الزمرة الملكية لعزيز .. حقيقة أم وهم؟

أطالع بين الفينة والأخرى في شتى المواقع، والجرائد أخبارا عن الزمرة الملكية لرئيسنا، وعن دورها المشبوه في جمع المال، والتسهيلات، التي تتلقاها لتبعد منافسيها عن طريقها، وتتحكم في الأرزاق والأعناق، مشكلة أوليغارشيه، تلعب دورا ابلوتوقراطيا، يعبر بجلاء عن خلق حالة من التطابق، والانسجام بين السلطة، والمال.

هذا الملأ الذي يأتمر بالبلد ليقتله، يزاوج –كما هي العادة- في الفئة الظالمة بين الأرستقراطية، والإقطاعية، ويخلق زمرة ملكية بيدها العسكر، والمال، ورابطها الأساسي هو النسب، أو المصاهرة، وطبعا وفق التقسيم الأفلاطوني لا تتطابق إطلاقا “دولة الأوليغارشيه” النخبوية، ذات الزمرة الملكية مع الدولة المثالية، التي لا بد أن تكون جمهورية، وديمقراطية، … المال فيها مشاع، وكذا الطعام للجميع، وحرية الرأي، والفكر غالبة.

وعود على بدء، لا أعتقد شخصيا أن “الزمرة الملكية”، -التي كانت تشكلها قطعان الأسود منذ القدم، حين تصطاد لجميع أفراد القطيع- موجودة في مجتمعنا الموريتاني بشكلها الحيواني، …، وإن كان بعض الكتاب في توصيفه لحالة التعارض القائمة بين الرئيس، وعماتو ذهب إلى أن الوطن يسرق في مؤامرة، وكان الكاتب من ذوي الرجلين، ويعتقد أن الضباع، التي هي الموريتانيون تخضع لخطط محكمة من السباع، التي تظهر العداء البيني، وتريد الانقضاض في النهاية على ما حوته خريطة الوطن ليكون صيدا وفيرا للزمرة الملكية، التي تتطابق مع ما نعته الكاتب في تلك الترهات.

وتعليقا على هذا النوع من الأوهام، وعلى ما كتبته “افريكوم”، وغيرها من المواقع عن حالة سرقة البلد من رجال عزيز، أنبه لمسائل هامة جدا في نظري كالتالي:

• لا وجود في موريتانيا للزمرة الملكية، ولا حتى لقطيع أسود برية تصطاد ما في الغابة للصالح العام للزمرة، والسبب الواقعي بسيط، فمن حكموا موريتانيا طويلا، كان أدنى أقاربهم منهم يموت جوعا، فيما يظهرون الكرم، والسخاء، والسماحة، والعطاء، والجود الحاتمي، ولكنهم حتى في الأسرة الواحدة، يتماهون مع حالة المجتمع، الموصوفة بحسد أبناء العمومة، فتجد أشقاء من بيضة واحدة، أحدهم بيخته، وإسطبلات خيله، وحاشيته، والثاني لا يعدو كونه من ماشيته في أحسن الأحوال، ويتلقى ما تتلقاه الماشية من العلف، و بقايا الطعام، ويلبس أسمال بالية.

• ما يراد له أن يبدو زمرة ملكية يرأسها الرئيس ليس منسجما من الناحية الاجتماعية أثنولوجيا، وعرقيا، فزعيمه المسمى في كافة المواقع بــ أفيل ولد اللهاه ليس من قبيلة الرئيس، وإن كان ينزل منه منزلة قرابة، إلا أن الزمر الملكية تظل حكرا من ناحية النوع، والفصيل على جنس من قبيل واحد، وهذا غير متحقق.

• يرى الكتاب أن الجنرال –كما يسمونه- بدد أموالهم على أهله كقبيلة، وليس لي تعليق في هذا الموضوع، إلا القول أن الجنرال النفيس من ينفع أهله بما حل من ماله، لقوله تعالى: ” يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ ” البقرة الآية 215، ومن هذه الآية استنتج العلماء: فضل الإنفاق على الوالدين، والأقربين؛ وأنه مقدم على الفقراء، والمساكين؛ لأن الله بدأ بهم؛ ولا يبدأ إلا بالأهم فالأهم.
ومن لا يوسعون على أهليهم مما أفاء الله عليهم ليسوا من الإنسانية في شيء، فالجنرال الذي لا يهب أهله شيئا هو عكس الجنرال النفيس، …، وهو جنرال تعيس بئيس.

وفي هذا تسمع في مجالس الناس كثيرا عن حالات من “الجنرلة” أصحابها يتخيرون الخبيث ينفقونه، كالعشرة آلاف، والألف، والمائة أوقية على الأكثر، ولا ينفقون إلا في المناسبات الكرنفالية السعيدة، وهذا مذموم، ويؤكد انعدام الزمرة الملكية، وأن ما يوجد بينها تحاسد، وتباغض، وتباعد، لا تجانس فيه، ولا إيثار، وقد نهى الله عن تخير الخبيث للإنفاق، جاء في محكم التنزيل:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ، إذن قبل أن يغمض بعض أغنيائنا في ثرائهم دون تأدية حقوق الزمرة عليهم أن يتنبهوا، وما أشبه من يوسع الله عليه في رزقه، ويتخير خبيث المال لينفقه على الأقارب و المحتاجين، بمن يخرج ما في جيبه لينقذ عجوزا غرقت صومعتها في الماء أمام ناظريه، فيخرج الذهب، والفضة، ولبد الآلاف، ويقدم في النهاية خمسة أواق مستديرة صدقة، وما أولاه بأن لا يرد فيه قول الشافعي:

وإن كثرت عيوبك في البرايا ** وسرك أن يكون لها غطاء

تستر بالسخاء فكل عيب ** كما قد قيل يستره السخاء

• إن الذين يقفون سدا منيعا، يطبلون ليثبتوا حالات التعاطف بين القبيلة الواحدة في موريتانيا، فيجعلون البعض يهودا، والبعض نصارى، والبعض أتراكا، أولئك يشوشون أفكار العامة، ويهيئون السلم الوطني لهزات اجتماعية لا تبرير لها، وكأنهم يقولون للشعب أن أفضل من سيحكمه هو رجل مقطوع من شجرة، وهذا في الحقيقة لعبة، وهو كثير، ولا يصلح للحكم، ولذا نجد تشجيعا متتاليا، ومتواليا للبعض لينقلب، فعن طريق الإيحاء يفهمون بعض قواد الجيش أن رئيسنا فيه عيب عنوانه: “الزمرة الملكية”، أو “رجال حول عزيز”، والحل في أن يتقدم للحكم قائد لا أهل له، وموجود مثل هذا القائد بكثرة، وكثرة أهل أيضا، لا يغلبهم ابنهم إلا بتنكره للدم، وعلى كل عندما لا يرحم قائد من حل ماله ذويه، فإنقاذ البلد لن يكون منه.

• القبائل التي تعيب هذا الرئيس بأنه ملكي أكثر من الملك، هي الأكثر ملكية في تاريخ الزمر، والمجموعات، وقد دأب الموريتانيون على الجحود، حيث العلم يحتكر، والشرف يحتكر، والمطر يحتكر، والحرية تحتكر، والعنصرية البينية ظاهرة اجتماعية، ولكن هذا الاحتكار لا فائدة منه حينما تتعلق الأمور بالتكافل الاجتماعي، والتضامن بين أفراد قطيع الزمرة الواحدة، فما أكثر الموتى جوعا، وعطشا، وهم أبناء الزمر الملكية الكبيرة.

ختاما، إذا ثبت لي شخصيا أن رئيس الجمهورية موسر في إنفاقه على ذويه، فأنا معه، ولكنني أستطيع المساعدة في حصول الشعب على جنرال معسر على زمرته الملكية، نقي اليدين من أن ينعم على قريب، شحيح إلا على مائدته، … ، أنا مستعد لأساعد، ورقمي هو ………، لا داع للتواصل.

د. دداه محمد الأمين الهادي.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى