاتفه النقال إلى نقوده ومن سرقة الحوانيت إلى المنازل ، وفي سبيل فعل ذلك مستعدين حتى للقتل كما تكرر أخيرا ، حيث وصل عدد ضحايا القتل في غضون 15 يوما إلى ما يقارب 31 شخصا ، فضلا عن الاغتصاب الذي أصبح ينتشر بشتى الأساليب حتى وصل لحد العلن ، ومنه يقف المواطن دون حماية من هؤلاء من طرف من يتحملون المسؤولية في ذلك ، أي من الرئيس الذي يقسم على السهر على تطبيق الدستور والعمل صوب الجانب الإيجابي بما يخدم المواطن ، الذي تبرز في مقدمته حين الترتيب حقه في الأمن والأمان ، فضلا عن المسؤولية الملقاة على رجال الأمن الذين ينهكون ذمة المواطن الاقتصادية بالضرائب التي منها تدفع أجورهم فضلا عن باقي الامتيازات التي يتمتعون بها ، فبالإضافة إلى المسؤولية المترتبة عن التقصير في العمل على تأمين المواطن ينتهكون هم الآخرون القانون في حقه مصطدمين بكل ما سبق فضلا عما تقره المادة 4 من القانون الجنائي الموريتاني ، التي إلى جانب سابقاتها معززات بالمادة بالمادة 71 من الدستور التي تنص على أن ” الأحكام العرفية وحالة الطوارئ يقرها رئيس الجمهورية لمدة أقصاها 30 يوما “. تقفان في وجه المس من أي شخص سواء باعتقاله أو غير ذلك بدون وجود نص سابق على ارتكاب الفعل ، أو في حالة طوارئ معلنة من طرف رئيس الجمهورية .
ومنه تفوز السلطة على المجرمين في السباق اتجاه حرمة المواطن ، حيث تبقى مسؤولية المجرمين في حدود فعلهم الإجرامي ، بينما هي مسؤولة عن امتناعها عن فعل اللازم لتأمين المواطنين ، إضافة إلى انتهاك القانون في حقهم بتقييد حريتهم والقبض عليهم دون أي وجه حق ، مما يعني حكمهم بحالة الطوارئ دون المرور بمسطرتها القانونية.
لا يعيش البشر دون عقد اجتماعي يتمثل في مجموعة من القوانين ترسم الخريطة التي تحدد مسار الكل دون اصطدام ، وإلزام الجميع باحترامها بسن نصوص تجبر أي ضرر ينجم عن أي احتكاك ، وعقوبة صارمة إذا دعت حاجة الردع لذلك ، وهو ما يجمل كله تحت اسم ” القانون” الذي لا يميزه عن باقي قواعد السلوك الاجتماعي إلا الإلزامية والردع . وحين يفتقدهما يكون اسما بدون معنى ، فهل يهدد افتقاده لهما في موريتانيا ضرورة التعايش ؟