شيخ يرسل رسالة الى مدير الصندوق الوطني بعد ان عجز عن لقائه
حدثني بعض الشيوخ أنهم كانوا في الماضي يسوقون المواشي من الحوض الشرقي إلى انواكشوط وكانوا يتحملون عناء ومشقة الطريق طيلة مدة السفر التي تقدر بأربعين إلى ثلاثين يوما متوالية هذا إذا تمت الرحلة دون عراقيل أما إذا تخللتها صعوبات وكثيرا ما تتخلل الأسفار المشاق فإن الوصول يحتاج إلى زمن إضافي حسب معالجة تلك العراقيل.
أما الآن ولله الحمد فقد تغيرت الوسائل فأصبح العصر يدعى عصر وفرة الوسائل وعصر الثورة المعلوماتية وعصر السرعة…
وقد سخر الله تعالى هذه الوسائل للإستفادة منها وإفادة البشرية منها بما يجلب السعادة والطمأنينة والراحة.
يحصل كل ذلك إذا استعمل الإنسان هذه الوسائل الإستعمال المطلوب والصحيح الذي يكون فيه الخير وحده أما إذا عطلها أو استعملها في غير الخير فلن يحصد إلا ما زرع فالمزارع يحصد فقط ما زرع إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا.
إن وفرة الوسائل جاء نتيجة للإنفجار العلمي الذي بموجبه تعددت فروع المعرفة وأصبح علم الإدارة علما مستقلا له مراجعه ونظرياته وأساتذته ومعاهده ومؤسساته وطلابه.
وفي الحديث الصحيح (إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ) وكذلك في الحديث (الرعية على قلب الأمير).
وكل مؤسسة يمكن الحكم عليها من خلال تقييم إدارتها فكما تكون الإدارة يكون العمال ويكون العمل والعبرة بالجوهر والجوهر هنا هو خدمة عمال الوظيفة العمومية وراحتهم والنصيحة لهم والرفق بهم وتوفير وقتهم وجهدهم ومالهم فليست العبرة إذا بالقشور واللافتات واللوحات التجميلية وفخامة المقر وكلف تأجيره فليس ذلك هو الهدف وإنما الهدف والعلة من وجون الصندوق هو التأمين الصحي للعمال وتقريب الإدارة منهم وعصرنتها وتطويرها وتكييفها مع حاجاتهم وضرورات تأمينهم.
والاسم كل اسم ينبغي أن يشتمل مسماه على معانيه أو بعضها أو جلها فكلمة الصندوق يفهم منها أنه ثمة مال محفوظ ومرصود للحاجة وأنه رهن الإشارة وكلمة التأمين يفهم منها الأمن والراحة والأمن هو الحاجة الأولى حسب ترتيب حاجات النفس البشرية والهدف من الصندوق هو التأمين من المرض والمرض عدو لا يرى بالعين المجردة وجنوده لا تنقصهم وسائل ولا يحتاجون إلى إذن من أحد ولا أوراق من أية سلطة ولا يعترفون بالحدود الدولية ولا يتعبون ولا يكلون فمكافحتهم تستدعي الاستنفار المستمر والسرعة والقوة في الرد إن لم يمكن التحصين أولا قبل الهجوم وكل منا يعرف ضخامة العراقيل المنصوبة دون الحصول على حق مساعدة الصندوق للموظف.
فالحالة المدنية لا تستقر على حال ولتسوية حلتك المدنية لا بد لك من مراجعة كل السلط في البلد : المحاكم ، مصالح الأمن ، البلديات ، الوكالة الوطنية لسجل السكان والوثائق المؤمنة
فإذا كنت من أهل العزيمة والصبر والوجاهة والمعرفة و… و… و… وتمكنت من الحصول على الوثائق فلتحمد الله واعرف أنك أنت الواحد من الألف الذي يتخطى الصعاب ويدخل الجنة إن شاء الله ولكن لتعلم أيضا أن هذه ليست نهاية الطريق وليست الوثائق المؤمنة كافية للحصول على تأمين صحي لدى الصندوق فالطريق ما زالت طويلة كمال كانت في البداية فرغم وفرة الوسائل ورغم السياسات المعلنة والداعية إلى عصرنة الإدارة وتقريبها من المواطنين والشفافية وسرعة التعامل مع الملفات فطريق التأمين الصحي هي الآن أشبه ما تكون بطريق النعمة قديما إذ تحتاج إلى أكثر من شهر للوصول إن تمكنت من تخطي الصعاب والعراقيل.
أيها المدير ، نسيت التحية في البداية تذكرتها الآن إذا بعد الاحترام والتقدير وكل اللافتات واللوحات.
إن العامل في الداخل ليس بإمكانه إعداد الملفات اللازمة ولا بإمكانه مراجعة الصندوق كل حين ليس لتقصير من الصندوق ولكن التقصير والخلل منه هو وكذلك النقص كل النقص.
فأنا كنت أعمل في الداخل بعيدا بعيدا عن الصندوق وبعيدا عن الصحة والتأمين وبعد وصولي إلى العاصمة وجدتني بعيدا كل البعد عن الوضعية المدنية الصحيحة التي تمكنني من الحصول على مساعدة الصندوق صحيح أن كل ذلك ليس خللا ولا عيبا في الصندوق ولكنه حصل ويحصل.
وبعد أن جمعت ما أمكنني جمعه من الوثائق وفحصته ونظمته تقدمت به إلى الصندوق لكنه لم يغير الوضع راجعت الصندوق أكثر من شهر فلم يتغير الوضع فكتبت إليكم سيادة المدير قبل أسبوع فما زال الوضع على حالته فأردت أن أجرب البحث عن طريق أخرى فاخترت لقاء المدير فالإدارة تذلل الصعاب وتفتح الطرق وتنيرها بما لها من خبرة وتجربة على أساسها يتم تعينها لكني وجدت فخامة المدير المدير ليس في جدوله اليومي ولا الأسبوعي وقتا للقاء ذوي الصعاب وبالرغم من كل ذلك سجلت اسمي ورقم هاتفي لدى السكرتارية قبل ثلاثة أيام وراجعتها فردت علي بأنه لا حاجة للمراجعة فالمدير إن سمح باللقاء سيتصلون علي ولكن المدير وقته مشغول وجدوله مكتظ باستقبالات الذين ليست لديهم مشاكل ولا عراقيل بل ولا علاقة لهم أصلا بالتأمينات الصحية أو جلهم على الأقل ولكنهم هم كلهم من ذوي الامتيازات الذين لا توصد في وجوههم الأبواب ولا تضيق الجداول عن لقياهم وتبادل الحديث معهم للساعات الطوال إذا فالمدير ليس في جدوله لقاء الذين تقطعت بهم السبل وضاقت بهم المستشفيات وأكلت أجسامهم الأمراض ونزل البكاء على عيونهم وشفاههم فاستوطنها وخصص كل وقته ومساحة جدوله الفسيحة للقاء الآلام والهموم.
لكن الموظف العمومي ما زال يحاول طمأنة أولاده على مستقبل و جدوائية تأمينهم الصحي بعد أن عجز عن طمأنة نفسه هو لأن طول الطريق وصعوبة جبالها ووحشة وديانها أنساه نفسه فطارت منه ولا يعرف أين ومتى طارت.
وعليه فإني أطلب من المدير البحث والتماس نفسي لدى الطائرين من حوله وما عليه إلا أن يخصص مكافئة تأمينية لأي شخص وجده وإن وجد فليتصل علي فورا وله مني كل الشكر والتقدير والاحترام.