عشرون على عشرين
هذه عشرون مسألة أرسلتها لترجم عشرين الشنقيطي التي رام في تغريده بها إبطال نصوص قطعية من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أطلت لأنني التزمت بالرد على كافة الشبه التي غرد بها، مع الإتيان بما يثبت القطعية من الأدلة فأقول وبالله التوفيق:
المسألة الأولى: يقول الشنقيطي في رسالته الخلافات السياسية بين الصحابة: “إن المنهج الذي ندعو إليه في هذه الدراسة، ونرى شيخ الإسلام ابن تيمية وبعض أهل الحديث خيرَ من نظَّر له وطبقه، هو منهج قائم على التوازن بين احترام مكانة الأشخاص والتقيد بقدسية المبادئ. وهو يراعي الترجيح الذي يصبح ضرورة شرعية وعملية أحيانا، حين لا يكون الجمع بين الأمرين متاحا، فيتحيز للمبادئ دون لجلجة.
ولقد عبر الشيخ محمد مولود ولد أحمد فال عن المبدأ نفسه قبل الشنقيطي حين قال:
رد الأجلاء على الأجــــــلا *** من الشيـوخ والأبيـــــن دلا
مع قبول كل واحد نبــــــه *** منهم على جـــــوازه أو طلبـه
رد على مالك ابن قــــــاسم *** وابن ابن عـــاصم على ابن عاصم
وابن مالك على ابن مــــــالك *** وسلم النقــــــاد كل ذلك
كذا الرهوني على رسوخــــه *** قد أكثر الرد على شيــــــوخه
وذاك عندي أن حق الحــــق *** مقدم على حقـــــــوق الخلق
وما الشنقيطي بمعزل عن القاعدة فإن تنكب الجادة تشبثنا بالمبدأ دون لجلجة، وصحنا به الطريق.
الثانية: زعم الشنقيطي أن الرجم من المصائب الفقهية الكبرى في تاريخ الإسلام ولم يكشف وجه المصيبة في ذلك أهي كثرة الضحايا، أم تشويه صورة الإسلام؟ أما الأولى فيردها أن حالات الرجم التي حفظت كانت هامشية محدودة معدودة، وأما الثانية فإن القائلين بها لا يفرقون بين الجلد والرجم إذ كلاهما تعذيب على ممارسة حرية شخصية، ولا يكفي في النجاة من سهامهم مجرد إنكار الرجم، وأي وحشية عندهم أعظم من جلد شاب لمجرد أن مارس حرية شخصية؟
الثالثة: زعم الشنقيطي أن الرجم أبلغ مثال على التخلي عن المحكمات القرآنية واتباع الآثار المضطربة زاعما أن أحاديث الرجم مضطربة وعلى غير عادته لم يأت بما يرقى إلى مجرد الشبهة، كما سنبين لاحقا.
الرابعة: يقول الشنقيطي تخلَّص الفقهاء من عقوبة الإقامة الجبرية للنساء، وعقوبة الأذى للرجال، بحجة أن الآيتين اللتين وردت فيهما العقوبتان منسوختان” ..ودون الوقوف عند ما توحي به كلمة التخلص من سبق الإصرار والتعمد، فلنا أن نسأل الشنقيطي ما هذا الأذى؟ الذي يتمسك به؟ وإلى متى الإقامة الجبرية؟ وما علاقة الآيتين برجم الزاني المحصن أليستا في اللواط والسحاق وليس الحديث عنهما؟
الخامسة: يقول الشنقيطي: “هكذا أراد الله عقوبة الزاني عذابا: (ويدرأ عنها العذاب) (ما على المحصنات من العذاب).. وجعلها فقهاءُ الرجم تقتيلا وتمثيلا، فأيهما أحسن قيلا.؟” ولنا أن نسأل عاميا طفيف الحظ من العلم ولا الفكر، إذا دخل الجلد في مدلول العذاب ألا يكون الرجم أوغل في العذاب إذ هو أنكى وأقسى؟ ولن نتتخلف الإجابة الفطرية التلقائية، أنه كذلك، كما لن تفوته تلك السخرية من فقهاء الرجم، وسيصدم حين يدرك أن منهم نبي الرحمة وأبو بكر وعمر وعلي وسائر الصحابة وبيان ذلك في الفقرات التالية.
السادسة: يجد المتتبع للأحاديث الواردة في الرجم أنها متواترة تواترا معنويا لا ينكره إلا جاهل أو مكابر، فهل رأيت صاحب جامع أو مسند أو مستخرج أو مصنف خلا كتابه من حديث يثبت الرجم، وهل فاتك أنه روى حكم الرجم عن النبي صلى الله عليه وسلم جمع من الصحابة منهم عمر وابنه عبد الله وعلي بن أبي طالب وأبو هريرة وخالد ابن زيد الجهني وسمرة بن جندب وجابر بن عبد الله وأبو برزة الأسلمي وأبو بكرة الثقفي وأنس بن مالك وأبو ذر الغفاري وغيرهم، وسنسوق بعض هذه الأحاديث بأسانيدها كما أخرجها مدونوها، فقد قال البخاري: حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا سلمة بن كهيل قال سمعت الشعبي يحدث عن علي رضي الله عنه حين رجم المرأة يوم الجمعة وقال قد رجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال البخاري كذلك: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثني إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس عن عمر قال: “إن الله بعث محمدا صلى الله عليه و سلم بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها رجم رسول الله صلى الله عليه و سلم ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف…إلخ” وسيأتي الكلام على استشهاد الشنقيطي ببعض هذا الحديث في المسألة الحادية عشرة، وقال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد الواحد حدثنا الشيباني سألت عبد الله بن أبي أوفى عن الرجم فقال : رجم النبي صلى الله عليه و سلم فقلت أقبل النور أم بعده ؟ قال لا أدري.
وقال مسلم بن الحجاج: حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار جميعا عن عبد الأعلى قال ابن المثنى حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن حطان بن عبد الله الرقاشى عن عبادة بن الصامت قال كان نبى الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أنزل عليه كرب لذلك وتربد له وجهه – قال – فأنزل عليه ذات يوم فلقى كذلك فلما سرى عنه قال « خذوا عنى فقد جعل الله لهن سبيلا الثيب بالثيب والبكر بالبكر الثيب جلد مائة ثم رجم بالحجارة والبكر جلد مائة ثم نفى سنة ».
وقال أيضا: حدثنى هارون بن عبد الله حدثنا حجاج بن محمد قال قال ابن جريج أخبرنى أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول رجم النبى -صلى الله عليه وسلم- رجلا من أسلم ورجلا من اليهود وامرأته. وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا روح بن عبادة حدثنا ابن جريج بهذا الإسناد مثله. غير أنه قال وامرأة.
وقال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبى شيبة قالا حدثنا حاتم – وهو ابن إسماعيل – عن المهاجر بن مسمار عن عامر بن سعد بن أبى وقاص قال كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامى نافع أن أخبرنى بشىء سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال فكتب إلى سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم جمعة عشية رجم الأسلمى يقول « لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ». وقال ابن أبي شيبة: “حدثنا هوذة بن خليفة قال: “حدثنا عوف عن مساور بن عبيد عن أبي برزة قال : رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا منا يقال له: ماعز بن مالك” وقال الإمام أحمد: “حدثنا وكيع قال حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم”، وقال أحمد أيضا: “حدثنا بهز حدثنا همام عن قتادة عن الحسن عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم”، وقال أيضا: حدثنا وكيع حدثنا إسرائيل عن جابر عن ثابت بن سعد أو سعيد عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم امرأة فأمرني أن أحفر لها فحفرت لها إلى سرتي، وقال الحاكم: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنبأ الربيع بن سليمان ثنا أسد بن موسى ثنا أنس بن عياض عن يحيى بن سعيد حدثني عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قام بعد أن رجم الأسلمي فقال: اجتنبوا هذه القاذورة التي نهي عنها فمن ألم فليستتر بستر الله و ليتب إلى الله فإنه من يبدلنا صفحته نقم عليه كتاب الله تعالى عز و جل. قال الذهبي في التلخيص : على شرط البخاري ومسلم.
وقال النسائي في الكبرى: أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي قال ثنا يزيد بن زريع قال ثنا محمد بن إسحاق قال حدثني محمد بن إبراهيم عن أبي الهيثم بن نصر بن دهر الأسلمي عن أبيه قال كنت فيمن رجمه فلما وجد مس الحجارة جزع جزعا شديدا فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال فهلا تركتموه ..إلخ.”، وقال أبو يعلى الموصلي : حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي ، عن محمد بن سليم عن نجيح أبي علي عن أنس بن مالك قال : رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر ، وعمر ، وأمرهما سنة”.
وقال البخاري: حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : “لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والمفارق لدينه التارك للجماعة” ورواه مسلم كذلك عن عثمان بن أبي شيبة ، عن جرير ، عن الأعمش به.
وقال البخاري: “حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال حفظناه من في الزهري قال أخبرني عبيد الله أنه سمع أبا هريرة وزيد بن خالد قالا: كنا عند النبي صلى الله عليه و سلم فقام رجل فقال أنشدك الله إلا قضيت بيننا بكتاب الله… وفيه: واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ) . فغدا عليها فاعترفت فرجمها” ورواه مسلم عن قتيبة بن سعيد ومحمد بن رمح عن الليث عن الزهري به.
السابعة: يقول الشنقيطي: “جل أحاديث الرجم يتضمن طعنا في حفظ القرآن الكريم. فمن قال بالرجم فهو قائل ضمناً بتحريف القرآن -والعياذ بالله- لأن أغلب أحاديث الرجم تفيد ذلك” بالله عليكم أين يمكن أن تتلمسوا ما بشبه هذه النتيجة من خلال الأحاديث المتقدمة، إنها ليست أكثر من نصوص متواترة تخصص عموم الآية، ولا يخفى ذلك على من له أدنى إلمام بالأصول.
الثامنة: يستطرد الشنقيطي أمثلة من الأحاديث تتحدث عن آية الرجم ورغم أن النسخ جائز لقوله تعالىما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير[البقرة: 106] وواقع بقوله تعالى: وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون[النحل: 101]، وإذا ثبت جواز النسخ فالأصل أن يجوز في عموم الصور العقلية: نسخ الحكم والتلاوة معا، ونسخ التلاوة دون الحكم ونسخ الحكم دون التلاوة، ولكل أمثلته المعلومة في كتب أصول الفقه وعلوم القرآن، وآية الرجم مثال على الثاني، بيد أنه على التسليم الجدلي بضعف كل ما تعلق بأصل وجود آية الرجم، فإن ما ثبت بالتواتر من فعل النبي في الأحاديث السالفة كاف في القطع بثبوته، ولا ضرورة للاستدلال بحديث الداجن ولا غيره ولنترد تحسين الألباني له عليه، ونعتمد ما قال لجوزقاني من أنه حديث باطل، فذلك لا يغير من الواقع شيئا.
التاسعة: يقول الشنقيطي: “من غرائب أحاديث الرجم الأثر الذي يقول “أتيَ عمر بمجنونة قد زنت، فاستشار فيها أناسا، فأمر بها عمر أن ترجم ” حتى أقنعه علي بتركها!! – أبو داود وأحمد” وهذا غريب فعلا، غير أن ثبوت الرجم لا يقدح فيه أن ترد فيه أحاديث ضعيفة أو موضوعة علاوة على تلك الصحيحة فيه، فقد ورد مثل ذلك في كل الأبواب حتى في فضائل القرآن، فهل نبطل كل فضائل القرآن بأحاديث نوح ابن أبي مريم التي وضع في بعضه؟
العاشرة: يقول الشنقيطي “يستبشع المقلدون رد أحاديث الرجم الواردة في البخاري ومسلم، ولا يعرفون أن الدارقطني رد 200 من أحاديثهما، ورد ابن تيمية والألباني بعضها” وهنيئا له الاجتهاد وليتجرع مخالفوه إهانة التقليد، غير أنه فات عليه أن بيبين لنا أن مما رد الدارقطني من صحيح البخاري أحاديث الرجم فذلك مقتضى العلمية، وربما لم يفته ذلك لكنه يعلم أن الأمر بخلاف ذلك، أم أنه يرى استباحة سائر الصحيح بمجرد أن تكلم الدارقطني في بعض أحاديثه؟.
الحادية عشرة: وأغرب الغريب أن من هذه الأحاديث التي يصفها بالاضطراب وأن الاعتماد عليها يؤدي إلى القول بتحريف القرآن ما اعتبره هو نفسه مستندا تاريخيا يثبت أن من الصحابة من لم يبايع أبا بكر فقد جاء في القاعدة التاسعة من رسالته الخلافات السياسية بين الصحابة وهو يتحدث عن عدم الخلط بين المشاعر والوقائع بأمثلة يعنينا منها المثال الأول حيث يقول: “إنكار الحقائق الثابتة بأصح معايير التثبت التاريخي عند المسلمين مثل إنكار امتناع علي بن أبي طالب من بيعة الصديق رضي الله عنهما طيلة الشهور الستة الشهور الأولى من خلافته، وإنكار امتناع سعد من مبايعة الصديق بقية حياته. رغم أن الحديث بالواقعتين صحيح، فقد أخرج البخاري قصة سعد وفيها: »فأخذ عمر بيده [بيد أبي بكر] فبايعه وبايعه الناس، فقال قائل قتلتم سعدا، فقال عمر: قتله الله« هذا الحديث تقدم سنده في الفقرة السادسة، فبأي مقياس يفيد هذا الحديث صحة عدم مبايعة سعد لأبي بكر ولا يفيد صحة الرجم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر؟
الثانية عشرة: يقول الشنقيطي “أنكر الشيخ محمد أبو زهرة –وهو أعلم الناس بالفقه ومدارسه في القرن العشرين عقوبة الرجم، واعتبرها تشريعا يهوديا لا إسلاميا” والمتمعن في هذا الكلام يدرك أنه يكفي في ثبوت الرجم فقد ضاقت المسالك على الشنقيطي حتى لم يجد من علماء الأمة من الأولين إلى عهد أبي زهرة من ينسب إليه إنكار الرجم سواه أو بعض المعتزلة والخوارج، أما اعتباره تشريعا يهوديا فهو مما يعزز كونه إسلاميا ولا ينفيه إذ أصل الشرائع واحد إلا ما اختصت به أمة دون أخرى قال تعالى: شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب [الشورى: 13].
الثالثة عشرة: رحمة الله على أبي زهرة وهنيئا له بهذا التتويج الانطباعي الذي لا يلائم العامي أحرى المفكر.
الرابعة عشرة: لا يستغرب من المعتزلة الذين رفضوا الإيمان بالنصوص القرآنية المتواترة في رؤية الباري يوم القيامة وغيرها من قواطع النصوص أن ينكروا أحاديث الرجم فتلك شنشنة أعرفها من أخزم، لكن الغريب أن يكونوا مرجعية رواد الحرية وهم الذين سجل لهم التاريخ أحلك أنواع التضييق على الفكر المخالف لما كان الحكم بأيديهم.
الخامسة عشرة: يقول الشنقيطي “قصة الغامدية محشوة بالتناقض والغموض، وأوله تضارب الروايات هل المرأة المرجومة غامدية أم جهنية، وهل هي قصة واحدة أم قصتان…الخ” بالله عليكم أي تناقض في النصين التاليين:
– نص حديث الجهنية عند مسلم “حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا هشام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي المهلب أن عمران بن حصين حدثه أن امرأة أتيت النبي صلى الله عليه وسلم من جهينة حبلى من الزنا فقالت يا رسول الله إني أصبت حدا فأقمه علي قال فدعا وليها فقال أحسن إليها فإذا وضعت فأتني بها ففعل فأمر بها فشكت عليها ثيابها ثم أمر بها فرجمت ثم صلى عليها فقال عمر رضي الله تعالى عنه تصلي عليها وقد زنت فقال لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل”.
– وقال النسائي في قصة الغامدية: “أخبرني إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني قال ثنا يحيى يعني بن يعلى بن الحارث ثنا أبي قال ثنا غيلان بن جامع عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال جاءت امرأة غامدية من الأزد فقالت : يا رسول الله طهرني قال ويحك ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه فقالت لعلك تريد أن تردني كما رددت ماعز بن مالك قال وما ذاك قالت إنها حبلى من الزنا قال أثيب أنت قالت نعم قال فلا أرجمك حتى تضعي ما في بطنك قال فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت وأتى إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال قد وضعت الغامدية فقال إذا لا نرجمها وندع ولدها صغيرا ليس له من يرضعه فقام رجل من الأنصار فقال إلي رضاعه يا نبي الله فرجمها”
أليس الظاهر أنهما قصتان متشابهتان لاختلاف السند، ولأن مثل هذه القصة لا غرابة في تعدده؟.
السادسة عشرة: يقول الشنقيطي: “هنالك خلاف في أسانيد هذه الأحاديث، لكن العلل في متونها أكبر، وأسوأ تلك العلل الطعن الضمني في حفظ القرآن، والمناقضة الصريحة لمضامينه” ولعمري إنه لغريب أن يصدر مثل هذا الكلام من معتن بالأحاديث وجمع أطرافها، فقلما يوجد باب فيه أحاديث لا يوجد اختلاف في الأسانيد وفي الألفاظ وليس هذا من الاضطراب في شيء وأدنى أمثلة ذلك حديث إنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم فرواية أبي هريرة في الصحيحين تختلف عن رواية عمر في صحيح مسلم، وقد بين الحفاظ أن التواتر اللفظي والمعنوي عزيز جدا، وإنما التواتر من مجموع المعاني، واختلاف الروايات في هل صلى النبي أو أمر بالصلاة وهل المعترض على صلاته عمر أو علي ليس من الاضطراب في شيء خاصة أن الحفاظ بينوا المحفوظ والشاذ في كل ذلك.
السابعة عشرة: أجمع المألفون في التفسير من عهد الطبري إلى الشهيد سيد قطب فيما اطلعت عليه كالرازي وأبي السعود والنسفي والتوحيدي والشنقيطي في الأضواء وغيرهم على أن المقصود بالمحصنة التي ينصف عذابها إنما هي الحرة البكر، وذلك جمعا بين أدلة القرآن وأدلة السنة ولجمع بين الأمرين متاح على حد تعبيره هو الذي أوردنا في المسألة الأولى وهكذا صرفوا لكل ما يناسبه، ولولا هذه الآية لحكموا بالأصل وهو أن حد الإماء بعد الإحصان الرجم، فلما نصفت الآية العذاب، صرف إلى ما يتنصف، ثم أطلق العلماء القاعدة في سائر الحدود فحكموا للعبد ذكرا أو أنثى بنصف حد الحر أليس من يعمل بقول الله وسنة ورسوله جميعا أهدى سبيلا وأقوم قيلا ممن يضرب أقوال بعضهما ببعض؟
الثامنة عشرة: بون شاسع ما بين التقليد واتباع السنة، فالتقليد أخذ قول الغير من غير معرفة دليله، فمن عرف الدليل ليس مقلدا، ومن خرج عن الدليل بان عواره.
التاسعة عشرة: بون شاسع بين إنكار الحكم الشرعي، وتعطيله لأسباب اجتهادية، فالأول خرم للدين والثاني قد يكون من مصلحته، كما عطل عمر حد السرقة عام الرمادة.
العشرون:
وضح الحق يالبيب فسلــم *** إن تسليم الحق فيه السلامه
ليس من أخطأ الصواب بمخط *** إن يؤب لا ولا عليه ملامـه
حسنات الرجـوع تذهب عنه *** سيئات الخطا وتنفي الملامه
إنما المخطئ المسي من إذا مـا *** وضح الحق لج يحمي كلامـه
الأستاذ محمدن بن الرباني