بومي تنتهج سياسة إسرائيلية في إينشيري .. والحكومة الموريتانية ضعيفة

نعم، سياسة إسرائيلية من حيث الأسلوب. لكن دعوني أوضح الأمر في عجالة لا يدعي كاتبها المهنية، ولا الحياد، في هذا، لأنه – بكل ببساطة – طرف مدني ضد الشركة في قضية السدود والأحواض الناضبة بخط انتمادي شرق مدينة أكجوجت، موضوع المقال، والمطروحة الآن أمام القضاء.

نعم، والحكومة الموريتانية ضعيفة لأنها أصبحت عاجزة عن ردم حفرة.

المقال مقال رأي شديد الانحياز ضد الشركة، لكن معاذ الله أن يكون ذلك الانحياز على حساب تحري الصدق والأمانة في تقديم ما تيسر من معلومات مفيدة لفهم المسألة.

  • 1 – هامر

بومي BUMIهي الشركة التي حصلت على رخصة استغلال معدن الحديد في المنطقة الممتدة من هضبة تمتكوط 40 كلم جنوب مدينة أكجوجت إلى هضاب لكليتات 20 كلم شرق المدينة. المعلومات المتوفرة عن الشركة غير دقيقة ومتناقضة في ما بينها في الغالب.

ظهرت فجأة في مدينة أكجوجت شركة لم يتمكن السكان من تحديد هويتها، ولا جنسيتها، ولا المسؤولين عنها، لا يعرفون عنها سوى جانبها المالي المثير للاستغراب : سيارات من نوع هامر يستقلها أشخاص من جنسيات مختلفة، يأجرون المنازل بأسعار باهظة، يتسابق المقاولون في التقرب إليهم، وكسب ودهم.

  • 2 –مكتب الحاكم

b5-3.jpgبعد ذلك تعاقدت BUMI مع مكتب SGSبشأن إعداد دراسة الأثر البيئي والاجتماعي للمشروع، فأرسل المكتب بعثة إلى المنطقة، والتقطت صورا ودونت معلومات عامة، نشرت لاحقا في الدراسة التي أعدت باللغة الفرنسية حصريا، وحصلت السلطات الإدارية المحلية منها على نسختين، إحداهما إودعت في مكتب حاكم أكجوجت، والأخرى لدى حاكم بنشاب.

هذه الدراسة كانت موضوع يوم تشاوري علني في مدينة أكجوجت حضره الجميع، قدمت فيه الشركة تصورا أوليا عن المشروع، ودونت مداخلات الحاضرين، وأبدت استعدادا كبيرا للتجاوب مع مطالب السكان وطمأنتهم على مصالحهم، وبددت تخوفاتهم، خاصة ما تعلق منها بالحفاظ على المجال الطبيعي، كالمراعي، والمزارع، ومجاري المياه.

11-8.jpgالشركة نشرت ملخصا من الدراسة في جريدة “الشعب” قدمت فيها معلومات جاءت مقتضبة ومبعثرة عن تصورها للمشروع، تضمنت مغالطات وأخطاء كبيرة حتى من التاحية اللغوية.

توجه السكان حينها إلى السلطات الإدارية للتعبير عن استياءهم من المغالطات الواردة في الدراسة، وسجلوا اعتراضاتهم لدى حاكم أكجوجت في السجل المفتوح لهذا الغرض، لكن قليلون هم الذين اطلعوا على النص الكامل للدراسة الذي كان محفوظا داخل مكتب الحاكم، والوثيقة التي قدمت للجمهور في مكتب الكاتبة باللغة العربية كانت عبارة عن ملخص مقتضب ومبتور في ورقات قليلة.

  • 3 – القضاء

لم تكترث السلطات الإدارية للأمر، فتوجه الأهالي إلى القضاء، رفعوا قضية ضد الشركة وضد مكتب الدراسات الذي أجرى الدراسة مطالبين بتصحيحها خاصة في مسألة جوهرية وحساسة برأيهم ألا وهي الحفاظ على مجرى خط انتمادي المار شرق مدينة أكجوجت على جهة لكليتات، حيث أن الدراسة تجاهلت المسألة إما عن جهل أو تجاهل.

كانت مخاوف السكان آنذاك متعلقة بشق الطريق الرابط بين لكليتات وأكجوجت، هل ستكون على شكل جسر، أو مطبات أرضية، أو ردما يعيق مجرى السيل ؟ حولت النيابة إبلاغا للشركة بالشكاية لكن الأخيرة لم ترد خلال الأجل القانوني المحدد أنذاك بـ 15 يوما، ونسيت القضية.

بومي قالت في الدراسة إنها ستبدأ استغلال الحديد ونقله إلى نواكشوط عبر الطريق في يناير 2012. قالت إنها ستحمل 3 ملاين طن سنويا في الشاحنات إلى ميناء الصداقة، فهذا مستحيل في الوقت الراهن إنها بكل بساطة خدعة كبيرة لا تنطلي على أحد.

  • 4 – الجريمة

الشركة قررت أن تضرب بقوة وفي الصميم، فأرسلت الجرافات إلى خط انتمادي وبدأت الحفر في يونيو 2011، تحت حماية عمال حراسة غير دائمين تابعين لشركة MSS.

توجه السكان إلى الحاكم والوالي للاستفسار لكن الأخيرين صرحا بعدم علمهما بالموضوع، مطالبين الأهالي بالتريث حتى يتم إرسال بعثة للتحقيق، وبقي الأمر على حاله مدة شهور : جرافات تعيث في الخط فسادا ولا أحد يكترث، وزارة البيئة تعرف أن تلك الجرافات تعمل لصالح شركة لم تحصل بعد حينها على رخصة الاستغلال، وكذلك وزارة التنمية الريفية، والمياه، والمعادن، والداخلية …

بدأت بعض وسائل الإعلام والجهات السياسية والاجتماعية تتحدث عن الموضوع، قادة أحزاب وبرلمانيون زاروا المكان، قالوا إنها “جريمة ضد الانسانية وإن صاحبها يستحق الإعدام”، لكن السلطات الإدارية التزمت الصمت.

  • 5 – إسرائيل

هكذا تتبع بومي سياسة “إسرائيلية” في ولاية إينشيري، فعندما يتقدم فلسطيني بشكوى من الجرافات التي دمرت مزرعته ويحشد التأييد لقضيته تقوم إسرائيل بتدمير منزله الذي يسكن فيه لتنسيه بذلك أمر المزرعة، وعندما يطرح أمر هدم المنزل يقتلون أحد أبناءه ويسجنون آخر، فينسى أمر المنزل، وهكذا ..

عندما شكك الأهالى في مصداقية الدراسة وطرحوا مسألة مرور الطريق من الخط، تقدمت بومي إلى الحكومة بطلب إذن بإنشاء أربعة طرق، وأرسلت الجرافات للاقتلاع الأشجار وإقامة السدود دون أن تطلب إذنا لذالك أو تشعر السلطات..

وفي موسم الأمطار 2011 غمرت السيول المنطقة، لكن السدود والأحواض أعاقت مسارها، ولم يتجاوز السيل تلك الحفر إلا ببضع كلمترات حيث لم يتجاوز منطقة لحريثات 5 كلم على جهة الجنوب.

  • 6 – النسيان

المزارعون والمنمون في الهدرة، ولخليج، ودمان، ولمدنة واتويزكت، أصيبوا بصدمة واستنكروا الأمر بشدة، لكن السلطات الإدارية أظهرت عجزها عن التدخل في أمر هذه الشركة القوية والغامضة والجريئة. يقال إنها مدعومة من قبل جهات عليا متنفذة في الدولة.

بعد أن تيقن السكان من عدم اكتراث السلطات الإدارية لأمرهم أو عجزهم عن الفعل، تقدموا بشكاية أخرى إلى القضاء للمطالبة بتوقيف الحفر، وإعادة تأهيل الخط، وعقاب الشركة على فعلتها. وقد أنستهم أعمال الحفر واقتلاع الأشجار، قضية الدراسة والطريق.

نجحت خطة الشركة في تلقين السكان المحليين درسا في التجبر والغطرسة، فبومي BUMI في الأصل شركة أمريكية لديها تاريخ عريق في استخراج الفحم وفي تسيير النزاعات مع المجموعات المحلية المتضررة من نشاطها المعدني في العالم.

كل ذلك جرى قبل حصول الشركة على رخصة الاستغلال، كانت لديها رخصة للتنقيب فقط.

  • 7 – الكلام

كثر الحديث في الدوائر العليا للدولة آنذاك عن الصراع بين متنفذين على عقود مع الشركة الجديدة: خدمات النقل، الحراسة، الصيانة، التموين، المعدات الثقيلة، الدراسات، المقاولات الكبيرة.. أما على المستوى المحلي، فهذا يعرض منزله للبيع، وهذا يعرض منزله للكراء، فقد تراوحت عقود ايجار المنازل مع بومي ما بين 600 ألف أوقية للشهر و400 ألف.

كثرت التكهنات حول الجهات العليا الداعمة للشركة، قيل إنهم أقارب الرئيس، وقيل في بعض الأساط إنهم اصهاره، وقيل غير ذلك، لكنننا لم نحصل على معلومات مؤكدة بهذا الخصوص، فعندما يتعلق الأمر بالمقاولات والمبالغ الكبيرة والسلطان، يتحول الجميع إلى صناديق سوداء. زار وزير النقل مدينة أكجوجت لتدشين المطار، فوجد السكان منشغين بقضية أعمال الحفر في خط انتمادي، ومتعطشين للقاء أحد أعضاء الحكومة.

  • 8 –الفعل

قال الوزير إن الشركة تقدمت إلى قطاعه بطلب إنشاء طريق، وهو قيد الدراسة، ولا يتضمن الطلب حفريات ولا سدودا، فإن كان الحفر من أجل الطريق فسوف يتم إيقافه فورا، وإن تعلق الأمر بقطاع آخر كالمعادن أو غيره فإنه سيدرس الأمر مع القطاع المعني، معربا عن عزمه إرسال بعثة في اليوم الموالي إلى الموقع للتثبت من الأمر.

وصلت بعثة الوزارة إلى خط انتمادي في اليوم الموالي، وعاينت أعمال الحفر وإقامة السدود، ورفعت تقريرا إلى الوزير الذي وافق إثر التقرير على طلب إذن بإقامة أربع طرق على شكل مطبات لا تعيق مجرى السيول، موجها للشركة طلبا بتوقيف أعمال الحفر فورا، وبعد ذلك ردم الحفر وإزاحة السدود في غضون ستة أشهر أي قبل شهر يونيو 2012 موسم الأمطار.

وفي تلك الأثناء امتلثت الشركة لأمر توقيف أعمال الحفر وأرسلت مبعوثا إلى السكان المحليين للتفاوض من أجل تأخير ردم الحفر وذلك قبل صدور أمر الردم كتابيا، فحصل اتفاق بين الطرفين يلزم الشركة الشروع في ردم الأحواض الجافة فورا، وتركت لها إحدى الحفر التي كانت قد امتلأت من مياه السيول للاستغلالها مدة ستة أشهر مقابل تجميد الأهالي دعواهم أمام القضاء. لكن المبعوث لم يعد بعد صدور رسالة الوزير إلى الوالي، فقد حققت له الحكومة مبتغاه والشركات الكبيرة – بطبيعتها – لا تقيم وزنا أخلاقيا للتعهدات اللفظية القديمة.

سرعت الحكومة الاجراءات الإدارية ومنحت الرخصة رقم 1525 لاستغلال مواد المجموعة 1 (الحديد) في منطقة تماگوط (ولاية إنشيري) لصالح شركة (تماكوط بومي س آ) التي باشرت أعمال شق الطرق الأربعة وتابعت أعمالها بوتيرة أسرع.

ظهرت خلافات حادة بين الشركاء الموريتانيين مع الشركة طرحت على المحكمة التجارية بباريس أربكت سير الأعمال وزادت الأمور تعقيدا.

بقيت السدود والأحواض الناضبة في خط انتمادي على حالها حتى غمرت السيول المنطقة خريف 2012 فامتلأت الأحواض وحبست السدود المياه فلم يصل تدفقها جنوبا مستواه المعتاد، فتأكد وعي المزارعين والمنمين وكذا السلطات الإدارية بخطورة الأمر. شكل الأهالي وفودا وتوجهوا إلى السلطات الإدارية لطرح قضيتهم، وأجروا اتصالات مع وزير الداخلية، فأمر الوزير بردم الحفر ووجه رسالة بهذا الخصوص إلى الولي الجديد، لكن الأخير لم يحرك ساكنا، وبقيت السدود والأحواض الناضبة على حالها، سكينا مغروزا في الخاصرة الرخوة لخط انتمادي، في انتظار موسم الأمطار في العام الثالث.

  • 10 – الحفرة

هكذا قلنا إن الحكومة ضعيفة. نعم، إنها ضعيفة لأنها عاجزة عن ردم حفرة بعد عامين من المراسلات الإدارية والانتظار. وزير النقل يطالب الشركة بالردم قبل يونيو 2012، ووزير الداخلية يصدر أمرا مكتوبا بعد ذلك بعام، وزارة التنمية الريفية لا تكترث، وزارة البيئة لا تكترث، ووزارة المياه…

  • 11 –الرحيل

أنهت الشركة عقود الإيجار في نهاية العام 2012 وسرحت العمال من جانب واحد دون سابق إنذار، وأبقت على الحراس، ونقلت المعدات إلى نواكشوط. راجت أخبار في المدينة مفادها أنها سوف ترحل، أو بيعت، أو تنازلت عن الرخصة لصالح أخرى، لا ندري، فالوزير الأول لم يتطرق في برنامج حكومته لعام 2013 أمام البرلمان، للموضوع.

وهكذا .. آذنتنا ببينها أسماء رُبَّ ثاو يُمل منه الثواء

  • 12 –عين المكان

شاهد مقابلة مع الكاتب من عين المكان يقدم فيها شروحا مصورة لتأثير السدود على مجاري السيول في خط انتمادي بتاريخ 13 نونبر 2012. أدار الحوار لفقيه ولد أحمد يعقوب بمشاركة سيد ولد محمد لمين مدير مكتب جوجل ريم في ولاية إينشيري.


سيد احمد ولد مولود

نواكشوط 27 يناير 2013

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى