مشاهد من مثلث الفقر

لقد جلت لأول مرة مؤخرا في مناطق من الوطن العزيز شملت مقاطعة باركيول في ولاية لعصابة وامبود في ولاية كوركول وجوانب من بلدية بكل بمقاطعة مونكل، وكان من حظي ان الجو كان جميلا والأودية سائلة والمياه منتشرة على وجه الأرض والخضرة عميمة والسكان مبتهجون والفلاحون منشغلون بزراعة الحقول رغم وسائلهم البدائية.
- 1 – كنت أحلم
لكن هل هذا كل ما في الأمر؟ إن المنظر الطبيعي الخلاب محفوف بجوانب أخرى غير مساعدة على الاستمرار في هذا الحلم الجميل من ذلك:
-المظهر العام للسكان الذي يوحي بالفقر والبؤس إنهم فعلا على خريطة مثلث الفقر؛ يبدو ذلك عند النظرة الأولي من الهندام الخارجي للفرد ومسكنه ومشربه ومأكله ووسائل نقله التي تعتمد على الأساليب البائدة؛ فقلما تشاهد سيارة تعبر هذه المناطق ولا يوجد حي يمتلك سيارة نقل تبيت فيه لتمكين ذويه في الصباح من الوصول إلي حوائجهم الصحية والاقتصادية ومراكز الحالة المدنية للحصول على الأوراق والتسجيل على اللائحة الانتخابية وغير ذلك من الحوائج المتفاقمة.
- 2 – الماء “المطروح”
– إن السكان ما زالوا يشربون في الغالب الأعم مياه الأمطار المعروفة بالغدير ويسمنها المياه “المطروحة” فقليلة هي المياه الصالحة للشرب حيث تندر المضخات المائية والآبار الصحية والموجود منها يبعد 15 كم عن الحي ودونه طرق وعرة وقد تبلغ نقطة الماء نصف ذلك عن بعض التجمعات السكانية ويتطلب الوصول إليه الذهاب فجرا والعودة بعد الظهر.
– لقد فاجأني الوضع حيث كنت اسمع أن الماء قد توزع هذه المناطق المنتمية لمثلث الفقر لكن الأمر كان بعيدا مما نسمع في الإعلام الرسمي الذي يعد مفقودا هو الآخر في هذه المناطق فبعد 15كم من مركز المقاطعة لا يمكنك أن تسمع صوت الإذاعة الوطنية فما بالك بالتلفزيون وستبقي منقطعا عن العالم الخارجي حتى تدخل عاصمة المقاطعة إلا من بعض الاتصالات الهاتفية التي تصلك من حين لآخر إذ الم تستنفد الهواتف طاقتها فتعبئتها لها حكايات أخري.
- 3 – الأجنحة الطويلة
لقد وزعت بعض الأنابيب في بعض مناطق باركيول ولكنها خالية من الماء فالمضخات التي ستوفر الماء داخل هذه الأنابيب ما زالت خارج المكان وتتطلب إحضارها وقتا ونرجو أن يختزل الزمن بشأنها فالسكان لا يتحملون الإنتظار أكثر؛ وأن لا تتضرر تمويلات تلك المشاريع من أصابع رموز الفساد المتمثلين في المقاولين المراوغين والمحميين من قبل ذوي الأجنحة الطويلة المتنفذين في أرزاق الناس في مختلف المنطق الداخلية ويظهرون الود للسلطات الحاكمة محليا ومركزيا.
- 4 – دسكي
-الطرق بين المناطق غير معبدة وبها الكثير من المطبات ومع الأمطار تنقطع بين العديد من الأحياء إثرالسيول الجارفة التي تمر عبر الأودية وغيرها من ممرات المياه؛ فلا يوجد معبر صالح غير معبر” دسكي” مما يتطلب تشييد قناطر عبر الأودية حتي لا يبقي السكان منعزلون عن بعضهم البعض أسبيع؛ لقد كانت هناك محاولات تشييد معابر مشابهة لمعبر دسكي؛ لكنها تضررت من سلوك المقاولين غير الأوفياء حيث يشيدون جسورا غير مكتملة التقنيات الفنية وبوسائل ضعيفة ورديئة كثيرا ما تجرفها السيول أم تمر بجانبيها من هنا وهناك؛ ويبقي ما كان مرجوا منه أن يكون ممرا على سطح الماء عائقا للحركة أثناء فترة السيول وبعدها.
- 5 – الماء لا بد أن يمر من حيث سبق أن مر
إن الطريق الذي عول عليه السكان كثيرا هو طريق الغايرة-باركيول وقد بدأ العمل بها بصورة متعثرة وهي تعاني الآن من سوء التقديرات الفنية فقد جرفت السيول العديد من الأرضية التي كان مقدرا لها أن تكون مدعمة كما جرفت الجسور التي وضعت على الممرات المائية لرداءة انجازها؛ فقد أعتمدت غلق الممرات دون ترك منافذ؛ وكأن العاملون عليها لايعرفون أن الماء لا بد أن يمر من حيث سبق أن مر؛ وبذلك التصرف الغبي ضاع الجهد الذي قد بذل سابقا وخسر السكان قدرا كبيرا من الوقت والقدرات المادية والعضلية الثمينة.
- 6 – جاءها المخاض على ظهر عربة
– عن الصحة حدث ولا حرج إنها الحاضر الغائب؛ حاضرة في أذهان السكان وخاصة النساء وغائبة من حيث الوجود الفعلي؛ يتحدثون عنها بآهات وألم عند ما يتذكرون اليوم الذي أخذ فيه المخاض فلانة في الحي الفلاني أوعندما وضعت حملها في ظروف يرثي لها وأصابها النزيف وقضي عليها وهي محمولة على ظهر عربة متجهة إلي أقرب نقطة صحية.
الوضع الصحي يتضرر منه الجميع أثناء الوعكات الصحية الحادة وفي فترة الخريف حيث تنتشر الحيات والثعابين وتتضرر النساء بشكل حاد أثناء الحمل والوضع والأطفال أثناء المرض وإبان فترات التلقيح الثلاثي.
- 7 – يخافون من سقوط المدرسة فوق رؤوسهم
-التعليم: قلما يرى الزائر مدرسة؛ وفي حالة وجود بعض الفصول تكون مهترئة ولا يوجد بها معلمون؛ قد تشاهد بعض المحاولات المحدود لتشييد فصول مدرسية؛ لكنها ظلت تعاني من التأخر وعدم استمرار تشييدها؛ وقد تعاقب عليها مقاولون متعددون ولمدة سنوات ولكن لم يكمل أحدهم العمل وبقيت الجدران قائمة على شكل ورشة دون إنجاز.
وقد يكمل المقاول العمل بصورة سيئة؛ فلا يستطيع التلاميذ ولا المعلمون دخول البناية خشية أن تتداعي على رؤسهم وبذلك يتفرق التلاميذ بين الأحياء ويعود المعلم من حيث قدم وتلك هي خاتمة تعليم أبناء مثلث الفقر في القرن الثالث والعشرين.
- 8 – الصلاة
لا تعتبر المساجد أكثر حظا من مختلف المنشآت الثقافية الأخرى؛ فعددها قليل وأبنيتها ضعيفة حتى لا نقول رديئة وهي عل رأس أولولات السكان لما توفر لهم من إقامة الشعائر الإسلامية وتساعد في محو الأمية عن الأطفال المحرومين من التعليم النظامي.
- 9 – يقضون الليالي في الطوابير
-النقل: يتذكره السكان مع كل حركة ضرورية؛ أثناء السعي للتزود بحاجيات المأكل و الملبس وعند ما يأخذ الطلق إحدى نساء الحي أو يضرب المرض أحد أفراد اسره؛ وأثناء السعي لنيل الأوراق المدنية أو التسجيل على اللائحة الانتخابية؛ولقد أظهر السكان الاستياء والاشمئزاز من طريقة تعامل القائمين على التقييد في السجل السكاني والانتخابي ومدي تعاليهم وتكبرهم؛ مبينين أنهم يقضون الليالي في الطوابير؛ مما أدي إلي مرض العديد منهم وسوء أحوال أسرهم أثناء غيابهم.
- 10 – محبطون من سلوك أهل السياسة
إن السكان يبدون استياءهم من مختلف السياسين الذين وصلوا إليهم لطلب أصواتهم ويبدون التشاؤم والامتعاض تجاه كل من يتحدث عن الساسة وصناديق الاقتراع فهم محبطون من تصرفات الجميع؛ ومع ذلك يوجزون مطالبهم للقادمين إليهم في نقاط محددة يعتبرون من ينفذها هو الفائز في نظرهم وتتمثل في:
حل مشاكل الماء والصحة والتمدرس والنقل ودعم المدارس والتعاونيات الزراعية والرعوية.
وخلاصة القول: إن دور الإدارة والأحزاب مختلط في اذهانهم؛ فكل من يتحدث عن الأمور العامة معني في نظرهم بمطالبهم ومسئول عن تخلفهم عن الركب الحضاري.
فالسكان في مثلث الفقر محبطون من سلوك السياسيين واصفينهم بالكذب والخداع؛وكذلك تصرفات الإدارين؛ الذين يعتبرونهم متمالئيين مع الوجهاء الأشرار ومحملينهم المسؤية عن تأخر الوضع الصحي والديني والتعليمي وعدم وصول أبنائهم إلي مصادر صنع القرار في البلديات والنيابيات.
- السالكه بنت اسنيد
الخميس 5 سبتمبر 2013