كيف تصنع جنرالا (النموذج الموريتاني ) :
تَكْثُر الترقيات والتعيينات في بلادنا، فلا تكاد تمر شمس يوم حتى نسمع بترقية او تعيين او اقالة او احالة للتقاعد. ولكن ترى ماهي المعايير المتبعة في ذلك ؟ هل تتم وفق ما هو سليم ومتعارف عليه في النظم والقوانين ام ان هناك امورا تحدث خلف الكواليس هي التي تتمخض عنها القرارات المتعلقة بتلك الاحداث ؟
ان مسألة الترقية عموما هي اعطاء الشخص رتبة اعلى من رتبته نظرا لمجهود بذله او خدمة اداها، او لقضائه فترة متعارفا عليها في وظيفة معينة ليستحق عليها الترقية. ولكن التجربة الموريتانية في هذا المجال تستحق ان نرفع لها القبعة احتراما لها ولأنها استطاعت ان تتفوق على التجارب الاخرى فهنيئا لها على هذا النموذج الفريد من نوعه. نعم لقد استطاعت ان تقدم مجموعة من الترقيات في شتى الوظائف منذ تأسيسها حتى الآن ولكن قطاع القوات المسلحة كان له نصيب الاسد من هذه الترقيات وهو ما يستوجب منا الوقوف عليها لنفهم الغرض منها ولكي تستفيد منها بقية القطاعات الوطنية الأخرى.
لقد كنا وقبل 2008 م لا نسمع كلمة جنرال سوى في نشرات الاخبار الدولية حيث كانوا يقودون الحرب في البلدان الاخرى مثل افغانستان والعراق وغيرها من الدول التي نشبت فيها الحروب. فلم تكن كلمة جنرال في قاموسنا العسكري الا حينما قررت جماعة من ضباطنا ان يكون لهم السبق على زملائهم الذين يفوقونهم من حيث الخبرة والاقدمية في سابقة هي اولى من نوعها في بلادنا، حيث منحهم اول رئيس موريتاني منتخب ديمقراطيا هذه الرتب دون ان يستشير الشعب او المؤسسة العسكرية ليضع حجر الاساس لمصنع الجنرالات في موريتانيا ذلك المصنع الذي اصبح المصدر الوحيد الذي يمد المؤسسة العسكرية بما تحتاجه من جنرالات.
ولكنَّ لمصنع الجنرالات شروطا ومؤهلاتٍ يجب ان تتوفر في الضباط الطامحين في الدخول اليه وهي :
– رضى الرئيس عن الضابط المترشح وعن تصرفاته وان يكون الرئيس متأكدا انه لن ينقلب عليه في أي وقت.
– ان يكون الضابط ضابطا ساميا ( من رتبة رائد – رتبة عقيد )
-تجربة انقلابية سابقة يكون لها دور فعال في إيصال الرئيس الحالي للسلطة
شهادة صحية تقر بقدرة الضابط المترشح العقلية والبدنية لممارسة العمل السياسي في الخفاء حتى يكون عونا لأحزاب الاغلبية.
– شهادة من سجله الدراسي يوقعها مدير الاعدادية التي كان يدرس فيها تفيد عدم تجاوزه لمستوى شهادة ختم الدروس الاعدادية او أي شهادة اخرى تعادلها، وان كانت لديه أي شهادة اخرى فليعلم قبل دخوله المصنع انه مساو لأصحاب شهادة الاعدادية وان ما يرفع من مكانته هو عمله الجاد في سبيل ارضاء قائده فحسب وليس مكانته العلمية.
اما المواد التي يتعلمونها خلال فترة تدريبهم داخل المصنع (كلية الجنرالات) فهي العمل على جعل المؤسسة العسكرية تحتل المرتبة الأولى بين مؤسسات الدولة وكذلك هناك افكار ومسلمات قد تعلموها خلال تكوينهم كضباط في المدرسة العسكرية تبقى ثابتة في المقرر الدراسي وهي العمل على جعل المؤسسة العسكرية مؤسسة عائلية محصورة ما بين الضابط وابنه وابن عمه وأبناء قبيلته ومعارفه ليَدخل الشعب في دورة التهميش العسكري و ليرفع الضباط شعارا صريحا: “المؤسسة العسكرية منا والينا”. ومن الافكار كذلك التي يتعلمونها ان السياسة هي الحل السحري للوصول الى الترقية السريعة وكذلك عدم الانشغال بالعمل العسكري فقط بل في التدخل في العمل المدني وعليه يتخرج الجنرال يحمل شهادتين احداهما عسكرية والاخرى مدنية ليبقى المدني عاطلا عن العمل في انتظار ما يفيض عن حاجة العسكري من الاعمال المدنية والتي في الغالب لا يستطيع العسكري ادائها بسبب البذلة العسكرية كالترشح للرئاسة فيُطَـلِّـق البذلة العسكرية ثلاثا ولكنه مازال متعلقا بها ويسعى لخدمتها فولائه المطلق لها ولأصحابها وهكذا. وبعد تلقيه التدريبات قد يتخرج قبل زملائه بسبب نبوغه في فهم المقرر اكثر منهم وحينها يكون جنرالا موريتانيا لا يشق له غبار وفي انتظار اول فرصة سانحة يتم اعلانه خريجَ مصنع الجنرالات الموريتاني.
دمتم صانعين لجنرالات حقيقيين لا مصنوعين حسب معايير غير موضوعية.
بقلم : احمد امحمد بن الفاضل