فولتير ….. ! (تدوينة)
كنت في الثامنة أو التاسعة من العمر حين وقعت باصرتي على مقال رشيق في مجلة العربي الكويتية موقع باسم الأستاذ احمد بهاء الدين يتحدث فيه عن التنوير في كتابات فولتير وجان جاك روسو.
أظن إذا لم تخني الذاكرة -انه كان بمناسبة مرور مائتي سنة على غيابهما وقد تغزل فيه ايما غزل بفلاسفة الأنوار ونفث فيه الكثير من صباباته بباريس ومدنيتها وثورتها العظيمة التي اعتبرها منعطفا في تاريخ الإنسانية.
رصعت حواشي المقال البهي والصقيل برسومات أنيقة للرجلين وقد تدلت ذؤابة فولتير في احداها كسالفة من ثلج …وتعالت هامة من الشعر الأشقر البهيج فوق روسو!
هكذا أصبحت فولتيريا في الثامنة من العمر …وهكذا اقتنعت مع روسو بوجود عقد اجتماعي بين الحاكم والمحكوم!
ثم ذات غداة وانا في الحادية عشرة قرأت تحت عراجين متدليات بواحة كرو -حيث تصالحت مع جذوري رغم أنفي-أول كتاب لفولتير وهو مجرد رواية صغيرة ترجمها عميد أدباء العربية وسادن الفولتيرية الأكبر بمصر الأستاذ طه حسين وتدعى زاديج بل لعله في تقديمه للأثر الجميل مرر لي فكرة ظريفة مفادها ان فولتير كان شديد التأثر بأقاصيصنا وآدابنا وان زاديج هذا ليس سوى نسخة فرنسية من شخص عربي يدعى الصادق!
كم كنت سعيدا وفخورا باكتشاف عروبة ما في فولتير الذي لم اعرف عنه الا ما كتب بهاء الدين وما تمثلت من الرسم الفاخر الذي زين جنبات المقال.
وغرقت في فولتير وعصره وخرجت سالما بشق الأنفس!
ثم رحت أبحث عن فولتير في كل زاوية وحتى يوم الناس هذا…!
ووقفت على آثاره بفرنسا وألمانيا …ولو كنت شاعرا لما ترددت لحظة في تخليده ومناجاته بقصيدة عصماء فخيمة كما فعل شوقي مع نابليون وغير نابليون.
رغم ذلك يجب التنبيه الى ان الفولتيرية بالنسبة لي ليست عقيدة ولا مذهبا وانما هي خليط من العقل والعاطفة ومنهجية متسقة تراعى المنطق وتستخدم تقنية السؤال الحثيث وتبتهل في محاريب الجمال!
فالإلحاد أمر غير مقنع –بالنسبة لي-حسب منطق الأشياء والكائنات وهو انحراف مرفوض وسخيف بمقاييس الجمال أيضا ولذلك يمكنني القول ان ادخال بعض المفاهيم الفولتيرية لبوتقتي الخاصة كمسلم أمر ميسور ومتسق تماما كما ادخل قبلنا حجة الإسلام الغزالي –رحمه الله- منطق ارسطو لبوتقته الخاصة!
في الختام أتمنى على أصدقائي في الفيسبوك المقيمين في دولة الكويت البحث في أرشيف العربي عن ذلك المقال الذي كتب احمد بهاء الدين وارساله لي.
أريد إعادة قراءته بعد نيف وثلاثين سنة على اختبر ذاكرتي ومعرفة درجة انتقائيتها.
فهل فيكم من سيتكرم علينا بهكذا تصرف نبيل؟